الرئيسية/شروحات الكتب/الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/(14) فصل في صور للحكم بالفراسة قوله “وقضى في رجل فر من رجل يريد قتله”

(14) فصل في صور للحكم بالفراسة قوله “وقضى في رجل فر من رجل يريد قتله”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الرّابع عشر

***    ***    ***    ***

القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "الطُّرقِ الحكميَّةِ في السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ" والكلامُ في الحكمِ بالأماراتِ الظاهرةِ، قالَ رحمَهُ اللهُ:
وَقَضَى فِي رَجُلٍ فَرَّ مِنْ رَجُلٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَأَمْسَكَهُ لَهُ آخَرُ، حَتَّى أَدْرَكَهُ فَقَتَلَهُ؛ وَبِقُرْبِهِ رَجُلٌ يَنْظُرُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهِ، فَوَقَفَ يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتَّى قَتَلَهُ. قَضَى أَنْ يُقْتَلَ الْقَاتِلُ، وَيُحْبَسَ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ، وَتُفْقَأَ عَيْنُ النَّاظِرِ الَّذِي وَقَفَ يَنْظُرُ وَلَمْ يُنْكِرْ (وهذا هوَ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ)
قالَ: فَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ، إلَّا فِي فَقْءِ عَيْنِ النَّاظِرِ، وَلَعَلَّ عَلِيًّا -رضيَ اللهُ عنهُ- رَأَى تَعْزِيرَهُ بِذَلِكَ، مَصْلَحَةً لِلْأَمَةِ، وَلَهُ مَسَاغٌ فِي الشَّرْعِ فِي مَسْأَلَةِ فَقْءِ عَيْنِ النَّاظِرِ إلَى بَيْتِ الرَّجُلِ مِنْ خُصٍّ أَوْ طَاقَةٍ، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ، الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلَا دَافِعَ، لِكَوْنِهِ جَنَى عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ، وَنَظَرَ نَظَرًا مُحَرَّمًا، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ.
فَجَوَّزَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَخْذِفَهُ فَيَفْقَأَ عَيْنَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.
وَفِي "الصَّحِيحِ": مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَفَقَئُوا عَيْنَهُ، فَلَا دِيَةَ، وَلَا قِصَاصَ»
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلٍ -رضيَ اللهُ عنهُ: قَالَ:
«اطَّلَعَ رَجُلٌ فِي حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ مِدْرى يَحُكُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إنَّمَا جُعِلَ الْاستئذْانُ مِنْ أَجْلِ الْنَّظرِ»
وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْهُ رضيَ اللهُ عنهُ: «أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سِتْرِ الْحُجْرَةِ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِدْرى، فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا ينظرُني حَتَّى آتِيَهُ لَطَعَنْتُ بِالْمِدْرَى فِي عَيْنِهِ، وَهَلْ جُعِلَ الاستئذانُ إلَّا مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ؟» أَيْ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَقِفُ لِي حَتَّى آتِيَهُ.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-:
«أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ إليه النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِشْقَصٍ، فَذَهَبَ نَحْوَ الرَّجُلِ، يَخْتِلُهُ لِيَطْعَنَهُ بِهِ، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْتِلُهُ لِيَطْعَنَهُ»
وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى بَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– فَأَلْقَمَ عَيْنَهُ خُصَاصَ الْبَابِ، فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ عُودًا مُحَدَّدًا، فَوَجَأَ عَيْنَ الْأَعْرَابِيِّ فَانْقَمَعَ، فَقَالَ: لَوْ ثَبَتَ لَفَقَأْتُ عَيْنَكَ»
الشيخ: المهمُّ أنَّه يعني..
القارئ: انقمعَ قالَ: ردَّ بصرَهُ ورجعَ.
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ: مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ»
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضيَ اللهُ عنهُ-، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ»
وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ فيه شَيْءٌ»
فَالْحَقُّ: الْأَخْذُ بِمُوجَبِ هَذِهِ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، وَالنَّاظِرُ إلَى الْقَاتِلِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ، وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَهُ وَيَنْهَاهُ: أَعْظَمُ إثْمًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحَقُّ بِفَقْءِ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي رَجُلٍ قَطَعَ فَرْجَ امْرَأَتِهِ: أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ دِيَةُ الْفَرْجِ، وَيُجْبَرُ عَلَى إمْسَاكِهَا، حَتَّى تَمُوتَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا. فَلِلَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْقَضَاءَ، وَأَقْرَبَهُ مِنْ الصَّوَابِ.

