(11) الحميد المجيد

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الحادي عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. اللهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرِين والمُستمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ بن ناصر السعدي -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَه فسيحَ جنَّاتِه- في كتابِه: "فتحُ الرحيمِ الملكِ العلَّام في علمِ العقائدِ والتوحيدِ والأخلاقِ والأحكامِ المُستنبطةِ من القرآن"، قال -رحمهُ اللهُ وغفرَ له-:
الحميدُ المجيدُ: الذي له جميعُ المحامدِ والمدائحِ كلِّها، وهي جميعُ صفاتِ الكمالِ.

– الشيخ: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، له الحمدُ كلُّه، له الحمدُ ملءَ السمواتِ وملء الارضِ وملء ما بينهما. يحمدُ نفسَه وتحمدُه الملائكةُ ويحمدُه؛ لأنَّه المحمودُ لكمالِ صفاتِه ونعوتِ جلالِه.
 
– القارئ:
فكلُّ صفةٍ من صفاتِه يُحمَدُ عليها، ويُحمَدُ على آثارِها ومُتعلّقاتِها، فيُحمَدُ على كلِّ تدبيرٍ دبّرهُ ويُدبّرُهُ في الكائناتِ، ويُحمَدُ على ما شرَعه من الشرائعِ وأحكمَه من الأحكامِ، ويُحمدُ على توفيقِه أولياءَه وعلى خذلانِه لأعدائِه.
– الشيخ: نعوذُ باللهِ من الخذلان.
– القارئ: كما يُحمدُ على إثابتِه للطائعينَ وعقوبتِه للعاصين، وله الحمدُ على ما تفضَّلَ به على العبادِ من النّعمِ والخيراتِ والبركاتِ التي لا يمكنُ العباد إحصاؤها، ويتعذرُ عليهم استقصاؤها. فحمدُه تعالى قد ملأَ العالمَ العلويَّ والسفلي، وله الحمدُ في الأولى والآخرةِ، وقد عمَّ حمدُه كلَّ ما يتقلَّبُ فيه العبادُ، لكونِ ذلك راجعًا إلى حكمتِه وعدلِه وفضلِه وإحسانِه، ووضعِه الأمورَ مواضعَها، وهو الحميدُ الذي يحمدُه أنبياؤهُ وأصفياؤهُ وخِيارُ خلقِه، وهو تعالى الحميدُ الذي يحمدُه العلماءُ على ما أنعمَ به عليهم، فمنه السببُ والمسبّبُ.
وأمَّا المجدُ فهو سعةُ الصفاتِ وعظمتُها، فالمجيدُ يرجعُ إلى عظمةِ أوصافِه وكثرتِها وسعتِها، وإلى عظمةِ مُلكِه وسلطانِه، وإلى تفرُّدِه بالكمالِ المطلقِ والجلالِ المُطلقِ والجمالِ المُطلقِ، الذي لا يمكن العباد أن يُحيطوا بشيءٍ من ذلك، فإذا جُمِعُ بين الحميدِ المجيدِ صارَ اسمُ الحميدِ أخصَّ بكثرةِ الأوصافِ وسعتِها، واسمُ المجيدِ أخصَّ بعظمتِها وتوحُّدِه بالمجدِ.
ثمَّ قال رحمهُ اللهُ: الحكيمُ: أي الموصوفُ بكمالِ الحكمةِ، وبكمالِ الحكمِ بين عبادِه. فالحكمةُ هي سعةُ العلمِ والاطلاعِ على مبادئِ الأمورِ وعواقبِها، وعلى سعةِ الحمدِ حيثُ يضعُ الأشياءَ مواضعَها ويُنزِّلها منازلَها، ولا يَتوجَّهُ إليه سؤالٌ ولا يَقدحُ في حكمتِه مقالٌ، فله الحكمةُ في خلقِه وأمرِه.
أمَّا الحكمةُ في خلقِه: فإنَّه خلقَ الخلقَ بالحقِّ، ومشتملًا على الحقّ، وكان غايتُه ونهايتُه الحقّ، خلقَها بأحسنِ نظامٍ، ورتَّبها بأكملِ إتقانٍ، وأعطى كلَّ مخلوقٍ خلقَه اللائقَ به، بل أعطى كلَّ جزءٍ من أجزاءِ المخلوقاتِ وكلَّ عضوٍ من أعضاءِ الحيواناتِ خِلْقَتَهُ وهيئتَه اللائقةُ به، بحيثُ لا يرى الخلقُ في خلقِ الرحمنِ تفاوتًا ولا فطورًا، ولا خللًا ولا نقصًا؛ بل لو اجتمعتْ عقولُ الخلقِ ليقترحوا مثلًا وأحسنَ من هذه الموجوداتِ لم يقدروا، وهذا أمرٌ معلومٌ قطعًا من العلمِ بصفاتِه، فإذا كان من المعلومِ لكلِّ منصفٍ مؤمنٍ أنَّ اللهَ له الكمالُ الذي لا يحيطُ به العبادُ، وأنَّه ما من كمالٍ تفرضُه الأذهانُ ويقدِّره المُقدِّرُونَ إلا واللهُ أعظمُ من ذلك وأجلُّ، كانت أفعالُه ومخلوقاتُه وجميعُ ما أوصلَه إلى الخلقِ أكملَ الأمورِ وأحسنَها، وأنظمَها وأتقنَها، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88].
فالفعلُ يتبعُ في كمالِه وحسنِه فاعلَه، والتدبيرُ منسوبٌ إلى مدبِّره، واللهُ تعالى كما لا يُشبهُه أحدٌ في صفاتِه في العظمةِ والحسنِ والجمالِ، فكذلك لا يُشبِههُ أحدٌ في أفعالِه. وقد تحدَّى عبادَه في مواضعَ كثيرةٍ من كتابِه، هل يجدونَ أو يشاهدونَ في مخلوقاتِه نقصًا وخللًا، ومن ادّعى شيئًا من ذلك بسفاهةِ عقلِه وعظمِ جراءَتِه؛ فقد نادى على عقلِه بين العقلاءِ بالحُمْقِ والجنون.
وأمَّا الحكمةُ في شرعِه وأمرِه، فإنَّه تعالى شرعَ الشرائعَ

– الشيخ: قف على هذا بس [يكفي]: شرعَ الشرائعَ. نعم يا محمّد.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة