بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: الخامس
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أما بعد؛ قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمه الله تعالى- في كتابه الداء والدواء:
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "مَا كَرَبَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، إِلَّا اسْتَغَاثَ بِالتَّسْبِيحِ".
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "الْمُجَابِينَ فِي الدُّعَاءِ" عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْأَنْصَارِ يُكَنَّى أَبَا مِعْلَق، وَكَانَ تَاجِرًا يَتَّجِرُ بِمَالٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، يَضْرِبُ بِهِ فِي الْآفَاقِ، وَكَانَ نَاسِكًا وَرِعًا، فَخَرَجَ مَرَّةً فَلَقِيَهُ لِصٌّ مُقَنَّعٌ فِي السِّلَاحِ، فَقَالَ لَهُ: ضَعْ مَا مَعَكَ فَإِنِّي قَاتِلُكَ، قَالَ: مَا تُرِيدُ إلى دَمِي؟ شَأْنُكَ بِالْمَالِ، قَالَ: أَمَّا الْمَالُ فَلِي، وَلَسْتُ أُرِيدُ إِلَّا دَمَكَ، قَالَ: أَمَّا إِذْ أَبَيْتَ فَذَرْنِي أُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، قَالَ: صَلِّ مَا بَدَا لَكَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ فِي آخِرِ سجدة أَنْ قَالَ: "يَا وَدُودُ يَا وَدُودُ، يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، يَا فَعَّالًا لِمَا تُرِيدُ، أَسْأَلُكَ بِعِزِّكَ الَّذِي لَا يُرَامُ، وَبِمُلْكِكَ الَّذِي لَا يُضَامُ، وَبِنُورِكَ الَّذِي مَلَأَ أَرْكَانَ عَرْشِكَ أَنْ تَكْفِيَنِي شَرَّ هَذَا اللِّصِّ، يَا مُغِيثُ أَغِثْنِي" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ أَقْبَلَ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ قَدْ وَضَعَهَا بَيْنَ أُذُنَيْ فَرَسِهِ، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ اللِّصُّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قُمْ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَدْ أَغَاثَنِي اللَّهُ بِكَ الْيَوْمَ، فَقَالَ: أَنَا مَلَكٌ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، دَعَوْتَ بِدُعَائِكَ الْأَوَّلِ فَسُمِعْتْ لِأَبْوَابِ السَّمَاءِ قَعْقَعَةً، ثُمَّ دَعَوْتَ بِدُعَائِكَ الثَّانِي، فَسُمِعْتْ لِأَهْلِ السَّمَاءِ ضَجَّةً، ثُمَّ دَعَوْتَ بِدُعَائِكَ الثَّالِثِ، فَقِيلَ لِي: دُعَاءُ مَكْرُوبٍ فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُوَلِّيَنِي قَتْلَهُ، قَالَ الْحَسَنُ: فَمَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَدَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ، اسْتُجِيبَ لَهُ، مَكْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكْرُوبٍ.
فَصْلٌ
– الشيخ: على أيِّ حالٍ، هذا يُنظَرُ في صحتِهِ عن الحسن، وإذا صَحَّ عن الحسن فليس، فمِثْلُ هذا لا يثبتُ بقولِ الحسنِ، لكنَّها قصةٌ -والله أعلم- ولا مانعَ، معناها يعني: لا يُقالُ: أنَّ هذا شيءٌ باطلٌ.
والتوسل إلى الله ودعاؤُه بأسمائِه لا شكَّ أنه سببٌ بالنصرِ على الأعداءِ، لكن نفسُ القصة بهذا التفصيل وكذا وكذا، وفلان، وأنه السماء والأولى والثانية والرابعة، أقول: كلام، لكن يُتسامَحُ فيما يُذكَرُ للاستشهادِ، ما لا يُتسامَحُ فيما يُذكَرُ للاعتمادِ والاعتقادِ.
– طالب: كلام للشيخ الألباني عن الحديث هذا
– الشيخ: أيش يقول؟
– طالب: طبعًا بعد ما ذكر الإسناد قال: هذا إسنادٌ مظلمٌ؛ والآفةُ إمَّا مِن "الكَلبي" المجهول -يعني: في السندِ فيه واحد الكلبي- وإمَّا ممَن دونَه.
والحسنُ -وهو البصري- مُدلِّسٌ، وقد عَنْعَنَ، فالسَّندٌ واهٍ.
فَمِن الغريبِ أنْ يُذكر "أبو مِعْلق" هذا في الصحابةِ، ولم يَذكروا ما يدلُّ على صحبتِه سوى هذا المتن الموضوع بهذا الإسنادِ الواهي!
– الشيخ: فصحبتُهُ غيرُ ثابتةٍ.
– طالب: ولذلك -والله أعلم- لمْ يُوردْهُ ابنُ عبدِ البرّ في "الاستيعاب".
– الشيخ: يعني: لو يُورِد أبا معلق ابنُ عبدِ البر في كتابِ "الاستيعابِ في معرفةِ الأصحابِ". يعني ما ذكره. كله معلول بس.