الشيخ: في تخريج؟ للقصّة هذه؟
القارئ: قالَ المحقِّقُ: لم أجدْهُ
الشيخ: لا إله إلَّا الله.
القارئ: قالَ:
فَلِلَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذَا الْقَضَاءَ، وَأَقْرَبَهُ مِنْ الصَّوَابِ. فَأَمَّا الْفَرْجُ: فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إنْفَاقُهُ عَلَيْهَا إنْ طَلَّقَهَا، فَلِأَنَّهُ أَفْسَدَهَا عَلَى الْأَزْوَاجِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِنَفَقَتِهَا وَمَصَالِحِهَا فَسَادًا لَا يَعُودُ، وَأَمَّا إجْبَارُهُ عَلَى إمْسَاكِهَا: فَمُعَاقَبَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، فَإِنَّهُ قَصَدَ التَّخَلُّصَ مِنْهَا بِأَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا بِالطَّلَاقِ، والْخُلْعِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى هَذِهِ الْمُثْلَةِ الْقَبِيحَةِ، فَكَانَ جَزَاؤُهُ أَنْ يُلْزَمَ بِإِمْسَاكِهَا إلَى الْمَوْتِ.
وَقَضَى فِي مَوْلُودٍ وُلِدَ لَهُ رَأْسَانِ وَصَدْرَانِ فِي حَقْوٍ وَاحِدٍ، فَقَالُوا لَهُ: أَيُوَرَّثُ؟

الشيخ: أعوذُ بالله، رأسان وصدران في؟
القارئ: حَقوٍ واحدٍ، قالَ: فَقَالُوا لَهُ: أَيُوَرَّثُ مِيرَاثَ اثْنَيْنِ، أَمْ مِيرَاثَ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: يُتْرَكُ حَتَّى يَنَامَ، ثُمَّ يُصَاحُ بِهِ، فَإِنْ انْتَبَهَا جَمِيعًا، كَانَ لَهُ مِيرَاثُ وَاحِدٍ، وَإِنْ انْتَبَهَ وَاحِدٌ وَبَقِيَ الْآخَرُ، كَانَ لَهُ مِيرَاثُ اثْنَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْف تُزَوَّجُ مَنْ وُلِدَتْ كَذَلِكَ؟ قُلْتُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَمْ أَرَ لَهَا ذِكْرًا فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو جَبَلَةَ: رَأَيْتُ بِفَارِسَ امْرَأَةً لَهَا رَأْسَانِ وَصَدْرَانِ فِي حِقْوٍ وَاحِدٍ مُتَزَوِّجَةً، تَغَارُ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ، وَهَذِهِ عَلَى هَذِهِ.

الشيخ: أعوذ بالله بس، حوادث.
القارئ: وَالْقِيَاسُ: أَنَّهَا تُزَوَّجُ، كَمَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءُ، وَيَتَمَتَّعُ الزَّوْجُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرْجَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي خِلْقةِ الْمَرْأَةِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّأْسَانِ عَلَى حِقْوٍ وَاحِدٍ وَرِجْلَيْنِ فَإِنْ كَانَ عَلَى حِقْوَيْنِ، وَأَرْبَعَةِ أَرْجُلٍ.
فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ، حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: "أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضيَ اللهُ عنهُ- بِإِنْسَانٍ لَهُ رَأْسَانِ، وَفَمَانِ، وَأَرْبَعُ أَعْيُنٍ، وَأَرْبَعُ أَيْدٍ، وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ، وَإِحْلِيلَانِ، وَدُبُرَانِ. فَقَالُوا: كَيْفَ يَرِثُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَدَعَا بِعَلِيٍّ -رضيَ اللهُ عنهُ-، فَقَالَ: فِيهِمَا قَضِيَّتَانِ، إحْدَاهُمَا: يُنْظَرُ إذَا نَامَ، فَإِن غَطَّ غَطِيطَ وَاحِدٍ، فَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ غَطَّ كُلٌّ مِنْهُمَا فَنَفْسَانِ، وَأَمَّا الْقَضِيَّةُ الْأُخْرَى، فَيُطْعَمَانِ وَيُسْقَيَانِ فَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، وَتَغَوَّطَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ فَنَفْسَانِ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبَا النِّكَاحَ. فَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَا يَكُونُ فَرْجٌ فِي فَرْجٍ وَعَيْنٌ تَنْظُرُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذْ حَدَثَتْ فِيهِمَا الشَّهْوَةُ، فَإِنَّهُمَا سَيَمُوتَانِ جَمِيعًا سَرِيعًا، فَمَا لَبِثَا أَنْ مَاتَا، وَبَيْنَهُمَا سَاعَةٌ أَوْ نَحْوُهَا.

الشيخ: اللهُ المستعانُ.
القارئ: قالَ: وإسنادُ هذا الأثرِ مسلسلٌ بالكذَّابينَ.
الشيخ: بس [يكفي]، منين هذا؟ يقوله المحقِّق؟
القارئ: أي نعم
الشيخ: منين جاب [من أين جاء به؟]
القارئ: قالَ: انظرْ شرحَ النَّيلِ وشفاءَ العليلِ و
الشيخ: شرح النيل؟
القارئ: نعم
الشيخ: نيل الأوطارِ أي، وش بعد؟
القارئ: وشفاءَ العليلِ، وإسنادُ هذا الأثرِ مسلسلٌ بالكذَّابينَ.
الشيخ: عجيب! منين جاب هذه الكلمة "مسلسلٌ بالكذَّابين"؟
القارئ: هو يبدو مَن، قالَ: ترجمَ لهم مِن قبلُ، ترجمَ لهم مِن قبلُ، قالَ: كما سبقَ في ترجمتِهم، كأنَّه ترجمَ لهم مِن قبلُ يا شيخُ
الشيخ: ترجم لهم …
القارئ: نعم
الشيخ: طيَّب اتركْه بس، أقولُ: ما نحتاجُ إلى كذبِ الكذَّابينَ.
 

القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم
فَصْلٌ
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أُتِيَ بِامْرَأَةٍ زَنَتْ، فَسَأَلَهَا فَأَقَرَّتْ فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ -رضيَ اللهُ عنهُ-: لَعَلَّ لَهَا عُذْرًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَا حَمَلَكِ عَلَى الزِّنَا؟ قَالَتْ: كَانَ لِي خَلِيطٌ، وَفِي إبِلِهِ ماءٌ ولبنٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي إبِلِي مَاءٌ وَلَا لَبَنٌ فَظَمِئْتُ فَاسْتَسْقَيْتُهُ، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَنِي حَتَّى أُعْطِيَهُ نَفْسِي. فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا. فَلَمَّا ظَمِئْتُ وَظَنَنْتُ أَنَّ نَفْسِي سَتَخْرُجُ أَعْطَيْتُهُ الَّذِي أَرَادَ، فَسَقَانِي

الشيخ: هذا مثل قصَّة الثلاثة الَّذين آوَوا إلى الغارِ.
القارئ: فَقَالَ عَلِيٌّ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173]
الشيخ: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:33]
القارئ: وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ جَهِدَهَا الْعَطَشُ، فَمَرَّتْ عَلَى رَاعٍ فَاسْتَسْقَتْ، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا ففعلَتْ. فَشَاوَرَ النَّاسَ فِي رَجْمِهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ مُضْطَرَّةٌ، أَرَى أَنْ تُخْلِيَ سَبِيلَهَا، فَفَعَلَ.
قُلْت: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا، لَوْ اضْطَرَّتْ الْمَرْأَةُ إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ عِنْدَ رَجُلٍ فَمَنَعَهَا إلَّا بِنَفْسِهَا، وَخَافَتْ الْهَلَاكَ، فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا.

الشيخ: أي واللهِ.
القارئ: فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا، أَمْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَصْبِرَ وَلَوْ مَاتَتْ؟ قِيلَ: هَذِهِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَا، الَّتِي يُقَالُ لَهَا: إنْ مَكَّنْتِ مِنْ نَفْسِكِ، وَإِلَّا قَتَلْتُكِ. وَالْمُكْرَهَةُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْ الْقَتْلِ بِذَلِكَ.
وَلَوْ صَبَرَتْ لَكَانَ أَفْضَلَ لَهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ، وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا. فَالْمُكْرَهَةُ عَلَى الْفَاحِشَةِ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لِرَجُلٍ، وَقِيلَ لَهُ: إنْ لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِكَ، وَإِلَّا قَتَلْنَاك، أَوْ مُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، حَتَّى يُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهِ، وَخَافَ الْهَلَاكَ. فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّمْكِينُ؟ قِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَيَصْبِرُ لِلْمَوْتِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ: أَنَّ الْعَارَ والفسادَ الَّذِي يَلْحَقُ الْمَفْعُولَ بِهِ، لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، وَهُوَ شَرٌّ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ مُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، حَتَّى يَمُوتَ؛ فَإِنَّ هَذَا فَسَادٌ فِي نَفْسِهِ وَعَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَنُطْفَةُ اللُّوطِيِّ مَسْمُومَةٌ، تَسْرِي فِي الرُّوحِ وَالْقَلْبِ، فَتُفْسِدُهَا فَسَادًا، قَلَّ أَنْ يُرْجَى مَعَهُ صَلَاحٌ.
فَفَسَادُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ رُوحِهِ وَبَدَنِهِ بِالْقَتْلِ، دُونَ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ يُرَاوِدُهُ عَنْ نَفْسِهِ، إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ.

الشيخ: حتَّى المرأة، حتَّى المرأة يجوزُ لها أنْ تقتلَ من يريدُ إكراهَها.
القارئ: وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ يُرَاوِدُهُ عَنْ نَفْسِهِ، إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ مَفْسَدَةٍ.
وَلَوْ فَعَلَهُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ بِيعَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ اسْتِدَامَةِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِتْقِ بِالْمُثْلَةِ، لَا سِيَّمَا إذَا اسْتَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا جَارٍ مَجْرَى الْمُثْلَةِ.
وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ يُتَّهَمُ بِغُلَامِهِ. فَأَرَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ، فَدَبَّرَ غُلَامَهُ فَقَالَ: يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، إذَا كَانَ فَاجِرًا مُعْلِنًا. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يُبَاحُ لِلْغُلَامِ أَنْ يَهْرُبَ؟ قِيلَ: نَعَمْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الطَّرَسُوسِيُّ -رحمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِ تَحْرِيمِ اللِّوَاطِ: بَابُ إبَاحَةِ الْهَرَبِ لِلْمَمْلُوكِ إذَا أُرِيدَ مِنْهُ هَذَا الْبَلَاءُ، ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: " أَنَّ عَبْدًا أَتَاهُ، فَقَالَ: إنِّي مَمْلُوكٌ لِهَؤُلَاءِ، يَأْمُرُونَنِي بِمَا لَا يَصْلُحُ أَوْ نَحْوِهِ. قَالَ: اذْهَبْ فِي الْأَرْضِ"
وَذُكِرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّيَّانِ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْغُلَامِ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَفْضَحُوهُ؟ قَالَ: يَمْنَعُ، وَيَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْجِيهِ إلَّا الْقَتْلُ، أَيَقْتَلُ حَتَّى يَنْجُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَيَكُونُ مُجَاهِدًا إنْ قَتَلَ، وَشَهِيدًا إنْ قُتِلَ. فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، فَكَيْفَ مَنْ قُتِلَ دُونَ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ؟
فصلٌ: ومِن ذلكَ

الشيخ: إلى هنا.. نعم يا محمَّد.
 

القارئ: في أحدِ المستمعينَ عبرَ الشبكةِ نقلَ هنا من كتابِ الجرحِ والتعديلِ لابنِ أبي حاتمٍ يقولُ: المشهورُ الَّذي يروي عن الحسنِ ولا يروي عنهُ إلَّا المعتمرُ، سلمُ بنُ أبي الذَّيَّالِ، بصريٌّ روى عن الحسنِ ومحمَّدِ بنِ سيرينَ وحميدِ بنِ هلالٍ وصالحِ الدَّهَّانِ، وروى عنهُ معتمرُ بنُ سليمانَ سمعْتُ أبي يقولُ ذلكَ، حدَّثَنا عبدُ الرَّحمنِ أخبرَنا عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنُ حنبلٍ فيما كُتِبَ إليهِ قالَ: سمعْتُ أبي يقولُ: سلمُ بنُ أبي الذَّيَّالِ ثقةٌ، صالحُ الحديثِ ما أصلحَ حديثَهُ، ما سمعْتُ أحداً حدَّثَ عنهُ غيرَ المعتمرِ، وكانَ غزا معَهُ في البحرِ وسمعَ منهُ، زعمُوا ذلكَ.
وحدَّثَنا عبدُ الرَّحمنِ قالَ: قُرِئَ على العبَّاسِ بنِ محمَّدٍ الدَّوريِّ قالَ: قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: سلمُ بنُ أبي الذَّيَّالِ أحاديثُهُ متقاربةٌ، لم يروِ عنهُ غيرُ المعتمرِ.
وحدَّثَنا عبدُ الرَّحمنِ قالَ: أخبرَنا محمَّدُ بنُ أحمدَ بنُ البراءِ قالَ: قالَ عليٌّ بنُ المدينيُّ: ما رأيْتُ أحداً يعرفُ سلمَ بنَ أبي الذَّيَّالِ غيرَ إسماعيلَ بنَ إبراهيمَ، يعني: ابنَ عليةَ.
حدَّثَنا عبدُ الرَّحمنِ قالَ: أخبرَنا يعقوبُ بنُ إسحاقَ الهرويُّ فيما كتبَهُ إليهِ قالَ: أخبرَنا عثمانُ بنُ سعيدٍ الدَّارميُّ قالَ: سألْتُ يحيى بنَ معينٍ، قلْتُ: سلمُ بنُ أبي الذَّيَّالِ؟ فقالَ: ثقةٌ، قلْتُ روى عنهُ غيرُ المعتمرِ؟ قالَ: نعم هو مشهورٌ ثقةٌ.
الجرحُ والتَّعديلُ لابنِ أبي حاتمٍ.

الشيخ: جزاه اللهُ خيراً، لا إله إلَّا الله.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات