الرئيسية/شروحات الكتب/تحفة المودود في أحكام المولود/(50) ختان المولود وأحكامه< ختان النبي صلى الله عليه وسلم

(50) ختان المولود وأحكامه< ختان النبي صلى الله عليه وسلم

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التّعليق على كتاب (تحفة المودود في أحكام المولود) للإمام ابن القيّم
الدّرس الخمسون

***    ***    ***    ***

 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، اللهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ، قالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ رحمه الله تعالى في كتابِهِ "تحفةُ المودودِ بأحكامِ المولودِ" في إتمامِ الفصلِ الثالثِ عشرَ، قالَ رحمَهُ اللهُ:
وَقدْ وردَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ سيفُ بن مُحَمَّدٍ -ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْريّ- عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وعَنْ أبَوَيها عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ قَالَ:
(ابْنُ صَيَّاد وُلِدَ مَسْرُوراً مختوناً)
– الشيخ: الله المستعان! "مسروراً" يعني: مقطوعَ السُّرةِ، مِن السُّرةِ لا مِنَ السُّرورِ.
– طالب: هذا "ابنُ صياد" يا شيخ؟

– الشيخ: "ابنُ صياد" الذي جاءَ لَه أخبارٌ، كانَ في عهدِ النبي صلى الله عليه وسلم وكانَ يُظَنُّ أنه الدجالُ.
 

– القارئ: قالَ عنه في الحاشيةِ يا شيخ: أخرجَهُ ابنُ عديٍّ في الكاملِ، وحكمَ عليهِ المحققُ أنَّهُ: موضوعٌ.
– الشيخ: إي هو، أقول: هو أشبَهُ.
– القارئ: قال -رحمه الله-: وسيفُ
– الشيخ: حَكَمَ عليهِ؟
– القارئ: أنَّهُ موضوعٌ
– الشيخ: مَنْ هو ابنُ عديّ؟
– القارئ: لا، لا، المحقق، لكن هو قالَ: أخرجَهُ ابنُ عديٍّ في الكاملِ مِن طريقِ سيفٍ بِهِ، قلتُ: سيفٌ هذا قالَ فيهِ الحافظُ ابنُ حجرٍ في التقريبِ: كَذَّبُوهُ.
– الشيخ: خلاص، استَرَحْنَا منه.
 

– القارئ: قالَ ابنُ القيمِ رحمَه اللهُ تعالى: وَسَيْفٌ مطعونٌ فِي حَدِيثِهِ، وَقيلَ: إِنَّ قَيْصرَ مَلِكَ الرّومِ الَّذِي وردَ عَلَيْهِ امْرُؤُ الْقَيْسِ وُلِدَ كَذَلِكَ، وَدخلَ عَلَيْهِ امْرُؤُ الْقَيْسِ الْحَمَّامَ فَرَآهُ كَذَلِكَ فَقَالَ يَهْجُوهُ:
إِنِّي حَلَفْتُ يَمِيناً غيرً كَاذِبَةٍ … لأَنْتَ أغْلَفُ إِلَّا مَا جَنَى الْقَمَرُ
يُعِيِّرُهُ أَنَّهُ لمْ يَخْتَتِنْ، وَجعلَ وِلَادَتَهُ كَذَلِكَ نَقْصَاً، وَقيلَ: إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ أحدُ الْأَسْبَابِ الباعثةِ لقيصرَ على أَنْ سَمَّ امرئَ الْقَيْسِ فَمَاتَ.
وَأنْشدَ ابْنُ الْأَعرَابِيّ فِيمَنْ وُلِدَ بِلَا قُلْفَةٍ:
فدَاكَ نِكْسٌ لَا يَبِضُّ حَجَرُهُ … مُخَرَّقُ الْعرضِ حَدِيدُ مُمَصِرهُ
فِي ليلِ كانونٍ شَدِيدٌ خَصَرُهُ … عَضَّ بأطرافِ الزَّباني قَمَرُهُ
يَقُولُ: هذا هُوَ أقلفٌ لَيْسَ بمختونٍ إِلَّا مَا قَلَصَ مِنْهُ الْقَمَرُ، وَشبَّهَ قُلْفَتَهُ بالزَّبَانيّ

– الشيخ: بالزُّبانى
– القارئ: نعم، وهي قَرْنَا العقربِ
– الشيخ: مِن أسماءِ بعضِ الكواكبِ
– القارئ: وكانتِ العربُ
– الشيخ: بالزُّبانى؟
– القارئ: الزُّباني
– الشيخ: إي، وهي قرنَا العقربِ، لا، لا، يريدُ العقربَ حقيقةً، يظهرُ أنه كذا.
– القارئ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ لَا تَعْتَدُّ بِصُورَةِ الْخِتَانِ مِنْ غيرِ خِتانٍ، وَترى الْفَضِيلَةَ فِي الْخِتَانِ نَفسِهِ وتفخرُ بِهِ،
قَالَ: وَقدْ بَعَثَ اللهُ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِن صميمِ الْعَرَبِ، وَخَصَّهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مِن الْخلقِ والخُلُقِ وَالنَّسَبِ، فَكيفَ يجوزُ أَنْ يكونَ مَا ذكَرَهُ مِنْ كَونِهِ وُلِدَ مختوناً مِمَّا يُمَيَّزُ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويُخَصَّص؟!
وَقيلَ: إِنَّ الْخِتَانَ مِن الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتَلَى اللهُ بهَا خَلِيلَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأتَمَّهُنَّ وأكْمَلَهُنَّ، وَأَشدُّ النَّاسِ بلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ، وَقدْ عَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخِتَانَ مِن الْفطْرَةِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِابْتِلَاءَ بِهِ مَعَ الصَّبْرِ عليهِ مِمَّا يُضَاعِفُ ثَوَابَ الْمُبْتَلَى بِهِ وأجرَهُ، والأليقُ بِحَالِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْ لَا يُسْلَبَ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ، وَأَنْ يُكرمَهُ اللهُ بهَا كَمَا أكْرمَ خَلِيلَهُ، فَإِنَّ خَصَائِصَهُ أعظمُ مِنْ خَصَائِصِ غَيرِهِ مِن النَّبِيينَ وَأَعْلَى.
وخَتْنُ الْمَلَكِ إِيَّاه كَمَا روينَاهُ أَجْدَرُ مِنْ أَنْ يكونَ مِن خَصَائِصِهِ وَأولى، هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ ابْنِ العديمِ.
وَيُرِيدُ "بخَتْنِ الْمَلَكِ" مَا رَوَاهُ مِن طَرِيقِ الْخَطِيبِ عَنْ أبي بَكرَةَ: "أَنَّ جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ طَهُرَ قلبُهُ". وَهُوَ مَعَ كَونِهِ مَوْقُوفاً على أبي بكرَةَ لَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ؛ فَإِنَّ الْخَطِيبَ قَالَ فِيهِ: أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عبدُ الْوَاحِدِ بنِ عُثْمَانَ بن مُحَمَّدٍ البَجلِيِّ قال: أَنبأَنَا جَعْفَرُ بن مُحَمَّدٍ بنِ نُصيرٍ قالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّد بنُ عبدِ اللهِ بنِ سُلَيْمَانَ قالَ: حَدَّثنَا عبدُ الرَّحْمَن بنِ عُيَيْنَةَ الْبَصْرِيِّ قالَ: حَدَّثنَا عَليُّ بنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيّ قالَ: حَدثنَا مسلمةُ بنُ محَارِبِ بنِ سُليمٍ بنِ زِيَادٍ عَن أَبِيهِ عَنْ أبي بكرَةَ، وَلَيْسَ هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَحَدِيثُ شَقِّ الْمَلَكِ قلبَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ مُتعَدِّدَةٍ مَرْفُوعاً إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ فِي شَيْءٌ مِنْهَا أَنَّ جِبْرِيلَ خَتَنَهُ إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيثِ، فَهُوَ شَاذٌّ غَرِيبٌ.
قَالَ ابْن العديم: وَقدْ جَاءَ فِي بعضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ جدَّهُ عبدَ الْمطلبِ خَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، قَالَ: وَهُوَ على مَا فِيهِ أشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَأقربُ إِلَى الْوَاقِعِ.
ثمَّ سَاقَ مِن طَرِيقِ ابْنِ عبدِ الْبَرِّ قالَ: حَدَّثنَا أَبُو عَمْروٍ أَحْمدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمدٍ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ عِيسَى حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثنَا يحيى بنُ أَيُّوبِ بنِ زِيَادِ العَلَّاف قالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بنُ أبي السَّري الْعَسْقَلَانِي قال: حَدَّثنَا الْوَلِيدُ بنُ مُسلِمٍ عَنْ شُعَيْبِ بن أبي حَمْزَةَ عَنْ عَطاءِ الْخُرَاسَانِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ عبدَ الْمطلبِ خَتَنَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ سابعِهِ، وَجعلَ لَهُ مأدبةً، وَسَماهُ مُحَمَّداً".

– الشيخ: صلى الله عليه وسلم.
– القارئ: قَالَ يحيى بن أَيُّوب: مَا وجدْنَا هَذَا الحَدِيثَ عِنْد أحدٍ إِلَّا عِنْدَ ابْنِ أبي السَّرِي، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ المتَوَكِّلِ بنُ أبي السَّرِيّ، وَاللهُ أعلمُ.
الْفَصْلُ الرَّابِعُ عشر: فِي الْحِكْمَةِ الَّتِي لأَجلهَا يُعَادُ بَنو آدمَ غُرْلًا.

– الشيخ: أحسنتَ، إلى هنا بس، لا إله إلا الله، سبحانَ الله، طويل؟ الفصل هذا الجديد؟
– القارئ: لا، قصير، صفحة ونصف.
– الشيخ: إي، اقرأه، خلّنا نسمعه.
 

– القارئ: قال رحمه الله:
الْفَصْلُ الرَّابِعُ عشرَ: فِي الْحِكْمَة الَّتِي لأَجْلِهَا يُعَادُ بَنو آدمَ غُرْلًا.
لَمَّا وعدَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَهُوَ صَادِقُ الْوَعْدِ الَّذِي لَا يُخْلِفُ وعدَهُ، أَنه يُعِيدُ الْخَلْقَ كَمَا بدأَهُمْ أولَ مرّة، كَانَ مِنْ صدقِ وعدِهِ أَنْ يُعِيدهُم على الْحَالةِ الَّتِي بدأَهُ عَلَيْهَا مِنْ تَمامِ أَعْضَائِهِ وكمالِهِا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الْأَنْبِيَاء:104] وَقَالَ تَعَالَى: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الْأَعْرَاف:29] وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْخِتَانَ إِنَّمَا شرعَ فِي الدُّنْيَا لتكميلِ الطَّهَارَةِ والتَّنَزُّهِ مِن الْبَوْلِ، وَأهلِ الْجنَّةِ لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، فَلَيْسَ هُنَاكَ نَجَاسَةٌ تصيبُ الغُرْلَةَ فَيحْتَاجُ إِلَى التَّحَرُّزِ مِنْهَا، والقُلْفَةُ لَا تمنعُ لَذَّةَ الْجِمَاع وَلَا تَعُوقُهُ، هَذَا إِنْ قُدِّرَ استمرارُهُم على تِلْكَ الْحَالةِ الَّتِي بُعثوا عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِن كَونِهم يُبْعَثونَ كَذَلِكَ أَنْ يَستمرُّوا على تِلْكَ الْحَالةِ، فَإِنَّهُم يُبْعَثُونَ حُفَاةً عُرَاةً بُهْمَاً، ثمَّ يُكْسَونَ، ويمدُّ خلقُهُمْ، وَيُزَادُ فِيهِ بعدَ ذَلِكَ: يُزَادُ فِي خلقِ أهلِ الْجنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا فَوَقْتُ قيامِهِم مِن الْقُبُورِ يكونُونَ على صورتِهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا.

– الشيخ: يعني: أنَّ إنشاءَهُم النَّشأةَ المناسبةَ للآخرةِ طَورٌ مِنَ الأطوارِ يكونُ بعدَ ذلكَ، هذا معنى كلامُهُ، وهذا يحتاجُ إلى..، أقولُ: الله أعلم، كيفَ يكونُ، أُوردَ على هذا وُلِدَ على هذا أنَّ معنى هذا الكلامِ أنَّ الأطفالَ يُبعثُونَ أطفالاً، والكِبارُ أو الشِّيْبُ والعجائزُ يُبعثون على هيئاتِهم التي.. والمريضُ الذي نَحلَ وصارَ أنه يُبعثُ هكذا، هذا فيهِ تأمُّلٌ، ما هو يعني، الله أعلم.
 

– القارئ: وَإِلَّا فَوَقْتُ قيامِهِم مِن الْقُبُورِ يكونُونَ على صورتِهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا
– الشيخ: يعني معنى كلامُه: التي ماتوا عليها، التي ماتوا عليها، هم يموتونَ على أحوالٍ، ما بهي على صورة..، يعني: ناس أطوالٌ وهيئاتٌ حَسَنَةٌ يُبعثون، الهيئاتُ التي ماتوا عليها، وهم يموتون على هيئاتٍ هكذا متباينةٍ، يُبعَث هذا طويلاً وهذا قصيراً وهذا … هذا الواجبُ التفويضُ فيهِ، التفويضُ إلى عَلَّامِ الغيوبِ.
– القارئ: وعَلى صفاتِهم وهيئاتِهم وأحوالِهم فيُبْعَثُ كلُّ عبدٍ على مَا مَاتَ عَلَيْهِ ثمَّ يُنْشِئُهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ كَمَا يَشَاءُ
– الشيخ: على ما ماتَ عليهِ؟ يُبعثون، لا إله إلا الله، نعم، ثمَّ يُنْشِئُهُمُ.
– القارئ: ثمَّ يُنْشِئُهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ كَمَا يَشَاءُ، وَهلْ تبقى الغُرْلَةُ الَّتِي كَمَّلَتْ خلقَهُمْ فِي الْقُبُورِ أَو تَزُولُ؟ يُمكن هَذَا وَهَذَا، وَلَا يُعلمُ إِلَّا بِخَبَر يجبُ الْمصيرُ إِلَيْهِ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلمُ.
– الشيخ: إي، أحسن شيء، انتهى ؟
– القارئ: انتهى، عفا الله عنك .
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله