(7) الخالق البارئ المصور

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس السّابع

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "فتحُ الرَّحيمِ الملكِ العلَّاِم في علمِ العقائدِ والتَّوحيدِ والأخلاقِ والأحكامِ المستنبطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:
الخالقُ البارئُ المُصوِّرُ
أي: هوَ المنفردُ بخلقِ جميعِ المخلوقاتِ، وبَرأَ بحكمتِهِ جميعَ البريَّاتِ، وصوَّرَ بإحكامِهِ وحسنِ خلقِهِ جميعَ الكائناتِ، فخلقَها وأبدعَها وفطرَها في الوقتِ المناسبِ لها، وقدَّرَ خلقَها أحسنَ تقديرٍ، وصنعَها أتقنَ صنعٍ وهداها لمصالحِها، أعطى كلَّ شيءٍ خلقَهُ اللَّائقَ بهِ، ثمَّ هدى كلَّ مخلوقٍ لما هُيِّىءَ وخُلِقَ لهُ.
وإذا كانَ هوَ الخالقُ وحدَهُ البارئُ المصوِّرُ لا شريكَ لهُ في شيءٍ مِن ذلكَ، فهوَ الإلهُ الحقُّ الَّذي لا يستحقُّ العبادةَ إلَّا هوَ، وهوَ الخالقُ للذَّاواتِ والأفعالِ والصِّفاتِ، وهوَ الَّذي يهدي مَن يشاءُ ويُضِلُّ مَن يشاءُ، ويجعلُ المؤمنَ مؤمنًا والكافرَ كافرًا، مِن غيرِ أنْ يجبرَ العبادَ على غيرِ ما يريدونَ.
ففي عمومِ خلقِهِ ردٌّ على القدريَّةِ حيثُ أخرجُوا أفعالَ العبادِ وطاعتَهم ومعاصيَهم عن دخولِها تحتَ خلقِهِ وتقديرِهِ، حذرًا منهم وفرارًا مِن الجبرِ، ولم يدرُوا أنَّ كمالَهُ وكمالَ قدرتِهِ ينفي الجبرَ، وأنَّهُ قادرٌ على جعلِ العبدِ يفعلُ ما يختارُهُ ويريدُهُ جاريًا على قدرتِهِ ومشيئتِهِ، فهوَ أعظمُ مِن أنْ يجبرَ العبادَ، وأعدلُ مِن أنْ يظلمَهم، بل هم الَّذينَ يريدونَ ويختارونَ واللهُ هوَ الَّذي جعلَهم كذلكَ

– الشيخ: لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، سبحان الله، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله.
– القارئ: وإرادتُهم وقدرتُهم تابعةٌ لمشيئةِ اللهِ، قالَ جلَّ وعلا: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29]
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ..

– الشيخ: يقولُ الشيخُ -رحمه الله- في شرحِ بعضِ أسماءِ اللهِ، ذكرَ هذه الثلاثةَ: الخالقُ في سورةِ الحشرِ في الآيةِ الأخيرةِ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ [الحشر:24] الخالقُ يعني: لكلِّ شيءٍ مطلقاً، هو الخالقُ وحده، لا خالقَ غيرُه، والخلقُ يذكرُ المفسِّرون وأهلُ اللغة أنَّه يأتي على وجهين: الخلقُ بمعنى التقديرِ والخلقُ بمعنى الإيجادِ، إيجادُ الشيءِ وإخراجُه من العدمِ إلى الوجودِ، ولكن لمّا اقترنَ الخالقُ بالبارئِ صارَ الأظهرُ في الخالقِ أنَّه المُقدِّرُ للمخلوقِ.
والبارئُ هو الَّذي يُخرجُ النسمَ ويبرأُ النسمَ، فلقَ الحبَّةَ وبرأَ النسمةَ، إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [الأنعام:95] وهو المصوِّرُ، هذه كلُّها من أسماءِ اللهِ، هو الخالقُ وهو البارئُ وهو المصوِّرُ، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ [آل عمران:6] صوَّركم فأحسنَ صورَكم، ولكلِّ شيءٍ موجودٍ قائمٍ بنفسِه له صورةٌ، يعني له شكلٌ، فصورةُ الأرضِ أنَّها –يعني هذا الجسمُ العظيمُ- صورتُها أنَّها كرويَّةُ الشكلِ، هذه صورتُها، والجبالُ لها أشكالٌ مختلفةٌ، منها الطويلُ ومنها المنبسطُ ومنها..، وهكذا الحيوانُ، لكلِّ حيوانٍ شكلٌ معيَّنٌ، وأمَّا في الأناسيِّ الأناسيِّ أمرُهم أعجبُ وأعجبُ، وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22] الصورةُ لا يشتركُ اثنان في صورةٍ واحدةٍ وإنْ تشابَها أحياناً وتقاربَا لكن صورة من كلِّ وجهٍ بحيث لا..، سبحان الله العظيم.
وهو المصوِّرُ، ومن أجلِ ذلك جاءَت السُّنَّةُ بتحريمِ التصويرِ، تصويرُ ذواتِ الأرواحِ، فإنَّ في هذا مضاهاةً، مضاهاةٌ لخلقِ اللهِ، وقد بُلِيَ الناسُ في هذا العصر بأدواتِ آلاتِ التصويرِ ودخلت الشُّبهاتُ عليهم، فانهمكُوا في التصوير وأسرفوا وتعلَّقوا به وصارَ أمراً عاديَّاً مُستحلّاً، التصويرُ الفوتوغرافيُّ ليسَ هو كما يقالُ، بعضُهم يقولُ إنَّه نقلٌ للصورة وليس هو بتصويرٍ، هو تصويرٌ لفظاً وعرفاً، هل يستطيعون أن يقولوا إلَّا تصوير؟ والآن صوَّرَ وهذا مصوِّرٌ وهذه آلةُ تصويرٍ، كلُّها، كلُّ الكلامِ فيه تصويرٌ، هذه آلةُ التصوير وهذه صورةٌ وهذا مصوِّرٌ كلُّه.
لكن من اجتهدَ من أهل العلم ورأى باجتهاده وبفهمه أنَّ هذا لا يدخلُ بالتصوير المحرّمِ فله ما تولّى وما أدَّى إليه اجتهادُه إذا صحَّت النِّيَّةُ، وأمَّا الآخرون سائر الناس فمن كان مقلِّداً ومقتدياً بمن هو أهلٌ من أهلِ الاجتهاد فذاك، ومن كانَ متَّبعاً لهواهُ فهذا لا يُعذَرُ، نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ باللهِ.
 

– القارئ: ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ:
العزيزُ الجبَّارُ المتكبِّرُ القهَّارُ القويُّ المتينُ، فالعزيزُ الَّذي لهُ جميعُ معاني العزَّةِ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا [يونس:65] فهوَ العزيزُ لكمالِ قوَّتِهِ وهذهِ عزَّةُ القوَّةِ، ويرجعُ إلى هذا المعنى القويُّ المتينُ. وعزَّةُ الامتناعِ عن مغالبةِ أحدٍ، وعن أنْ يقدرَ عليهِ أحدٌ، أو يبلغَ العبادُ ضرَّهُ فيضرُّوهُ، أو نفعَهُ فينفعُوهُ، وامتناعُهُ وتكبُّرُهُ عن جميعِ ما لا يليقُ بعظمتِهِ وجلالِهِ مِن العيوبِ والنَّقائصِ، وعن كلِّ ما ينافي كمالَهُ، ويرجعُ إليها معنى المتكبِّرِ معَ أنَّ المتكبِّرَ اسمٌ دالٌّ على كمالِ العظمةِ ونهايةِ الكبرياءِ، معَ دلالتِهِ على المعنى المذكورِ وهوَ تكبُّرُهُ وتنزُّهُهُ عمَّا لا يليقُ بعظمتِهِ ومجدِهِ وجلالِهِ..

– الشيخ: لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله
– القارئ: المعنى الثَّالثُ عزَّةُ القهرِ، الدَّالُ عليها اسمُ القهَّارِ الَّذي قهرَ بقدرتِهِ جميعَ المخلوقاتِ، ودانَتْ لهُ جميعُ الكائناتِ.
– الشيخ: فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11] وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]
– القارئ: فنواصي العبادِ كلِّهم بيدِهِ، وتصاريفُ الملكِ وتدبيراتِهِ بيدِهِ، والملكُ بيدِهِ، فما شاءَ كانَ، وما لم يشأْ لم يكنْ.
فالعالمُ العلويُّ والعالمُ السُّفليُّ بما فيها مِن المخلوقاتِ العظيمةِ

– الشيخ: لا إله إلَّا الله، سبحانَ اللهِ
– القارئ: كلُّها قد خضعَتْ في حركاتِها وسكناتِها، وما تأتي وما تذرُ لمليكِها ومدبِّرِها.
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ [الأنعام:13]
– القارئ: فليسَ لها مِن الأمرِ شيءٌ، ولا مِن الحكمِ شيءٌ، بل الأمرُ كلُّهُ للهِ، والحكمُ الشَّرعيُّ والقدريُّ والجزائيُّ كلُّهُ للهِ، لا حاكمَ إلَّا هوَ، ولا ربَّ غيرُهُ، ولا إلهَ سواهُ.
والعزَّةُ بمعنى القهرِ هيَ إحدى معاني الجبَّارِ، ومعاني الجبَّارِ أنَّه العليُّ الأعلى، الَّذي على العرشِ استوى، وعلى الملكِ احتوى، وعلى السُّلطانِ وأنواعِ التَّصاريفِ استولى.
ومعاني الجبَّارِ معنىً يرجعُ إلى لطفِ الرَّحمةِ والرَّأفةِ، وهوَ الَّذي يجبرُ الكسيرَ، ويغني الفقيرَ، ويجبرُ المريضَ والمبتلى، ويجبرُ جبرًا خاصًّا قلوبَ المنكسرينَ لجلالِهِ، الخاضعينَ لكمالِهِ، الرَّاجينَ لفضلِهِ ونوالِهِ بما يفيضُهُ على قلوبِهم مِن المحبَّةِ وأنواعِ المعارفِ الرَّبانيَّةِ، والفتوحاتِ الإلهيَّةِ والهدايةِ والإرشادِ والتَّوفيقِ والسَّدادِ.
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ:
المَلِكُ المالكُ للمُلكِ

– الشيخ: إلى آخرِه، نعم يا محمَّد.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة