بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (تحفة المودود في أحكام المولود) للإمام ابن القيّم
الدّرس التّاسع والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ، قالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "تحفةُ المودودِ بأحكامِ المولودِ" في الفصلِ الثَّالثِ عشرَ في ختانِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ:
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيثِ سُفْيَانَ بنِ مُحَمَّدٍ المصِّيصِيِّ قالَ حَدَّثَنَا هشيمُ عَن يُونُسَ بنِ عبيدٍ عَن الْحسنِ عَن أنسِ بنِ مَالكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ-: (مِن كَرَامَتِي على اللهِ أَنِّي وُلِدْتُ مختوناً وَلم يرَ سوءتي أحدٌ)
– الشيخ: أيش يقول؟ من رواه؟
– القارئ: قالَ: وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ بِإِسْنَادِهِ من حَدِيثِ سُفْيَانَ بنِ مُحَمَّدٍ المصِّيصِيِّ قالَ: حَدَّثَنَا
– الشيخ: قرأناه..؟
– القارئ: نعم؟
– الشيخ: في تعليق؟
– القارئ: إي نعم يا شيخ، قالَ: أخرجَهُ الطَّبرانيُّ في المعجمِ الأوسطِ والصَّغيرِ، والخطيبُ البغداديُّ في تاريخِ بغدادَ، ومِن طريقِهِ ابنُ الجوزيِّ في العللِ المتناهيةِ مِن طريقِ سفيانَ، ثمَّ حكمَ عليه المحقِّقُ قالَ: ضعيفٌ جدَّاً، سيتكلَّمُ عنهُ ابنُ القيِّمِ أيضاً.
– الشيخ: إي زين [جيد]
– القارئ: قَالَ الْخَطِيبُ: لم يروِهِ فِيمَا يُقَالُ غيرُ يُونُسَ عَن هشيمٍ وَتفرَّدَ بِهِ سُفْيَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المصِّيصِيُّ وَهُوَ مُنكرٌ الحَدِيثَ.
قَالَ الْخَطِيبُ: أَخْبرنِي الْأَزْهَرِيُّ قَالَ: سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَن سُفْيَانَ ابْنِ مُحَمَّدٍ المصِّيصِيُّ وَأَخْبرنِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: قَالَ لنا الدَّارَقُطْنِيُّ: شيخٌ لأهلِ المصيصةِ يُقَالُ لَهُ سُفْيَانُ بنُ مُحَمَّدٍ الْفَزارِيُّ كَانَ ضَعِيفاً سيِّئَ الْحَالِ، وَقَالَ صَالحُ بنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ سُفْيَانُ بنُ مُحَمَّدٍ المصِّيصِيُّ لَا شَيْءَ، وَقد رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ مِن طَرِيقِ الْحسنِ بنِ عَرَفَةَ قالَ: حَدَّثَنَا هشيمُ عَن يُونُسَ عَن الْحسنِ عَن أنسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ-: "مِن كَرَامَتِي على رَبِّي -عزَّ وَجلَّ- أَنِّي وُلِدْتُ مختوناً ولم يرَ سوءَتي أحدٌ" وَفِي إِسْنَادِهِ إِلَى الْحسنِ بنِ عَرَفَةَ عدَّةُ مَجَاهِيلَ.
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ: وَقد سَرقَهُ ابْنُ الْجَارُودِ وَهُوَ كَذَّابٌ فَرَوَاهُ عَن الْحسنِ بنِ عَرَفَةَ وَمِمَّا احْتجَّ بِهِ أَرْبَابُ هَذَا القَوْلِ مَا ذكرَهُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَليٍّ التِّرْمِذِيُّ فِي معجزاتِ النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ- فَقَالَ: وَمِنْهَا أَنَّ صَفِيَّةَ بنتَ عبدِ الْمطَّلبِ قَالَتْ: "أردْتُ أَنْ أعرفَ أذكرٌ هُوَ أم أُنْثَى فرأيْتُهُ مختوناً" وَهَذَا الحَدِيثُ لَا يثبتُ وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ يعرفُ بِهِ.
وَقد قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ عمرُ بنُ أبي الْحسنِ بنُ هبةِ اللهِ بنُ أبي جَرَادَةَ فِي كتابٍ صنَّفَهُ فِي ختانِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ- يردُّ بِهِ على مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ فِي تصنيفٍ صنَّفَهُ وَقرَّرَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ- وُلِدَ مختوناً.
وَهَذَا مُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ لم يكنْ مِن أهلِ الحَدِيثِ وَلَا علمَ لَهُ بِطرقِهِ وصناعتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْكَلَامُ على إشاراتِ الصُّوفِيَّةِ والطَّرائقِ، وَدَعوى الْكَشْفِ على الْأُمُورِ الغامضةِ والحقائقِ حَتَّى خرجَ فِي الْكَلَامِ على ذَلِكَ عَن قَاعِدَةِ الْفُقَهَاءِ والصُّوفيَّةِ، وَاسْتحقَّ الطَّعْنَ عَلَيْهِ بذلكَ والإزدراءَ، وَطعنَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ والصُّوفيَّةِ، وأخرجُوهُ بذلكَ عَن السِّيرَةِ المرضيَّةِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ أَدخلَ فِي علمِ الشَّرِيعَةِ مَا فَارقَ بِهِ الْجَمَاعَةَ، فاستوجبَ بذلكَ الْقدحَ والشَّناعةَ، وملأَ كتبَهُ بالأحاديثِ الْمَوْضُوعَةِ وحشاها بالأخبارِ الَّتِي لَيسَتْ بمرويَّةٍ وَلَا مسموعةٍ، وَعلَّلَ فِيهَا خَفِيَّ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا يُعقَلُ مَعْنَاهَا بعللٍ مَا أضعفَها! وَمَا أوهاها!
وَمِمَّا ذكرَهُ فِي كتابٍ لَهُ وسمَهُ بِالِاحْتِيَاطِ أَنْ يسْجدَ عقبَ كلِّ صَلَاةٍ يُصلِّيهَا سَجْدَتي السَّهْوِ، وَإِنْ لم يكنْ سَهَا فِيهَا وَهَذَا مِمَّا لَا يجوزُ فعلُهُ بِالْإِجْمَاعِ.
وفاعلُهُ مَنْسُوبٌ إِلَى الغلوِ والابتداعِ، وَمَا حَكَاهُ عَن صَفِيَّةَ بقولِهَا: "فرأيْتُهُ مختوناً" يُنَاقضُ الْأَحَادِيثَ الْأُخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: "لم يرَ سوءَتي أحدٌ" فَكلُّ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ يُنَاقضُ الآخرَ وَلَا يثبتُ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَلَو وُلِدَ مختوناً فَلَيْسَ هذا مِن خَصَائِصِهِ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ- فَإِنَّ كثيراً مِن النَّاسِ يُولَدُ غيرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الْخِتَانِ.
قَالَ: وَذكر أَبُو الْغَنَائِمِ النَّسَّابةُ الزَّيديُّ أَنَّ أَبَاهُ القَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحسنَ بْنَ مُحَمَّدٍ بنَ الْحسنِ الزَّيديَّ وُلِدَ غيرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الْخِتَانِ وَلِهَذَا لُقِّبَ بالمطهَّرِ، قَالَ: وَقَالَ فِيمَا قرأْتُهُ بِخَطِّهِ: خُلِقَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحسنُ مطهَّراً لم يختنْ وَتُوفِّي كَمَا خُلِقَ، وَقد ذكرَ الْفُقَهَاءُ فِي كتبِهمْ أَنَّ مَن وُلِدَ كَذَلِكَ لَا يختتنُ، وَاسْتحْسنَ بَعضُهم أَنْ يمرَّ الموسى على مَوضِع الْخِتَانِ مِن غيرِ قطعٍ
– الشيخ: [……]
– القارئ: والعوامُ يسمُّونَ هذا الْخِتَانَ ختانَ الْقَمَرِ، يشيرونَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ النُّموَّ فِي خلقَةِ الْإِنْسَانِ يحصلُ فِي زِيَادَةِ الْقَمَرِ وَيحصلُ النُّقْصَانُ فِي الْخلقَةِ عِنْدَ نقصانِهِ، كَمَا يُوجدُ فِي ذَلِكَ الجزرُ وَالْمدُّ فينسبونَ النُّقْصَانَ الَّذِي حصلَ فِي القلفةِ إِلَى نُقْصَانِ الْقَمَرِ.
قَالَ: وَقد وردَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ سيفُ بنُ مُحَمَّدٍ .
– الشيخ: خلاص قف على هذا بس [يكفي]