الرئيسية/شروحات الكتب/الرد على المنطقيين/(9) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “القصد من التحديد في اصطلاح المتكلمين”

(9) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “القصد من التحديد في اصطلاح المتكلمين”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس التّاسع

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
قالَ أبو القاسمِ الأنصاريُّ في شرحِ الإرشادِ.. يقولُ في الحاشيةِ: الإرشادُ في قواعدِ الاعتقادِ في علمِ الكلامِ لإمامِ الحرمَينِ أبي المعالي الجوينيِّ، وشرحَهُ تلميذُهُ أبو القاسمِ سليمانُ بنُ ناصرٍ الأنصاريُّ.
قالَ إمامُ الحرمَينِ: القصدُ مِن التَّحديدِ في اصطلاحِ المتكلِّمينَ

– الشيخ: التحديد؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: أي لأنَّنا في الحدِّ يتكلَّم الشيخ.
– القارئ: القصدُ مِن التَّحديدِ في اصطلاحِ المتكلِّمينَ التَّعرُّضُ لخاصَّةِ الشَّيءِ وحقيقتِهِ الَّتي يقعُ
– الشيخ: خاصّةِ الشيءِ وحقيقته، أي.
– القارئ: الَّتي يقعُ بها الفصلُ بينَهُ وبينَ غيرِهِ
– الشيخ: أي هذا هو مقصود الشيخ، أنَّ ثمرةَ الحدِّ هو التمييزُ بينَ المحدودِ وغيرِهِ، لا تحقيقُ التصوُّرِ تصوُّرُ الشيءِ، هذا البيتُ هذا مدارُ كلامِ الشيخِ، فهو يستشهدُ بقولِ أبي المعالي لما رجَّحَهُ من أنَّ المقصودَ من الحدِّ هو التمييزُ بينَ المحدودِ وغيرِهِ، نعم.
– القارئ: قالَ الأستاذُ: "حدُّ الشَّيءِ معناهُ الَّذي لأجلِهِ كانَ بالوصفِ المقصودِ بالذِّكرِ" قالَ أبو المعالي: "ولو قالَ قائلٌ: حدُّ الشَّيءِ معناهُ واقتصرَ عليهِ كانَ سديداً.
– الشيخ: حدُّ الشيء معناه، واقتصرَ على هذه العبارةِ كانَ سديداً.

– القارئ: واقتصرَ عليهِ كانَ سديداً، أو قالَ: حدُّ الشَّيءِ حقيقتُهُ أو خاصَّتُهُ كانَ حسناً".
قالَ: "فإنْ قيلَ: إذا قلْتُم حدُّ العِلمِ أو حقيقتُهُ ما يُعلَمُ بهِ، فلم تذكروا خاصَّةَ العلمِ؛ لأنَّ العلمَ يشتملُ على مُختلِفاتٍ ومُتماثِلاتٍ لا يجمعُ جميعَها في خاصَّةٍ واحدةٍ، فإنَّ المجتمعينِ في الأخصِّ متماثلانِ، فنقول: إنَّما غرضُنا أنْ نُبيِّنَ أنَّ المذكورَ حدَّاً هوَ خاصَّةُ وصفِ المحدودِ في مقصودِ الحدِّ إذْ ليسَ الغرضُ بالسُّؤالِ عن العلمِ التَّعرُّضَ لتفصيلِهِ وإنَّما الغرضُ معرفةُ العِلْمِيّةُ بأخصِّ وصفِ العلمِ الَّذي يشتركُ فيهِ ما يختلفُ منهُ وما يتماثلُ بما ذكرْناهُ، حيثُ قلْنا أنَّهُ المعرفةُ أو ما يُعلَمُ بهِ أو التَّبيينُ".
وهذا على طريقةِ الأستاذِ ومَن رامَ ذكرَ حدٍّ مِن قبيلِ المعلوماتِ، فإنَّما غرضُهُ الوقوفُ على صفةٍ يشتركُ فيها القبيلُ المسؤولُ عنهُ على وجهٍ يتَّضحُ للسَّائلِ.
قالَ أبو المعالي: "فإنْ قيلَ الحدُّ يرجعُ إلى قولِ المُخبِرِ، أو إلى صفةٍ في المحدودِ، قلْنا: ما صارَ إليهِ كافَّةُ الأئمةِ أنَّ الحدَّ صفةُ المحدودِ سكتَ عنهُ الواصفونَ أم نطقُوا وهوَ بمعنى الحقيقةِ"، وقد ذكرَ القاضي في التَّقريبِ أنَّ الحدَّ قولُ الحادِّ المُنبِئُ عن الصِّفةِ الَّتي تشتركُ فيها آحادُ المحدودِ، ووافقَ الأصحابُ في أنَّ حقيقةَ الشَّيءِ ومعناهُ راجعانِ إلى صفةٍ دونَ قولِ القائلِ، وإنَّما بُيِّنَ ذلكَ في الحدِّ لمشابهتِهِ الوصفَ ومشابهةِ الحقيقةِ الصَّفةَ ونحنُ نفصلُ بينَ الوصفِ والصِّفةِ" ثمَّ قالَ القاضي: "مِن الأشياءِ ما يُحَدُّ ومنها ما لا يُحَدُّ وما مِن محقَّقٍ إلَّا ولهُ حقيقةٌ ومَن صارَ إلى أنَّ الحدَّ يرجعُ إلى حقيقةِ المحدودِ يقولُ: "ما مِن ذي حقيقةٍ إلَّا ولهُ حدٌّ نفياً كانَ أو إثباتاً، والغرضُ مِن التَّحديدِ التَّعرُّضُ لحقيقةِ الشَّيءِ الَّتي بها يتميَّزُ عن غيرِهِ، والشَّيءُ إنَّما يتميَّزُ عن غيرِهِ بنفسِهِ وحقيقتِهِ لا بقولِ القائلِ".
ثمَّ قالَ أبو المعالي: "قالَ المحقِّقونَ: الاطِّرادُ والانعكاسُ مِن شرائطِ الحدِّ.

– الشيخ: من شرائطِ الحدِّ، نعم
– القارئ: وإذا كانَ الغرضُ مِن الحدِّ تمييزُ المحدودِ بصفتِهِ عمَّا ليسَ منهُ فليسَ يتحقَّقُ ذلكَ إلَّا معَ الاطِّرادِ والانعكاسِ، فالطَّردُ هوَ تحقُّقُ المحدودِ معَ تحقُّقِ الحدِّ، والعكسُ هوَ انتفاءُ المحدودِ معَ انتفاءِ الحدِّ.
وإذا قيلَ حدُّ العلمِ هوَ العَرَضُ لم يطَّردْ ذلكَ إذْ ليسَ كلُّ عرضٍ عِلماً فهذا نقضُ الحدِّ، ولو قلْنا في حدِّ العلمِ كلّ معرفةٍ حادثةٍ فهذا لا ينعكسُ إذْ ثبتَ علمٌ ليسَ بحادثٍ.

– الشيخ: وهو علمُ الإلهِ، نعم.
– القارئ: والسائلُ عن حدِّ العلمِ لم يقصدْ حدَّاً ضُرِبَ منهُ تخصيصاً، وإنَّما أرادَ الإحاطةَ بمعنى سائرِ العلومِ.
وإذا قلْنا: العلمُ هوَ المعرفةُ، فكلُّ معرفةٍ علمٌ وكلُّ علمٍ معرفةٌ، وكلُّ ما ليسَ بعلمٍ فليسَ بمعرفةٍ، وكلُّ ما ليسَ بمعرفةٍ فليسَ بعلمٍ، وهذهِ عباراتٌ أربعٌ: عبارتانِ في النّفي وعبارتانِ في الإثباتِ، ولا تستقيمُ الحدودُ دونَ ذلكَ".
قالَ أبو المعالي: "فإنْ قالَ قائلٌ: هل يجوزُ تركيبُ الحدِّ مِن وصفينِ أم لا؟ قلْنا: اختلفَ المتكلِّمونَ:
فذهبَ كثيرٌ منهم إلى أنَّ المُركَّبَ ليسَ بحدٍّ، وشيخُنا أبو الحسنِ يميلُ إلى ذلكَ ويقدحُ في التركيبِ، وليسَ المُرادُ بمنعِ التّركيبِ تكليفَ المسؤولِ أنْ يأتيَ في حدِّ ما يُسألُ عنهُ بعبارةٍ واحدةٍ، إذْ المقصودُ اتِّحادُ المعنى بدونِ اللَّفظِ، والعباراتُ لا تُقصَدُ لأنفسِها وليسَتْ هيَ حدوداً بلْ هيَ مُنبِئةٌ عن الحدودِ.
وقالَ شيخُنا أبو الحسنِ في حدِّ العلمِ معَ منعِهِ التركيبَ: "هوَ ما أوجبَ كونَ محلِّهِ عالماً

– الشيخ: أيش؟ ما أوجبَ، ما أوجبَ كونَ محلِّهِ عالماً.
– القارئ: وهذا يشتملُ على كلماتٍ ولم يُعَدَّ هذا تركيباً، فإنَّ المقصودَ بالحدِّ التَّعرُّضُ لصفةٍ واحدةٍ هوَ إيجابُ العلمِ حكمَهُ، وكذلكَ إذا قيلَ في حدِّ الجوهرِ ما قَبِلَ العرضَ، فليسَ بمُركَّبٍ وإنْ ذكرَ العرضَ، وإنَّ ذكرَ العرضِ وقبولَهُ إيَّاهُ، ولكنَّ المقصودَ بالحدِّ التَّعرُّضُ للقبولِ فقطْ.
ثمَّ التَّركيبُ فيهِ تقسيمٌ فمنهُ باطلٌ بالاتِّفاقِ ومنهُ مُختلَفٌ فيهِ، فالمُتَّفقُ عليهِ هوَ أنْ يذكرَ الحادُّ معنيينِ يقعُ الاستقلالُ بأحدِهما، وذكرُ الآخرِ لغوٌ في مقصودِ الحدِّ وشرطِهِ، وأمَّا المُختلَفُ فيهِ فكما يقولُ المعتزلةُ في حدِّ المرئيِّ ما يكونُ لوناً أو متلوِّناً

– الشيخ: المرئيّ ما يكونُ.
– القارئ: فهم يصحِّحونَ هذا الحدَّ ولا يرونَ هذا التّركيبَ قادحاً، قالُوا: لأنَّ المقصودَ مِن الحدِّ حصرُ المحدودِ معَ التَّعرُّضِ للحقيقةِ، فإذا قامَتْ الدَّلالةُ على أنَّ المتحيِّزَ يُرى، وعلى أنَّ الألوانَ مرئيَّةٌ ولا يجتمعُ الألوانُ والجوهرُ في حقيقةٍ واحدةٍ، إذْ الأوصافُ الجامعةُ لها محدودةٌ منها الوجودُ والحدوثُ، وباطلٌ تحديدُ المرئيِّ بالموجودِ أو المُحدَثِ، إذْ يلزمُ منهُ رؤيةُ الطُّعومِ والروائحِ والعلومِ ونحوِها، فإذا لم يمكنْ الجمعُ بينَ الجواهرِ والألوانِ في صفةٍ جامعةٍ لها في حكمِ الرؤيةِ غيرَ منتقضةٍ، فلا وجهَ إلَّا ذكرُ الجواهرِ بخاصَّتِها وذكرُ الألوانِ بحقيقتِها.
ومعظمُ المتكلِّمينَ على الامتناعِ مِن مثلِ ذلكَ في الحدودِ، وقالُوا: المتحيِّزُ وكونُ اللَّونِ هيئةً حكمانِ منتفيانِ، فينبغي أنْ لا يثبتَ لهما معَ تباينِهما حكمٌ لا تباينَ فيهِ، وهوَ كونُ المرئيِّ مرئيِّاً".
قالَ الأستاذُ أبو المعالي.

– الشيخ: حسبك …
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ
– الشيخ: أطنب الشيخ كلّ هذا نقل ما له، الشيخ.. يريد أن يعقّب يعني.. فيما بعد.
على كلِّ، بعضُ هذا الكلامِ واضحٌ يعني وبعضُه يمكن يحتاجُ مثلاً، يعني تفسيرُ المرئيِّ بالموجودِ ما هو بصحيح، المرئيّ ما هو المرئيّ؟ الموجود؟ لا، ليسَ كلُّ ما ليسَ كلُّ موجودٍ مرئيٌّ، ليسَ كلُّ موجودٍ مرئيٌّ، مثل ما قال: الطعومُ موجودةٌ وأمورٌ كثيرةٌ تكونُ موجودةً وليسَتْ بمرئيةٍ.
فما نقولُ: أنَّه ليسَ كلُّ موجودٍ نعم، ليسَ كلُّ ليسَ كلُّ مرئيٍّ موجودٌ، فلا يصحُّ تفسيرُ المرئيِّ بالموجودِ، فالموجودُ منه ما يُرى ومنه ما لا يُرى، لكنَّ كلَّ مرئيٍّ موجودٌ، يعني نقولُ: كلُّ مرئيٍّ هو موجودٌ فالرؤيةُ تستلزمُ الوجودَ، والوجودُ لا يستلزمُ الرؤيةَ، اللهُ أعلمُ.

 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة