بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس السّابع
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الردُّ على المنطقيِّينَ" :
قالَ المُعترِضُ ..
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، المنطقيِّين، ويُقال لهم "المناطقة" نسبة إلى "المنطق"، والمنطقُ أصلُه يعني أصله بمعنى: النّطق، لكن هم يريدون به شيئًا آخر، لا يريدون به المعنى اللغويّ، هذا كتابٌ ينطقُ عليكم بالحقِّ، أنطقَنا اللهُ الَّذي أنطقَ كلَّ شيءٍ [فصلت:21]
يريدون بالمنطق يعني مقاييس ووقواعد، أصَّلوها عقليَّة، وسمَّوا هذا العلم: "علم المنطق"؛ لأنَّ من مصطلحاتهم أنَّ النطقَ يعني الفكرُ والتفكيرُ ولهذا يقولون عن الإنسانِ أنَّه حيوانٌ ناطقٌ، لا يريدون به معنى أنَّه متكلِّمٌ، ما يريدون من قولهم "حيوان ناطق" أنّه متكلِّمٌ، لا، بل يريدون به أنّه يعني له عقلٌ وتفكيرٌ مفكِّرٌ.
فسمَّوا العلمَ الَّذي رتَّبوه واستنبطوه سمَّوه علم المنطق، وزعموا أنَّ هذا العلمَ لا يستغني عنه أحدٌ، ولا أنّه لابدَّ منه، وأنّه ميزانٌ تُعرَفُ بهِ يعني الأمورُ، وقد كذبُوا، ويذكرُ شيخُ الإسلامِ يقولُ: إنّ علمَ المنطقِ لا يحتاجُ إليه الذكيُّ، ولا ينتفعُ به البليدُ، الذكيُّ أعانَه الله بما آتاه الله مِن فهمٍ وعقلٍ وبصيرةٍ، والبليدُ لا يستفيدُ منه.
وتكلّم العلماء بعضهم يوجبُ تعلُّمَه ومنهم مَن يحرِّم تعلُّمَه، لكن يعني يمكن تفصيل يمكن تعلُّم ما يمكن أن يستفاد منه في الردَّ على المبطلين بمصطلحاتِهم وبطرائقِهم، وقد شاعَ علمُ المنطقِ يعني مصطلحات المنطق شاعَتْ في المؤلَّفاتِ وفي العلومِ مثل مسألةِ الحدِّ وكذا، وقياس الشمول، وقياس التمثيل، وقياس، والمقدّمات، والتَّصوُّر، والتَّصديق، إلى آخره، نعم.
– القارئ: قالَ المُعترِضُ: هذهِ الأوصافُ لا تأثيرَ لها في حِلِّ الدمِ، فإنَّ الردَّةَ وزِنا المُحصَنِ
– الشيخ: .. في حِلِّ الدم، يعني حِلِّ دم المعصوم.
ما هو حلِّ الدم شرب الدّم يعني، الدَّم حلال ولا [أم] حرام، الدمُ المشروبُ حرامٌ، لكن هنا حلّ الدّم؛ يعني حلّ دم المعصوم بجواز قتله، لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلّا بإحدى ثلاثٍ، نعم قال المعترض.
– القارئ: هذهِ الأوصافُ لا تأثيرَ لها في حِلِّ الدمِ فإنَّ الردَّةَ وزِنا المُحصَنِ وحرابِ الكافرِ الأصليِّ يبيحُ الدمَ معَ انتفاءِ هذهِ الأوصافِ" فيُقالُ لهُ: فإنَّ الحِلَّ وُجِدَ لسببٍ آخرَ لا لعدمِ تأثُّرِ هذهِ الأوصافِ.
– الشيخ: لا لعدم تأثير، قُل تأثير.
– القارئ: لا لعدمِ تأثيرِ هذهِ الأوصافِ كما يستحقُّ الابنُ الإرثَ بالنسبِ والنكاحِ والولاءِ ويثبتُ الملكُ بالمعاوضةِ والإرثِ والإيهابِ والاغتنامِ وتلكَ المُباحاتُ لو كانَ للمُستدِلِّ فيجبُ القَوَدُ قياساً على القتلِ لم يردْ عليهِ هذا السؤالُ لأنَّ الواجبَ بالردَّةِ والزنا ليسَ قَوَدَاً.
وأمَّا عدمُ التأثيرِ مُبطِلٌ لما هوَ العلَّةُ؛ لأنَّ تأثيرَ الدلالةِ الَّذي يجمعُ فيهِ لا يدلُّ على العلَّةِ فإنَّ الدليلَ لا يجبُ انعكاسُهُ كما لو قالَ مَن يُركِّبُ القياسَ في مسألةِ زكوةِ الصبيِّ
– الشيخ: في تعليق زكوة؟
– القارئ: لا ما في تعليق
– الشيخ: امش..