– طالب: عندي المحقق قالَ: مُرسَلٌ رواهُ ابنُ أبي الدنيا في كتابِ مُجابي الدعوة.
– الشيخ: مُرسَلٌ ولّا مُعْضَل يبدو، لا يُعَوَّلُ عليهِ بس.
– القارئ: ذكرَ أنه لا يثبتُ سندُه، المحققُ الشيخ بكر أبو زيد.
– الشيخ: العجب مِن ابنِ القيم أنه يذكرُهُ ويسكتُ!
– طالب: هذا كلامُ الشيخِ الألباني: ومِن الغرائبِ أيضًا: أنْ يذكرَ هذهِ القصةَ ابنُ القيِّم في أولِ كتابِهِ "الجوابُ الكافي لمن سألَ عن الدواء الشافي" من روايةِ ابنِ أبي الدنيا هذه، مُعَلِّقً إيَّاها على الحسنِ، ساكتاً عن إسنادِها! "هذا في السلسلةِ الضعيفة"
– الشيخ: الله المستعان، جزاكم الله خيرًا.
– القارئ: فصلٌ
وَكَثِيرًا مَا تَجِدُ أَدْعِيَةً دَعَا بِهَا قَوْمٌ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ، فَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعَاءِ ضَرُورَةُ صَاحِبِهِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ جَعَلَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- إِجَابَةَ دَعْوَتِهِ شُكْرًا لِحَسَنَتِهِ، أو صادفً
– الشيخ: يعني هذا الحديثُ، هذا الأثرُ، أو هذه القصةُ لا نأخذُ منها فضيلةً لهذا الدعاءِ الذي وردَ، ما له، لكن اسمُه الودودُ وأنه الـمُغيثُ ولكن بهذا السياقِ وبهذا الترتيبِ وكذا، سواءً دعا به المكروبُ أو غيرُه استُجيبَ له، هذا القولُ المنسوبُ إلى الحسنِ أنَّ هذا الدعاءَ ما يدعو بِه أحدٌ إلا استُجيبَ له، مكروبٌ ولّا غير مكروبٍ، لا يثبتُ الخبرُ عن المعصومِ -صلى الله عليه وسلم- .
– القارئ: فَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعَاءِ ضَرُورَةُ صَاحِبِهِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ جَعَلَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- إِجَابَةَ دَعْوَتِهِ شُكْرًا لِحَسَنَتِهِ، أَوْ صَادَفَ وَقْتَ إِجَابَةٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ السِّرَّ فِي لَفْظِ ذَلِكَ الدُّعَاءِ فَيَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي قَارَنَتْهُ
– الشيخ: هذه ملاحظةٌ عظيمةٌ من ابنِ القيِّمِ يقولُ: أنه ما يلزم مِن استجابةِ هذا الدعاءِ أنه يدلُّ على فضيلةِ هذا الدعاءِ أو خصوصيته، لا، قد يكونُ لأسبابٍ أخرى، كالضرورةِ، مثلُ هذا لو صحَّ، يعني لو كانَ لها واقعٌ هذه القصة، يعني: أعظمُ أثرٍ في الاستجابةِ هو الضرورةُ، الضرورةُ، لَجَأَ إلى اللهِ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] مُضطرٌّ، والمضطرُّ يكون عندَه توجُّهٌ تامٌّ إلى الله.
– القارئ: فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ السِّرَّ فِي لَفْظِ ذَلِكَ الدُّعَاءِ فَيَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي قَارَنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّاعِي، وَهَذَا كَمَا إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلٌ دَوَاءً نَافِعًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فَانْتَفَعَ بِهِ، فَظَنَّ غَيْرُهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذَا الدَّوَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، كَانَ غَالِطًا، وَهَذَا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.
وَمِنْ هَذَا أنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ دُعَاؤُهُ بِاضْطِرَارٍ عِنْدَ قَبْرٍ فَيُجَابُ، فَيَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنَّ السِّرَّ لِلْقَبْرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ السِّرَّ لِلِاضْطِرَارِ وَصِدْقِ اللُّجْأِ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَبَّ إِلَى اللَّهِ.
فَصْلٌ:
وَالْأَدْعِيَةُ وَالتَّعَوُّذَاتُ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، وَالسِّلَاحُ بِضَارِبِهِ، لَا بِحَدِّهِ فَقَطْ، فَمَتَى كَانَ السِّلَاحُ سِلَاحًا تَامًّا لَا آفَةَ بِهِ، وَالسَّاعِدُ سَاعِدٌ قَوِيٌّ، وَالْمَانِعُ مَفْقُودٌ؛ حَصَلَتْ بِهِ النِّكَايَةُ فِي الْعَدُوِّ، وَمَتَى تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تَخَلَّفَ التَّأْثِيرُ، فَإِذا كَانَ الدُّعَاءُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ صَالِحٍ، أَوِ الدَّاعِي لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ فِي الدُّعَاءِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنَ الْإِجَابَةِ، لَمْ يَحْصُلِ الْأَثَرُ.
فَصْلٌ:
وَهَاهُنَا سُؤَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ: أَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ إِنْ كَانَ قَدْ قُدِّرَ..