بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الثّالث والعشرون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَه اللهُ تعالى- في كتابِه "الطرقُ الحُكمية":
فصلٌ: وَفِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ وَأَثَرٌ وَقِيَاسٌ:
فَأَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ: مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. وَهُوَ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَائِنِيِّ -مَجْهُولٌ- عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ".
وَأَمَّا الْأَثَرُ: فَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ" عَمَّنْ هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ عَنْ عَلِيٍّ. قُلْت: وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ صِرْنَا إلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنْهُ.
– الشيخ: الله المستعان.
– القارئ: وَتَنَاظَرَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: بِأَيِّ شَيْءٍ قَضَيْت بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا، حَتَّى وَرِثْتَ مِنْ خَلِيفَةٍ مَلَكَ الدُّنْيَا مَالًا عَظِيمًا؟ قَالَ: بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْتُ: فَعَلِيٌّ إنَّمَا رَوَى عَنْهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُجَيٍّ وَرَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَكَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ.
– الشيخ: أعوذ بالله، شيعيّ.
– القارئ: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَدْ رَوَى سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ -وَسُوَيْدٌ هَذَا: ضَعِيفٌ- قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ: لَوْ صَحَّتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْنَا بِهِ. وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ خَلَلٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيُّ وَالضَّحَّاكِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: "أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ وَامْرَأَتَهُ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُفَرِّقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَأَنْ تَنَزَّهَ خَيْرٌ لَكَ، قَالَ: نعمْ. ثُمَّ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ: تُحَدِّثُونَ عَنْ ذَلِكَ بِهَذَا عَنْ حَكَّامِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ فائِدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ الْحَارِثِ الْغَنَوِيِّ "أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمَا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاَللَّهِ لَقَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَإِنَّكُمَا لَابْنَايَ. فَانْقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ. فَكَتَبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: أَنْ اُدْعُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، فَإِنْ كَانَ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَتْ فَفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ فَخَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، إلَّا أَنْ يَتَنَزَّهَا؛ وَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنَّاسِ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا فَعَلَتْ".
– الشيخ: الله المستعان، الله أعلم، الأظهر أنه إذا كانتِ المرأةُ ثقةً ولم يكنْ هناكَ قرينةٌ تدفعُ قولَها، فالرسولُ قالَ في شأنِ امرأةِ عقبة: (كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ) كأنَّ هذهِ العبارةُ تُشعِرُ بالإرشادِ إلى التَّنَزُّه.
– القارئ: قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْت زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يُحَدِّثُ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- لَمْ يُجِزْ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ فِي الرَّضَاعِ".
حَدَّثَنَا هُشَيمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَحَجَّاجٌ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ فِي امْرَأَةٍ شَهِدَتْ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْهُمَا، فَقَالَ: "لَا، حتى يَشْهَدُ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ -رحمه الله- يَأْخُذُ بِقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا مَالِكٌ -رحمه الله-: فَإِنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقْبَلُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ، وَيَقْبَلُونَ فِيهِ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَا يُمْكِنُ لِلرِّجَالِ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا النِّسَاءُ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ.
قَالُوا: وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّ مَا قُبِلَ فِيهِ قَوْلُ النِّسَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْعَدَدُ، كَالرِّوَايَةِ.
قَالُوا: وَأَمَّا اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الطِّفْلِ، وَلَا تُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمِيرَاثِ.
وَثُبُوتُ النَّسَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتٌ يَكُونُ عَقِيْبَ الْوِلَادَةِ، وَتِلْكَ حَالَةٌ لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ بعَّضَ أَحْكَامِ الشَّهَادَةِ، وَأَثْبَتَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الواحدةِ احْتِيَاطًا، وَلَمْ يُثْبِتْ الْمِيرَاثَ وَالنَّسَبَ بِشَهَادَتِهَا احْتِيَاطًا.
قَالُوا: وَأَمَّا الرَّضَاعُ: فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مَتَى ثَبَتَتْ
– الشيخ: الظاهر أن البحث ثاني.
– القارئ: إي نعم
– الشيخ: أما الرضاع إلى آخره. نعم يا محمد.