– القارئ: في مسألةِ زكوةِ الصبيِّ ملبوسٌ فلا يجبُ لهُ الزكوةُ كلباسِ الكبيرِ قيلَ لهُ لا تأثيرَ لكونِهِ لباساً لا في الفرعِ ولا في الأصلِ بل هذا الحكمُ ثابتٌ عندَ أهلِ الشرعِ في جميعِ مالِ الصغيرِ وهذهِ كلماتٌ.
– الشيخ: زكوة؟ آه زكاة زكويّة، زكوة زكويّة يمكن، كون المال لا تأثير له في زكويّة هذا المال زكويّ، يعني مثلاً: الأموال الزكويّة ما هي؟ أربعة: عروض التجارة، والأثمان، والماشية، والخالي من الأرض، هذه يُقالُ أنَّها أموال زكويَّة، والمال الَّذي بلغ نصابه واستوفى الشروط هذا مال زكويّ، أي تجب فيه الزكاة، زكوة.
– القارئ: وهذهِ كلماتٌ جوامعٌ في هذهِ الكلِّيِّاتِ الَّتي يكثرُ فيها اضطرابُ الناسِ.
وأمَّا المعارضةُ للحدِّ بحدٍّ آخرَ فظاهرٌ، فإذا كانَ المُستمِعُ للحدِّ يبطلُهُ بالنقضِ تارةً وبالمعارضةِ أخرى ومعلومٌ أنَّ كليهما لا يمكنُ إلَّا بعدَ تصوُّرِ المحدودِ عُلِمَ أنَّهُ يمكنُ تصوُّرُ المحدودِ بدونِ الحدِّ وهوَ.
– الشيخ: هذا كلُّه يدندن على على قولِ المناطقةِ إنّ تصوُّرَ الشيءِ لا يكونُ إلّا بالحدِّ، إنَّ الشيءَ لا يُتصوَّرُ إلّا بالحدِّ وشيخُ الإسلامِ يُفَنِّدُ هذه الدعوة، ويقولُ إنّ التصوُّرَ له طرقٌ كثيرةٌ، نعم.
– القارئ: ومعلومٌ أنَّ كليهما لا يمكنُ إلَّا بعدَ تصوُّرِ المحدودِ عُلِمَ أنَّهُ يمكنُ تصوُّرُ المحدودِ بدونِ الحدِّ وهوَ المطلوبُ.
الحادي عشرَ: أنْ يُقالَ هم مُعترِفونَ بأنَّ مِن التصوُّراتِ ما يكونُ بديهيَّاً.
– الشيخ: من التصوُّرات ما يكون بديهيَّاً.
– القارئ: لا يحتاجُ إلى حدٍّ و..
– الشيخ: لا إله إلّا الله، الحين هم تعبير هذا هم دائماً يمثِّلون به يقولون الإنسان حيوان ناطق هذا حدّ، حيوان ناطق فهو حدٌّ مركَّبٌ من كلمتين حيوان وناطق، خلاص هذا تعريف تعريف الإنسان؛ حيوان ناطق، يعني هل عرّفنا الإنسان بهاتين الكلمتين؟ الإنسان معروف بالحسِّ والمشاهدة، ونتصوَّرُ معنى الإنسان بدونِ كلمةِ حيوان ناطق، نعم.
– القارئ: الحادي عشرَ: أنْ يُقالَ هم معترفونَ بأنَّ مِن التصوُّراتِ ما يكونُ بديهيَّاً لا يحتاجُ إلى حدٍ وإلَّا لزمَ الدورُ أو التسلسلُ.
وحينئذٍ فيُقالُ كونُ العلمِ بديهيَّاً أو نظريَّاً هوَ مِن الأمورِ النسبيَّةِ الإضافيَّةِ.
– الشيخ: يعني ما يكون عند هذا بديهيّ يكون عند الثاني نظريّ، ما هو نسبيٌّ يعني ما في شي قضيّة بدهيّة مُطلقة باعتبارِ كلِّ الناسِ، لا، هذه القضية تكون نظريّة عند هذا بديهيّة عند آخر.
– القارئ: مثلُ كونِ القضيةِ يقينيَّةً أو ظنَّيَّةً.
– الشيخ: .. نفس الشيء القضية كونها يقينيّة أو ظنيّة هذا يرجعُ إلى أحوالٍ يعني أحوال الناظرين في القضايا أو المتكلِّمين في القضايا نعم.
– القارئ: إذْ قدْ يتيقنُ زيدٌ ما يظنُّهُ عمروٌ.
– الشيخ: فالقضية يقين عند زيد ظنيّة عند عمرو، نعم.
– القارئ: وقد يبدِهِ زيدٌ مِن المعاني ما لا يعرفُهُ غيرُهُ إلَّا بالنظرِ وقدْ يكونُ حسيَّاً لزيدٍ مِن العلومِ ما هوَ خبريٌّ عندَ عمروٍ وإنْ كانَ كثيراً مِن الناسِ يحسبُ أنَّ كونَ العلمِ المعيَّنِ ضروريَّاً أو كسبيَّاً أو بديهيَّاً أو نظريَّاً هوَ مِن الأمورِ اللازمةِ لهُ بحيثُ يشتركُ في ذلكَ جميعُ الناسِ وهذا غلطٌ عظيمٌ.
– الشيخ: اللي [الذي] رأى الشمس طالعة علمه بالشمس خبريٌّ ولا حسيٌّ؟
– طالب: حسيّ.
– الشيخ: واللي جاء وقال: الشمس طالعة الآن، أصبح علمه بطلوع الشمس حسيّ ولا خبريّ؟
– طالب: خبريّ.
– الشيخ: نعم.
– القارئ: وهذا غلطٌ عظيمٌ وهوَ مُخالِفٌ للواقعِ.
فإنَّ مَن رأى الأمورَ الموجودةَ في مكانِهِ وزمانِه ِكانَتْ عندَهُ مِن الحسِّيَّاتِ المشاهداتِ
– الشيخ: أي اللي [الذي] زار البيت وحجّ هو وأهل مكّة الكعبة عندهم محسوسة مشاهدة، لكن اللي ما حجَّ ولا جاور البيت غير محسوسة له، فهي معلومة له بالخبر، وبوجود هذه الوسائل الآن والتصوير والتصوير ما يجعل العلم مثلاً بالكعبة يعني حسّيّاً لكلِّ من شهدَ الصورةَ، لا، يعني صارَ عندَه من العلمِ درجةً من العلم قدر من الحسّ، لكن لا يمكن العلم بالشيءِ ومشاهدةِ صورتِه لا لا يكون بدرجةِ علم العلم بالشيء مشاهدته هو، فليست الصورةُ كالحقيقةِ.
– القارئ: وهيَ عندَ مَن علمَها بالتواترِ مِن المتواتراتِ وقدْ يكونُ بعضُ الناسِ إنَّما علمَها
– الشيخ: بالآحاد
– القارئ: بخبرٍ ظنِّيٍّ فتكونُ عندَهُ مِن بابِ الظنِّيَّاتِ ومَن لم يسمعْها فهيَ عندَهُ مِن المجهولاتِ وكذلكَ العقليَّاتُ فإنَّ الناسَ يتفاوتونَ في الإدراكِ تفاوتاً لا يكادُ ينضبطُ طرفاهُ ولبعضِهم مِن العلمِ البديهيِّ عندَهُ والضروريُّ ما ينفيهِ غيرُهُ أو يشكِّكُ فيهِ
– الشيخ: يُشكِّكُ ولا يَشُكُّ؟
– القارئ: يشُكُّ -أحسنَ اللهُ إليكَ- وهذا بيِّنٌ في التصوُّراتِ والتصديقاتِ.
وإذا كانَ ذلكَ مِن الأمورِ النسبيَّةِ الإضافيَّةِ أمكنَ أنْ يكونَ بديهيَّاً عندَ بعضِ الناسِ مِن التصوُّراتِ ما ليسَ بديهيَّاً لغيرِهِ فلا يُحتاجُ إلى حدٍّ وهذا هوَ الواقعُ وإذا قيلَ فمَن لم يحصلْ لهُ تلكَ المحدوداتُ بالبداهةِ حصلَتْ لهُ بالحدِّ قيلَ كثيرٌ منهم يجعلُ هذا حكماً عامَّاً في جنسِ النظرياتِ لجنسِ الناسِ وهذا خطأٌ واضحٌ ومَن تفطَّنَ لما ذكرْناهُ يُقالُ لهُ ذلكَ الشخصُ الَّذي لم يعلمْها بالبديهةِ يمكنُ أنْ تصيرَ بديهةً لهُ بمثلِ الأسبابِ الَّتي حصلَتْ لغيرِهِ فلا يجوزُ أنْ يُقالَ لا يعلمُها إلَّا بالحدودِ.
المقامُ الثاني.
– الشيخ: إلى آخره كفاية، طيب.