بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (تحفة المودود في أحكام المولود) للإمام ابن القيّم
الدّرس الثّالث والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، اللهم اغفرْ لنا ولشيخِنا وللحاضرينَ والمُستمعين، قالَ الإمام ابنُ القيِّمِ -رحمه الله تعالى- في كتابِه "تحفةُ المودودِ بأحكام المودود":
الْفَصْل السَّابِع فِي حِكْمَةِ الْخِتَانِ وفوائدِه
– الشيخ: الله أكبر
– القارئ: الْخِتَانُ مِن محَاسِنِ الشَّرَائِعِ الَّتِي شرعَها الله -سُبْحَانَهُ وتعالى- لِعِبَادِهِ وكمَّلَ بهَا محاسنَهم الظَّاهِرَةَ والباطنةَ؛ فَهُوَ مُكمِّلٌ للفطرةِ الَّتِي فطرَهم عَلَيْهَا، وَلِهَذَا كَانَ من تَمامِ الحنيفيةِ مِلَّةُ إِبْرَاهِيم، وأصلُ مَشْرُوعِيَّةِ الْخِتَانِ؛ لتكميلِ الحنيفيَّةِ، فَإِنَّ اللهَ -عز وَجل- لمَّا عَاهَدَ إِبْرَاهِيمَ ووعدَه أَنْ يَجعلَه للنَّاسِ إِمَامًا، وعدَه أَنْ يكونَ أَبَا لشعوب ٍكَثِيرَة وَأَن يكونَ الْأَنْبِيَاءُ والملوكُ من صُلبِه وَأَنْ يكثُرَ نَسْلَه وَأخْبرهُ أَنَّه جَاعلٌ بَينَه وَبَيَن نَسْلِه عَلامَةَ الْعَهْدِ أَنْ يختِنوا كلَّ مَوْلُودٍ مِنْهُمْ، وَيكونُ عهدِي هَذَا ميسمًا فِي أَجْسَادِهم
– الشيخ: طيب. وش [ما] قالَ المُحقق؟
– القارئ: في ماذا يا شيخ؟ في مَيسمًا؟
– الشيخ: لا، على كلِّ الكلامِ هذا.
– القارئ: ما قالَ شيئًا، لكن ميسمًا قالَ في نسخةٍ أُخرى: سِيمة: مَيسمًا في أجسادِهم
– الشيخ: يحتملُ بس، يحتملُ أنَّه ميسمٌ مثلَ كي، أو أنَّه سِيمةٌ يعني علامةٌ، ولكن هذا الكلام يمكن ابن القيم أخذَه من بعضِ كتبِ أهلِ الكتاب، يعني هذا التفصيلُ، الرسولُ قالَ: (خمسٌ مِن الفطرةِ)، وذكرَ منها الخِتان، وصارَ الخِتان سُنَّةً في المسلمين.
– القارئ: فالختان علَمٌ للدخولِ فِي مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا موافقٌ
– الشيخ: يعني عَلَمٌ علامة، يعني الختانُ علامةٌ على الإسلامِ لأنَّنا إذا وجدناه مختونًا عرفنا أنَّه مُسلمٌ، فالختانُ من خصائصِ المسلمين وليس هو علامةٌ بمعنى شرطٍ، شرطُ الدخولِ في الإسلامِ: الخِتانُ. لا، لكنَّه علامةٌ على الإسلامِ.
– القارئ: وهذا مُوافِقٌ لتأويلِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَه –تَعَالَى-: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [الْبَقَرَة:138] على الْخِتَان.
فالختانُ للحنفاءِ بِمَنْزِلَة الصَّبْغِ والتعميدِ لعُبَّادِ الصَّلِيب، فهم يُطهِّرُون أَوْلَادَهم بزعمِهم حِين يصبغونَهم فِي ماءِ المعموديةِ وَيَقُولُونَ: الْآن صَار نَصْرَانِيًّا. فشرعَ الله -سُبْحَانَهُ- للحُنفاءِ صبغةَ الحنيفيَّةِ وَجعلَ ميسمَها الْخِتَان فَقَالَ: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً، وَقد جعلَ اللهُ –سُبْحَانَهُ- السِّمات عَلامَاتٍ لمن يُضَاف مِنْهَا إِلَيْهِ الْمعلِّمُ بهَا، وَلِهَذَا النَّاسُ يَسمُون دوابَّهم ومواشِيهم بأنواعِ السِّماتِ حَتَّى يكونَ فيها مَا يُضَافُ مِنْهَا إِلَى كلِّ إِنْسَانٍ مَعْرُوفًا بسِمَتِه
– الشيخ: أي هذا معروف، وسْمُ البهائمِ، الرسولُ وَسَمَ إبلَ الصَّدقةِ، فهو أمرٌ جائزٌ، والوسمُ يكون بالكَيِّ، وَسْمُ البهائمِ يكونُ بالكيِّ، الرسولُ وَسَمَ إبلَ الصدقة بنفسِه -صلى الله عليه وسلّم- وهذا عُرْفٌ جارٍ عند الناسِ، يعني كل قبيلةٍ لهم وسمٌ، اللي يعرفُ هذه الأمورَ إذا شاف الوسمَ قالَ: هذهِ من إبلِ آلِ فلان -من بَنِي- هذه من وَسْمِ كذا.
– القارئ: ثمَّ قد تكونُ هَذِهِ السِّمَةُ مُتوارَثةً فِي أمةٍ بعدَ أُمة.
فَجعلَ اللهُ –سُبْحَانَهُ- الْخِتَان علَمًا لمن يُضَافُ إليه وَإِلَى دِينِه ومِلَّتِه، ويُنسَبُ إليه بِنِسْبَة الْعُبُودِيَّة والحنيفيَّةِ حَتَّى إِذا جهلْتَ حَالُ إِنْسَانٍ فِي دِينِه عُرِفَ بسِمةِ الْخِتَان ورَنْكِهِ
– الشيخ: لا. حتى إذا جُهل، يعني كأنَّها أحسنُ.
– القارئ: حَتَّى إِذا جُهلَ حَالُ إِنْسَانٍ فِي دِينِه عُرِفَ بسِمةِ الْخِتَانِ ورَنْكِهِ، قالَ: الرَّنكُ: المرادُ العلامةُ وهي غيرُ عربيةٍ، رَنْك.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُدعى بِأُمةِ الْخِتَانِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ "هِرقل": "إِنِّي أجدُ ملكَ الْخِتَانِ قد ظهرَ" فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: لَا يُهمَّنَّك هَذَا فَإِنَّمَا تختتنُ الْيَهُود فاقتُلْهم، فَبَيْنَا همْ على ذَلِكَ، وَإِذا برَسُولِ رَسُولِ الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- قد جَاءَ بكتابِه فَأمرَ بِهِ أَن يُكْشَفَ وَيُنظِرَ هَل هُوَ مختونٌ؟ فَوُجِدَ مختونًا فَلَمَّا أخبرَهُ أَن الْعَرَب تختتنُ قَالَ: "هَذَا مَلكُ هَذِه الْأمةِ"
– الشيخ: هذا يعني الرسولُ، يعني تعبيرًا منهم يُسمونَه ملِك. ولّا الرسولُ لا يُقال له ملِكٌ، خُيِّر بينَ أن يكونَ ملكًا نبيًا أو أن يكونَ عبدًا رسولًا؛ فاختارَ أن يكون عبدًا.
– القارئ: وَلمَّا كَانَتْ وقْعَةُ أجنادِينَ بَين الْمُسلمينَ وَالرومِ جعلَ هِشَامُ بن الْعَاصِ يَقُول: "يَا معشرَ الْمُسلمين، إِنَّ هَؤُلَاءِ القُلفَ لَا صَبر لَهُم على السَّيْفِ"، فَذَكَّرَهُمْ بشِعارِ عُبَّادِ الصَّلِيبِ ورَنْكِهِمْ وَجعلَه مِمَّا يُوجبُ إقدامَ الحُنفاءِ عَلَيْهِم وتطهيرَ الأَرْضِ مِنْهُم.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ صِبغةَ الله هِيَ الحنيفيَّةُ الَّتِي صَبغَتِ الْقُلُوبَ بمعرفتِه ومحبتِه وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وعبادتُه وَحدَه لَا شريكَ لَهُ وصبغَتِ الْأَبدَانَ بخِصالَ الْفطْرَة: من الْخِتَان والاستحدادِ وقصِّ الشَّارِبِ وتقليمِ الْأَظْفَارِ ونتفِ الْإِبِطِ والمضمضةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ والسِّواكِ والاستنجاءِ. فظهرَت فِطْرَةُ الله على قُلُوبِ الحنفاءِ وأبدانِهم
– الشيخ: ما شاءَ الله.
– القارئ: قَالَ مُحَمَّد بن جرير
– الشيخ: قِفْ على هذا بس [فقط] .