بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الثّامن
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسَلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ المؤلِّفُ الشيخُ ناصر عبد الرحمنِ بن السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى وأسكنَه اللهُ فسيحَ جِنَانِهِ- قال في كتابِهِ "فتحُ الرحيمِ الملِكِ العلَّامِ في علمِ العقائدِ والتوحيدِ والأخلاقِ المستنبطةِ مِن القرآنِ":
المَلِكُ المالِكُ للمُلْكِ. الذي لَه..
– الشيخ: الشيخ -رحمه الله- في هذهِ الجملةِ يشرحُ بعضَ أسماءِ اللهِ، ومِن هذهِ: "الـمَلِكُ"، واسمُ "الـمَلِك" جاءَ في آيتينِ، وجاءَ في آيةٍ ثالثةٍ: "الـمَلِيْك"، عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55]، وجاءَ هذا الاسمُ مقروناً بالقدُّوسِ، الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [الحشر:23]
وهو الملِكُ المتصرِّفُ التصرُّفَ المطلَقَ في كلِّ هذا الوجودِ، فهو مالكُ الـمُلكِ، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران:26]، فالـمُلْكُ كلُّهُ لَه، "لَهُ"، نجد في القرآن آياتٍ كثيرة "لَهُ"، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ [البقرة:116، النساء:171، يونس:68]، لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:41]، فالسمواتُ والأرضُ ومَنْ فِيهِنَّ وما بينَهُما كلُّهَا خلقُهُ، وكلُّهَا يتصرَّفُ فيها بما شاءَ، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ [الملك:1]، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [يس:83]
– القارئ: الذي لَه جميعُ النُّعوتِ العظيمةِ الشأنِ، التي تفرَّدَ بها مَلِكُ الملوكِ، مِن كمالِ القوةِ والعِزَّةِ والقدرةِ، والعلمِ المحيطِ والحكمةِ الواسعةِ ونفوذِ المشيئةِ
– الشيخ: لا إله إلا الله.
– القارئ: وكمالِ التصرُّفِ وكمالِ الرأفةِ والرحمةِ، والحكمِ العامِّ للعالمِ العُلويِّ والعالمِ السُّفليِّ، والحكمِ العامِّ في الدنيا والآخرة، والحكمِ العامِّ للأحكامِ الثلاثةِ التي لا تخرجُ عنها جميعُ الموجوداتِ:
– الشيخ: الحكم الكوني والشرعي والجزائي.
– القارئ: أولاً: الأحكامُ القَدَرِيَّةُ حيثُ جَرَتِ الأقدارُ كلُّها والإيجادُ والإعدامُ، والإحياءُ والإماتةُ، والإيجادُ والإعدادُ والإمدادُ كلُّها على مقتضى قضائِه وقَدَرِهِ.
ثانياً: والأحكامُ الشرعيةُ حيثُ أرسلَ رسلَهُ، وأنزلَ كتبَهُ
– الشيخ: لا إله إلا الله، كلُّ هذا الوجودِ جارٍ على وِفْقِ حكمِه الكونيّ، حَكَمَ بأن هذا غنيٌّ وهذا فقيرٌ، وهذا شقيٌ وهذا سعيدٌ، وهذا كذا وهذا كذا، وهذا طويلٌ وهذا قصيرٌ، فكلُّ هذه الأحوال جاريةٌ على وفقِ أحكامِه الكونيّة، الحكمُ الكونيّ.
– القارئ: والأحكامُ الشرعيةُ حيثُ أرسلَ رسلَهُ، وأنزلَ كتبَهُ، وشرعَ شرائعَهُ، وخلقَ الخلقَ لهذا الحكمِ، وأمرَهُم أنْ يمشُوا على حكمِه في عقائدِهم وأخلاقِهم، وأقوالِهم وأفعالِهم، وظاهرِهم وباطنِهم، ونهاهُمْ عن مجاوزةِ هذا الحكمِ الشرعيِّ، كما أخبرَ أنَّ كلَّ حكمٍ يناقِضُ حكمَه فهو شَرٌّ جاهليٌّ مِن أحكامِ الطاغوتِ.
ثالثاً: والأحكامُ
– الشيخ: الأحكامُ الشرعيّة هي يجبُ على العباد أن ينفِّذُوها؛ لأنَّهم مُكلَّفُون بها، والأحكام الكونية عليهم أن يُسلِّموا لها، فليس لهم فيها إرادةٌ، بل واجبُهم التسليمُ والرضا عَن الله في أحكامهِ، وأما الأحكام الشرعية فعليهِم أن يقوموا بها بحسبِ علمِهم واستطاعتِهم.
– القارئ: والأحكامُ الجزائيةُ، وهو الجزاءُ على الأعمالِ خيرِها وشرِّها في الدنيا والآخرةِ، وإثابةُ الطائعينَ، وعقوبةُ العاصينَ، وتلكَ الأحكامُ كلُّها تابعةٌ لعدلِهِ وحكمتِهِ وحَمدِهِ العامِّ، فهذهِ النُّعوتُ كلُّها مِن معاني ملكِهِ.
ومِنْ معاني ملكِهِ: أنَّ جميعَ الموجوداتِ كلِّها
– الشيخ: بمعنى: مِن آثارِ ملكِه، من آثار، يعني كونُه الـمَلِكُ المطلَقُ يقتضي أن يكونَ الحكم كلُّه له، كَوْنَاً وشَرعاً وجَزاءً.
– القارئ: ومِنْ معاني ملكِهِ: أنَّ جميعَ الموجوداتِ كلِّها مُلْكُهُ وعبيدُهُ المفتقرونَ إليهِ، المضطرُّونَ إليهِ في جميعِ شؤونِهم، ليسَ لأحدٍ خروجٌ عَن ملكِهِ، ولا لمخلوقٍ غنًى عن إيجادِه وإمدادِه، ونفعِه ودفعِه.
ومِن معاني ملكِهِ: إنزالُ كتبِهِ، وإرسالُ رسلِهِ، وهدايةُ العالمَينَ، وإرشادُ الضالّينَ، وإقامةُ الحجةِ والمعذرةِ على المعاندينَ المكابرينَ، ووضعُ الثوابِ والعقابِ مواضَعها، وتنزيلُ الأمورِ منازلَها.
كما أنَّ مِن معاني ملكِهِ: أنَّه كلَّ يومَ هو في شأنٍ يَغفرُ ذنبًا، ويُفرِّجُ كَربًا، ويَكشفُ غَمًّا، ويُزيلُ المشقَّاتِ، ويُغيثُ اللَّهَفَاتِ، ويَجبُرُ الكسيرَ، ويُغني الفقيرَ، ويَهدي ضالَّاً، ويَخذُلُ مُعرِضًا مُولّيًا، ويُعِزُّ قومًا، ويُذِلُّ آخرينَ، ويَرفعُ قومًا، ويَضعُ آخرين، ويُغيِّرُ ما شاءَ مِن الأمورِ الجاريةِ على نظامٍ واحدٍ؛ ليعرفَ العبادُ كمالَ ملكِهِ، ونفوذَ مشيئتِه، وعظمةَ سلطانِه.
فالـمُلْكُ يَرجعُ إلى ثلاثةِ أمورٍ: صفاتُ الـمَلِكِ التي هي صفاتُه العظيمةُ، وملكُهُ للتصاريفِ والشؤونِ في جميعِ العوالمِ، وأنَّ جميعَ الخلقِ مماليكُهُ وعبيدُهُ، فهوَ الملِكُ الذي لَه مُلْكُ العالمِ العلويِّ والسفليِّ، ولَه التَّدبيراتُ النَّافذةُ فيها، ليسَ للهِ في شيءٍ مِن ذلكَ مشاركٌ.
القُدُّوسُ السَّلامُ
– الشيخ: إلى هنا، نعم يا محمد .