الرئيسية/شروحات الكتب/الرد على المنطقيين/(18) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “لو كان مفيدا لتصور المحدود لم يحصل ذلك إلا بعد العلم بصحة الحد”

(18) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “لو كان مفيدا لتصور المحدود لم يحصل ذلك إلا بعد العلم بصحة الحد”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الثّامن عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: لَوْ كَانَ الْحَدُّ مُفِيدًا لِتَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ، لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِّ، فَإِنَّهُ دَلِيلُ التَّصَوُّرِ وَطَرِيقُهُ وَكَاشِفُهُ فَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُعْلَمَ الْمُعَرَّفُ الْمَحْدُودُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْمُعَرِّفِ، وَالْعِلْمُ بِصِحَّةِ الْحَدِّ لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْمَحْدُودِ، إذْ الْحَدُّ خَبَرٌ عن مُخبَرٍ هُوَ الْمَحْدُودُ، فَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُعْلَمَ صِحَّةُ الْخَبَرِ وَصِدْقُهُ قَبْلَ تَصَوُّرِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيد الْمخبرِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ فِيمَا يَشْتَرِكُ فِي الْعِلْمِ بِهِ الْمُخْبِرُ، وَالْمُخْبَرُ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يَحُدُّونَ الْمَحْدُودَ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الذَّاتِيَّةَ وَيُسَمُّونَهَا أَجْزَاءَ الْحَدِّ وَأَجْزَاءَ الْمَاهِيَّةِ وَالْمُقَوِّمَةَ لَهَا وَالدَّاخِلَةَ فِيهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ الْمَحْدُودَ مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ امْتَنَعَ أن يتَصَوَّرَهُ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِهَا كَانَ قَدْ تَصَوَّرَهُ بِدُونِ حَدِّ. فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَكُونُ قَدْ تَصَوَّرَهُ بِالْحَدِّ وَهَذَا بَيِّنٌ. فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ: "الْإِنْسَانُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ" فإنْ لمْ يكنْ قدْ عُرِفَ الإنسانَ قبلَ هذا كانَ مُتَصَوِّرًا لِمُسَمَّى الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ، ولا يُعلمُ أنَّهُ الإنسانُ احْتَاجَ إلَى العلمِ بهذهِ النسبةِ وإنْ لمْ يكنْ مُتصوَّرًا لمسمَّى الحيوانِ النَّاطقِ احتاجَ إلى شَيْئَيْنِ: إلى تَصَوُّرِ ذَلِكَ وَإلى الْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ كَانَ قَدْ تَصَوَّرَ الْإِنْسَانَ بِدُونِ الْحَدِّ. نَعَمْ الْحَدُّ قَدْ يُنَبِّهُ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَحْدُودِ كَمَا يُنَبِّهُ الِاسْمُ؛ فَإِنَّ الذِّهْنَ قَدْ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ الشَّيْءِ فَإِذَا سَمِعَ اسْمَهُ أو حَدَّهُ أَقْبَلَ بِذِهْنِهِ إلَى الشَّيْءِ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ بِالِاسْمِ أَوْ الْحَدِّ. فَيَتَصَوَّرُهُ. فَتَكُونُ فَائِدَةُ الْحَدِّ مِنْ جِنْسِ فَائِدَةِ الِاسْمِ وهذا هو الصواب وهو التمييز بين الشيء المحدود وغيره. وَيكُونُ الْحُدُودُ لِلْأَنْوَاعِ بِالصِّفَاتِ كَالْحُدُودِ لِلْأَعْيَانِ بِالْجِهَاتِ. كَمَا إذَا قِيلَ: حَدُّ الْأَرْضِ مِنْ الْجَانِبِ الْقِبْلِيِّ كَذَا وَمِنْ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ كَذَا مُيِّزَتْ الْأَرْضُ بِاسْمِهَا وَحَدِّهَا وَحَدُّ الْأَرْضِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا خِيفَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْمُسَمَّى أَوْ النَّقْصِ مِنْهُ فَيُفِيدُ إدْخَالَ الْمَحْدُودِ جَمِيعِهِ وَإِخْرَاجَ مَا لَيْسَ مِنْهُ كَمَا يُفِيدُ الِاسْمُ وَكَذَلِكَ حَدُّ النَّوْعِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِالْحُدُودِ اللَّفْظِيَّةِ تَارَةً وَبِالْوَصفيَّةِ أُخْرَى. وَحَقِيقَةُ الْحَدِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَيَانُ مُسَمَّى الِاسْمِ فَقَطْ وَتَمْيِيزُ الْمَحْدُودِ عَنْ غَيْرِهِ؛ لَا تَصَويرَ الْمَحْدُودِ.
وَإِذَا كَانَ فَائِدَةُ الْحَدِّ بَيَانَ مُسَمَّى الِاسْمِ وَالتَّسْمِيَةُ أَمْرٌ لُغَوِيٌّ وَضْعِيٌّ؛ رُجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى قَصْدِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى وَلُغَتِهِ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: مِنْ الْأَسْمَاءِ مَا يُعْرَفُ حَدُّه باللغة
وَمِنْهَ مَا يُعْرَفُ حَدُّهُ بِالشَّرْعِ وَمِنْهَ مَا يُعْرَفُ حَدُّهُ بِالْعُرْفِ. وَمِنْ هَذَا " تَفْسِيرُ الْكَلَامِ وَشَرْحُهُ " إذَا أُرِيدَ بِهِ تَبْيِينُ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ فَهَذَا يُبْنَى عَلَى مَعْرِفَةِ حُدُودِ كَلَامِهِ؛ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ تَبْيِينُ صِحَّتِهِ وَتَقْرِيرُهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ دَلِيل صِحَّة الكلام. فَالْأَوَّلُ فِيهِ بَيَانُ تَصْوِيرِ كَلَامِهِ والثاني بيان تصديق كلامه، وتَصْوِيرُ كَلَامِهِ كتَصْوِيرِ مُسَمَّيَاتِ الْأَسْمَاءِ بِالتَّرْجَمَةِ: تَارَةً لِمَنْ يَكُونُ قَدْ تَصَوَّرَ الْمُسَمَّى وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّ ذَلِكَ اسْمُهُ وَتَارَةً لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَصَوَّرَ الْمُسَمَّى فَيُشَارُ له إلَى الْمُسَمَّى بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ إمَّا إلَى عَيْنِهِ وَإِمَّا إلَى نَظِيرِهِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: الْحَدُّ تَارَةً يَكُونُ لِلِاسْمِ وَتَارَةً يَكُونُ لِلْمُسَمَّى. وَأَئِمَّةُ الْمُصَنِّفِينَ فِي صِنَاعَةِ الْحُدُودِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَنْطِقِيِّينَ يَعْتَرِفُونَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ بِهَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي "كِتَابِ مِعْيَارِ العلم" الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْمَنْطِقِ بعد أن قال..

– الشيخ: قفْ على هذا يا أخي.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة