بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس العاشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، قالَ شيخُ الإسلامِ –رحمه الله تعالى-:
قالَ الأستاذُ أبو المعالي: "وأحسنُ طريقةٍ في هذا ما ذكرَهُ القاضي فإنَّهُ قالَ: "ما يُذكَرُ منْ معرفةِ الحدودِ يَنقسِمُ، فربَّما يتأتَّى ضبطُ آحادِ المحدودِ بصفةٍ واحدةٍ يشتركُ فيها جملةُ الآحادِ نحوَ تحديدِنَا العلمَ بالمعرفةِ
– الشيخ: العلمَ بالمعرفة، العلم هو المعرفة.
– القارئ: والشيئيَّةَ بالوجودِ
– الشيخ: يعني يقول: الشيءُ هو الموجودُ، الشيء هو الموجود، ما، لا إله إلا الله، والشيئية بالموجود، نعم.
– القارئ: وربَّما لا يتأتَّى ضبطُ جميعِ آحادِ المحدودِ في صفةٍ واحدةٍ يشتركُ جميعُهَا فيها، فلو ذُكِرَ في حَدِّهَا صفةٌ جامعةٌ لَبَطَلَ، فإذا كانَ الأمرُ كذلكَ وتأتّى ضبطُ ما يُسألُ عنْهُ بذكرِ صفتينِ يَشتملُ إحداهُمَا على قَبيلِ من المسؤولِ والأخرى على القبيلِ الآخرِ لَصَحَّ تحديدُهُ.
قال القاضي: "ولو حُقِّقَ ذلكَ لزالَ فيهِ الخلافُ فإنَّ الذي يُحَدُّ بصفتينِ لو قيلَ لَهُ أتدَّعِي اجتماعَ القَبلينِ في صفةٍ واحدةٍ؟ لما ادَّعاهُ، ولو قيلَ لمُطَالبِهِ أتُنْكِرُ تحقيقَ الانحصارِ عندَ ذكرِ الصِّفتينِ؟ لَمَا وجدَ سبيلاً إلى إنكارِ ذلكَ، والحدُّ ليسَ بموجبٍ وإنَّما هو بيانٌ وكشفٌ، وهذا المعنى يتحققُ في الصفتينِ تَحَقُّقُهُ في الصفةِ الواحدةِ، فإنَّ الكلامَ إلى مناقشةٍ في العبارةِ".
وقالَ القاضي أبو بكر بن الطيَّب: "وإنْ قالَ لنَا قائلٌ: ما حدُّ العلمِ عندَكُمْ؟ قلنا: حَدُّهُ معرفةُ المعلومِ على ما هو بِهِ، والدليلُ على ذلكَ أنَّ هذا الحدَّ يحصرُهُ على معناهُ ولا يَدخلُ فيهِ ما ليسَ منْهُ ولا يخرجُ منْهُ شيءٌ هوَ فيهِ.
– الشيخ: يقولون: الحدُّ الصحيحُ السالمُ عن المعارضَةِ هو الحدُّ الجامعُ المانعُ، جامعٌ يعني بحيث يدخل فيه جميع المحدود، أفراد المحدود، ومانع: مانع أن يُدخل فيه ما ليس منه، فالحدُّ الصحيحُ هو ما كان كذلك، جامعاً لا يخرج عنه شيء من المحدودِ، ومانعٌ لا يدخل فيه ما ليس منه.
– القارئ: والحدُّ إذا أحاطَ بالمحدودِ على هذا السبيلِ وجبَ أنْ يكونَ حَدَّاً ثابتاً صحيحاً، فكلَّما حُدَّ بهِ العلمُ وغيرُهُ وكانتْ حالُهُ في حصرِ المحدودِ وتمييزِهِ من غيرِهِ وإحاطتِهِ بِهِ حالَ ما حدَّدنا بِهِ العلمَ وجبَ الاعترافُ بصحتِهِ، وقدْ ثبتَ أنَّ كلَّ علمٍ تعلَّقَ بمعلومٍ فإنَّهُ
– الشيخ: أي كل علم تعلق بمعلوم فهو معرفة، نعم.
– القارئ: فإنَّهُ معرفةٌ لَهُ على ما هوَ بِهِ، وكلُّ معرفةٍ بمعلومٍ فإنَّها علمٌ بِهِ، فوجبَ توفيقُ الحَدِّ الذي حدَّدْنا بهِ العلمَ، وجعلناه تفسيراً لمعنىً منه بأنَّهُ علمٌ".
قلتُ: فقدْ بَيَّنَ القاضي أنَّ كلَّ ما أحاطَ بالمحدودِ بحيثُ لا يدخلُ فيهِ ما ليسَ منْهُ ولا يخرجُ منْهُ ما هوَ منْهُ كانَ حَدَّاً صحيحاً.
وقدْ ذكرَ الغزاليُّ في كتابِهِ الكبيرِ في المنطقِ الذي سمَّاه "معيار العلم"
– الشيخ: عجيب، كتابه الكبير، نعم.
– القارئ: مذهبَ المتكلمينَ هذا بعدَ أنْ ذكرَ استِعْصَاءَ الحدِّ على طريقةِ المنطقيينَ فقالَ:
الفصلُ السابعُ: في استِعْصَاءِ الحدِّ على القِوى البشريَّة إلا عندَ غايةِ التشميرِ والجُهدِ
– الشيخ: عجيب، تقول فصل هو؟
– القارئ: نعم، فقالَ: الفصلُ السابعُ
في استِعْصَاءِ الحدِّ على القِوى البشريَّة إلا عندَ غايةِ التشميرِ والجُهدِ. ومَنْ عرفَ ما ذكرنَاهُ من مثاراتِ الاشتباهِ في الحدِّ عرفَ عن أنَّ القوَّةَ البشريَّةَ لا تَقوى على التَّحفظِ عنْ كلِّ ذلكَ إلا على النُّدورِ وهيَ كثيرةٌ وأعْصَاها على الذِّهنِ أربعةُ أمورٍ:
أحدُهَا: أنَّ شرطَنَا أنْ نأخذَ الجنسَ الأقربَ، ومِنْ أينَ للطالبِ أنْ لا يغفلَ عنه فيأخذَ جنساً يَظنُّ أنَّهُ أقربُ وربَّما يُوجَدُ ما هوَ أقربُ منه فَيُحَدُّ الخمرَ بأنَّهُ مائعٌ مسكرٌ ويذهلُ عن الشَّرابِ الذي هو تحتَهُ وهوَ أقربُ منه..
– الشيخ: ويَذهل
– القارئ: ويَذهلُ عن الشَّرابِ
– الشيخ: أي، يقول أنه شرابٌ ومسكِرٌ.
– القارئ: الذي هو تحتَهُ وهوَ أقربُ منه، ويُحَدُّ الإنسانَ بأنَّهُ جسمٌ ناطقٌ مائت
– الشيخ: مدري وش []ماٍ تقول؟ جسمٌ ناطقٌ وش بعده؟
– القارئ: مائتٌ
– طالب: مايت مايت
– الشيخ: مايت؟!
– طالب: أي نعم
– القارئ: كذا مكتوب
– الشيخ: أيش هالكلام! ناطق مايت، مايت مايت؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: طيب قل
– القارئ: ويغفلُ عن الحيوانِ وأمثاله.
الثاني: أنَّا إذا شَرَطْنَا أنْ تكونَ الفصولُ ذاتيَّةً كلَّها واللازمُ الذي لا يُفارِقُ في الوجودِ والوهمِ يشتبِهُ بالذاتيِّ غايةَ الاشتباهِ، وَدَرْكُ ذلكَ من أغمضِ الأمورِ، فَمِنْ أينَ لَهُ أنْ لا يغفلَ فيأخذَ لازماً فيوردُهُ بدلَ الفصلِ ويظنَّ أنَّهُ ذاتيٌّ؟
الثالث: أنَّا شَرَطْنَا أنْ يتأتى بجميعِ الفصولِ الذاتيَّةِ حتى لا يخلَّ بواحدٍ، ومِنْ أينَ يأمنُ مِنْ شذوذِ بعضِهَا عنْهُ لا سيَّما إذا وجدَ فصلاً حصلَ بِهِ التمييزُ والمساواةُ في الاسمِ كالجسمِ ذِيْ النفسِ الحساسِ ومساواتِهِ لفظَ الحيوانِ معَ إغفالِ المتحركِ بالإرادةِ وهذا من أغمضِ ما يُدرَكُ.
الرابع: أنَّ الفصلَ مُقَوِّمٌ للنوعِ مُقَسِّمٌ للجنسِ، فإذا لمْ يُراعِ شرطَ التقسيمِ أَخذَ في القِسمةِ فصولاً ليستْ أوليَّةً للجنسِ وهو غيرُ مرضيٍّ في الحدودِ، فإنَّ الجسمَ كما أنَّهُ ينقسمُ إلى النَّامي وغير النَّامي انقساماً بفصلٍ ذاتيٍّ، فكذلكَ ينقسمُ إلى الحَسَّاسِ وغير الحَسَّاسِ وإلى النَّاطقِ وغير النَّاطقِ فمهما قِيلَ: الجسمُ ينقسمُ إلى النَّاطقِ وغيرِ النَّاطقِ، فقدْ قُسِّمَ بما ليسَ هوَ الفصلُ القاسمُ أوليَّاً بلْ ينبغي أنْ يُقسَّمَ أولاً إلى النَّامي وغيرِ النَّامي، ثمَّ النَّامي يُقسَمُ إلى الحيوانِ وغيرِ الحيوانِ، ثمَّ الحيوانُ إلى النَّاطقِ وغيرِ النَّاطقِ، وكذلك الحيوانُ ينقسمُ إلى ذي الرِّجلينِ والى ذي أرجلٍ.
ولكنَّ هذا التقسيمَ ليسَ لفصولٍ أوليَّةٍ بل ينبغي أنْ يُقسَّمَ الحيوانُ إلى ماشٍ وغيرِ ماشٍ، ثمَّ الماشي ينقسم إلى ذي رِجلينِ والى ذي أرجلٍ إذِ الحيوانُ لمْ يَسْتَعِدَّ للرِّجلينِ والأرجلِ باعتبارِ كونِهِ حيواناً بلْ باعتبارِ كونِهِ ماشياً واستعدَّ لكونِهِ ماشياً باعتبارِ كونِهِ حيواناً.
فرعايةُ التَّرتيبِ في هذهِ الأمورِ شرطٌ للوفاءِ بصناعةِ الحدِّ وهيَ في غايةِ العُسْرِ.
ولذلكَ لمَّا عَسُرَ اكتفى المتكلمونَ بالتمييزِ، وقالوا: إنَّ الحدَّ هوَ: القولُ الجامعُ المانعُ ولمْ يشترطوا فيهِ إلا التمييزَ.
ويلزمُ عليهِ الاكتفاءُ بالخواصِّ، فيُقالُ في حدِّ الفَرَسِ: أنَّهُ الصهَّالُ، وفي حدِّ الإنسانِ: أنَّهُ الضَّحَّاكُ، وفي الكلبِ: أنَّهُ النَّـبَّاحُ
– الشيخ: الضَّحَّاك والا الضاحِك؟
– القارئ: الضَّحَّاك
– الشيخ: أي بكيفه.
– القارئ: وفي الكلبِ: أنَّهُ النُـبَاحُ، أو النبَّاح؟
– الشيخ: النبَّاح، أو النابِح، نعم.
– القارئ: النبَّاح، وذلكَ في غايةِ البعدِ عن غرضِ التعريفِ لذاتِ المحدودِ.
ولأجلِ عُسرِ التحديدِ قدْ رأينا أنْ نوردَ جملةً من الحدودِ المعلومةِ المحرَّرةِ.
– الشيخ: إلى هنا، جزاك الله خيراً.
– القارئ: أحسن الله إليك.
– الشيخ: والله أطال الشيخ في هذهِ النُّقولِ العَسِرةُ، لكن حنا [نحن] يهمنا تعطيل الشيخ وتعليقه.
– القارئ: هو الشيخ هنا انتهى ثم قال الشيخ، وقال
– الشيخ: ثم قال، اتركه بس.
– القارئ: ونقل عنه يمكن أربعة
– الشيخ: اتركه بس [فقط]
– القارئ: أربعة أسطر ثم قال: قلتُ ثمَّ ردَّ عليهِ.