بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس التّاسع
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصَلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين
– الشيخ: اللهم صل وسلم وبارك عليه
– القارئ: اللهم اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ بن ناصر السَّعدي -رحمَه اللهُ تعالى وأسكنَه فسيحَ جِنانِه- قالَ في كتابِه "فتحُ الرحيمِ الملِكِ العلَّامِ في علمِ العقائدِ والتوحيدِ والأخلاق والأحكامِ المستنبطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَه اللهُ:
القُدُّوس السَّلام: الذي لَه كلُّ قُدْسٍ وطهارةٍ وتعظيمٍ، وتقدَّسَ عَن صفاتِ النَّقصِ، فالقدوسُ يرجِعُ إلى صفاتِ العظمةِ، وإلى السلامةِ مِن العيوبِ والنَّقائصِ. كما أنَّ السَّلامَ يَدُلُّ على المعنى الثاني، فهو السالمُ مِن كلِّ عيبٍ وآفةٍ ونقصٍ.
ومجموعُ ما يُنزَّهُ عنهُ شيئانِ:
أحدُهُما: أنَّه مُنَزَّهٌ عَنْ كلِّ ما يُنافي صفاتِ الكمالِ، فإنَّ لَه المُنتهى في كلِّ صفةِ كمالٍ، فهو موصوفٌ بكمالِ العلمِ وكمالِ القدرةِ، مُنَزَّهٌ عَمَّا يُنافي ذلكَ من النسيانِ والغفلةِ، وأنْ يَعْزُبَ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ، ومُنَزَّهٌ عَن العجزِ والتعبِ والإعياءِ واللُّغوبِ، وموصوفٌ بكمالِ الحياةِ والقيُّوميَّةِ، ومُنَزَّهٌ عَن ضِدِّها من الموتِ والسِّنَةِ والنومِ، وموصوفٌ بالعدلِ والغِنى التامِّ، مُنَزَّهٌ عَن الظلمِ والحاجةِ إلى أحدٍ بوجهٍ مِن الوجوهِ، وموصوفٌ بكمالِ الحكمةِ والرحمةِ، مُنزَّهٌ عَمَّا يضادُّ ذلكَ مِن العَبَثِ والسَفَهِ، وأنْ يَفعلَ أو يَشْرَعَ ما يُنافي الحكمةَ والرحمةَ.
وهكذا جميعُ صفاتِهِ مُنَزَّهٌ عَن كلِّ ما يُنافِيها ويضادُّهَا.
الثاني: أنَّه مُنَزَّهٌ عَن مُماثلةِ أحدٍ مِن خلقِهِ، أو أنْ يكونَ لَه نِدٌّ بوجهٍ مِن الوجوهِ، فالمخلوقاتُ كلُّها وإنْ عَظُمَتْ وشَرُفَتْ وبَلَغَتِ المنتهى الذي يَليقُ بها مِن العظمةِ والكمالِ اللائقِ بها، فليسَ شيءٌ منها يقاربُ أو يُشابِهُ الباري، بلْ جميعُ أوصافِها تَضْمَحِلُّ إذا نُسِبَتْ إلى صفاتِ باريها وخالقِها، بلْ جميعُ ما فيها مِن المعاني والنُّعوتِ والكمالِ، هو الذي أعطَاهَا إيَّاها، فهو الذي خَلَقَ فيها العقولَ والسمعَ والأبصارَ والقِوى الظاهرةِ والباطنةِ، وهو الذي علَّمَها وألهمَها، وهو الذي نَمَّاها ظاهرًا وباطنًا وكمَّلها، قالتِ الرُّسلُ والملائكةُ: لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا [البقرة:32]
وفي الحديثِ القُدسيِّ يقولُ اللهُ -تعالى-: (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ..) إلى آخرِ الحديثِ.
فهو الـمُنَزَّهُ عَن كلِّ ما ينافي صفاتِ المجدِ والعظمةِ والكمالِ، وهو الـمُنزَّهُ عَن الضِدِّ والنِّدِّ والكفءِ والأمثالِ، وذلكَ داخلٌ في اسمِه القُدُّوسِ السَّلامِ.
ثم قالَ -رحمه الله-:
الـمُؤمِن:
الإيمانُ يرجعُ معناهُ إلى التصديقِ والاعترافِ، وما يقتضيهِ ذلكَ مِن الإرشادِ وتصديقِ الصادقينَ وإقامةِ البراهينِ على صدقِهم، فهو -تعالى- المؤمِنُ الذي هو كمَا أثنى على نفسِه، وما عَرَّفَهُ رُسُلَهُ وعبادَهُ مِن أسمائِه وصفاتِه، وآثارُ ذلكَ مما هوَ أعظمُ أوصافِ خيارِ الخلقِ مِن معرفتِه والإيمانِ بِه، هو شيءٌ يسيرٌ بالنسبةِ إلى ما لَهُ مِن الكمالِ المطلَقِ مِن كلِّ وجهٍ، فهو كما أثنى على نفسِهِ وفوقَ ما يُثني عليه عبادُه، وهو -تعالى- الذي صَدَّقَ رسلَهُ، وشَهِدَ بصدقِهم بقولِه وفعلِه وإقرارِه، حيثُ أخبرَهم عَن صدقِهِم، وفَعَلَ -تعالى- أفعالاً كثيرةً مِن معجزاتٍ وآياتٍ وخوارقَ كثيرةٍ وبراهينَ متنوعةً، تُعَرِّفُ العبادَ بصدقِهم وتشهدُ بالحقِّ الذي جاؤوا بِه، فكلُّ المطالِبِ والمسائلِ العظيمةِ لمْ يبقَ منها شيءٌ إلا أقامَ عليهِ مِن البراهينِ شيئًا كثيرًا.
وقالَ -تعالى-: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53]
فالإيمانُ الراجعُ إلى المعرفةِ والمحبةِ للهُ أحقُّ بِه وأولى بِه.
ولنقتصرْ على هذهِ الإشارةِ في هذا الـمَحلِّ العظيمِ في تفسيرِ المؤمنِ.
ثم قال رحمه الله:
الشهيدُ المهيمنُ المحيطُ.
الشيخ: إلى هنا بس [يكفي]، لا إله إلا الله، سبحان الله! المؤمنُ جاءَ في موضعٍ واحدٍ مِن القرآن اسمه "المؤمن" وله معنيان: المؤمن الـمُصدِّق يعني الـمُصدِّق للصادقين، وهو ما أشارَ إليه الشيخُ أنه مُصدِّقٌ لرسلِهِ صدَّق رسلَه بقولِه وفعلِهِ، بما أقامَ من الدلائل على صِدقِهم.
وهو المؤمنُ الذي منه الأَمْنُ، هو المؤمن منه الأَمْنُ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:4] فلا أمْنَ إلا منه كل ما يحصلُ للعباد من أمنٍ فهو المقدِّرُ له –سبحانه وتعالى- هو المؤمِن، فاسمه المؤمن من الإيمانِ، واسمه المؤمن مِن الأَمْنِ، وكلاهما هذا إيمانٌ بمعنى التصديق، وإيمانٌ بمعنى تحقيقِ الأمن.
القدوسُ السلامُ المؤمنُ: فاسمُه المؤمن يرجعُ معناه إلى هذينِ المعنيينِ، نعم والله اعلم.