بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الثّامن
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ –رحمه الله تعالى-:
المقامُ الثاني، وهوَ أنَّهُ هلْ يمكنُ تصورُ الأشياءِ بالحدودِ ؟
– الشيخ: هل يمكن تصوُّرُ الأشياء بالحدود؟ إذا قالوا: الإنسانُ حيوانٌ ناطقٌ، يعني يصير، تكونُ معرفة الإنسان بهذه العبارة، الإنسان معلومٌ بالحسِّ والمشاهدةِ، لو فرضنا الإنسان لا يَعرفُ الإنسان ما نفعه هذا الحدُّ.
– القارئ: فيُقالُ المحققونَ منَ النُّظارِ يَعلمونَ أنَّ الحدَّ فائدتُهُ التمييزُ بينَ المحدودِ وغيرِهِ، كالاسمِ ليسَ فائدتُهُ تصويرُ المحدودِ وتعريفُ حقيقتِهِ، وإنَّما يَدَّعي هذا أهلُ المنطقِ اليونانيّ أتباعُ أرسطو ومنْ سلكَ سبيلَهُم وحَذَا حَذْوَهُمْ تقليداً لهمْ منَ الإسلاميينَ وغيرِهِم، فأمّا جماهيرُ أهلِ النظرِ والكلامِ منَ المسلمينَ وغيرِهِمْ فعلى خلافِ هذا.
وإنَّمَا دخلَ هذا في كلامِ من تكلَّمَ في أصولِ الدينِ والفقهِ بعدَ أبيْ حامدٍ في أواخرِ المائةِ الخامسةِ وأوائلِ المائةِ السادسةِ، فأمَّا أبو حامدٍ فقدْ وضعَ مقدمةً منطقيَّةً في أولِ المُسْتَصّفَى وزعمَ أنَّ مَنْ لمْ يُحِطْ بها علماً فلا ثِقْةَ لهُ بشيءٍ منْ علومِهِ، وصنَّفَ في ذلكَ مِحَكَّ النَّظر ومعيارَ العلمِ، وَدوماً اشتدَّتْ بهِ ثقتُهُ، وأعجبُ من ذلكَ أنَّه وضعَ كتاباً سمَّاهُ: القِسْطاسُ المستقيمُ
– الشيخ: الله أكبر، هذه مبالغة.. قبيحة.
– القارئ: وَنسبَهُ إلى أنَّهُ تعليمُ الأنبياءِ
– الشيخ: قل، قل: وَصَنَّفَ كتاب
– القارئ: وأعجبُ من ذلكَ أنَّه وضعَ كتاباً
– الشيخ: سمَّاه
– القارئ: سمَّاهُ
– الشيخ: القِسْطاسُ المستقيمُ
– القارئ: نعم، وَنسبَهُ إلى أنَّهُ تعليمُ الأنبياءِ وإنَّما تعلَّمَهُ من ابنِ سِيْنَا
– الشيخ: نسأل الله العافية، لا حول ولا قوة إلا بالله، نسألُ الله العافية، نعم عجيبٌ والله.
– القارئ: وهوَ تعلَّمَهُ منْ كتبِ أرسطو
– الشيخ: وهو يعني ابن سينا.
– القارئ: وهؤلاءِ الذينَ تكلَّموا في الحدودِ بعدَ أبي حامدٍ هُمُ الذينَ تكلَّموا في الحدودِ بطريقةِ أهلِ المَنْطِقِ اليونانيِّ.
وأمَّا سائرُ طوائِفِ النُّظارِ من جميعِ الطوائفِ المعتزلةِ والأشعريَّةِ والكرَّاميةِ والشيعةِ وغيرهِمْ ممَّنْ صنَّفَ في هذا الشأنِ من اتباعِ الأئمةِ الأربعةِ وغيرهِمْ، فعندَهُمْ إنَّما تُفيدُ الحدودُ التمييزَ بينَ المحدودِ وغيرِهِ، بلْ أكثرُهُمْ لا يُسَوِّغُونَ الحدَّ إلا بما يُميِّزُ المحدودَ عنْ غيرِهِ، ولا يجوزُ أنْ يُذكرَ في الحدِّ ما يَعُمُّ المحدودَ وغيرَهُ.
– الشيخ: فإنه حينئذٍ، يقولونَ: الحدُّ الصحيحُ الدقيقُ ما يكونُ جامعاً مانعاً؛ يعني جامعاً للمحدودِ مانعاً من دخولِ غيره فيه، فلا يجوزُ أنْ يكونَ الحدَّ شاملاً للمحدودِ وغيرِهِ، فإنه حينئذٍ يكونُ الحدُّ غيرَ مانع.
– القارئ: سواءً سُمِّيَ جنساً أو عَرَضَاً عامَّاً، وإنَّما يَحُدُّونَ بما يُلازمُ المحدودَ طَرْداً وعَكْساً، ولا فَرْقَ عندهمْ بينَ ما يُسمَّى فَصلاً وخاصةً ونحوُ ذلكَ ممَّا يتميزُ بهِ المحدودُ من غيرِهِ.
وهذا مشهورٌ في كتبِ أهلِ النَّظرِ في مواضعَ يَطولُ وصفُهَا منْ كتبِ المتكلمينَ منْ أهلِ الإثباتِ وغيرهِمْ، كأبي الحسنِ الأشعريِّ، والقاضيْ أبي بكرٍ، وأبي إسحاقَ، وأبي بكرِ بن فورك، والقاضي أبيْ يَعلى، وابنُ عقيلٍ، وأبي المعالي الجوينيّ، وأبي الميمونِ النَسفيّ الحنفيّ وغيرهمْ، وقبلَهُم أبو عليّ، وأبو هاشم، وعبدُ الجبارِ، وأمثالُهُم منْ شيوخِ المعتزلةِ، وكذلكَ ابن النُّوبَخْت
– الشيخ: ابن النوبخت وابن النوبختيّ، في ياء والا ما في؟
– القارئ: لا، ما في ياء
– الشيخ: النُّوبَخْت بس، بعده
– القارئ: والموسويّ والطوسيّ وغيرهمْ من شيوخِ الشيعةِ وكذلكَ محمدُ بن الهَيْصَمْ وغيرُهُ من شيوخِ الكرَّاميةِ، فإنَّهم إذا تكلَّموا في الحدِّ قالوا: إنَّ حدَّ الشيءِ وحقيقتَهُ خاصتُهُ التي تُميِّزُهُ.
قالَ أبو القاسم الأنصاريّ في شرحِ الإرشادِ: "قالَ إمامُ الحرمينِ: القصدُ من التحديدِ في اصطلاحِ المتكلمينَ.
– الشيخ: قف على هذا.
– القارئ: أحسن الله إليك.