(14) اللطيف

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الرّابع عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. اللهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ وللمُستمِعِين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ بن ناصرِ السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى وأسكنَه فسيحَ جِنانه- في كتابه "فتحُ الرحيم الملك العلام في علم التوحيد والعقائد والأخلاق والأحكام المُستنبطة من القرآن".
قال -رحمه الله-: اللَّطيفُ.

– الشيخ: اللَّطيفُ مِن أسماءِ الله التي وردتْ في مواضعَ، كثيراً ما يُذكَرُ مقروناً بالخبيرِ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [الحج:63] الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ [الشورى:19] لطيفٌ بالعباد.  اللُّطْفُ يتضمَّنُ: الرحمة، والإحسان، ويتضمَّن: كمالَ الخِبرة، ويدلُّ على الخبرةِ بألطفِ الأمورِ وأدقِّها.
 

– القارئ: اللَّطيفُ مِن أسمائِهِ الحُسنى لَهُ معنيانِ: أحدُهَما بمعنى الخبيرِ
– الشيخ: يعني: يدلُّ على العلمِ بالخَفايا والأشياءِ الدقيقةِ؛ لأنَّهُ جاءَ مقرونًا بالخبيرِ: إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
– القارئ: وهوَ أنَّ عِلمَهُ دَقَّ وَلَطُفَ حتى أدَرَكَ السَّرائرَ والضَّمائرَ والخَفيَّاتِ.
والمعنى الثاني: اللَّطيفُ الذي يُوصِلُ أولياءَهُ وعبادَهُ المؤمنينَ إلى الكراماتِ والخيراتِ بالطرقِ التي يعرفونَها والتي لا يعرفونَ، والتي يريدونَ وما لا يريدونَ، وبالذي يُحبُّونَ والذينَ يكرهونَ، فَيَلْطُفُ بأوليائِهِ، فيُيَسِّرُهُمْ لليُسرى، ويُجَنِّبُهُمُ العُسْرى، ويَلْطُفُ لهمْ فيُقدِّرُ أمورًا خارجيةً عاقبتُها تعودُ إلى مصالِحهم ومنافعِهم.
قالَ يوسفُ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ [يوسف: 100]، أي: حيثُ قَدَّرَ أمورًا كثيرةً خارجيةً عادتْ عاقبتُها الحميدةُ إلى يوسفَ وأبيهِ، وكانتْ في مبادئِها مكروهةً للنفوسِ ولكنْ صارتْ عواقبُها أَحْمَدَ العواقبِ، وفوائدُها أجلَّ الفوائدِ.
ثمَّ قالَ -رحمه الله-: الـمُبْدِئُ الـمُعِيْدُ:

– الشيخ: هوَ لطيفٌ بمنْ يشاءُ مِن العباد: مِن ذلكَ لُطْفُهُ بأوليائِه، لا شكَّ أنَّ حظَّ أوليائِهِ مِن لطفِهِ -تعالى- فوقَ ما لِسِواهُم، ولكن يظهرُ أنَّ اللُّطفَ أحيانًا يحصلُ على وجهٍ عامٍّ، مثل ما قالَ -سبحانه وتعالى-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [الحج:63] فاللَّطيفُ في هذا الموضِع يُحتَمَل أنَّ الـمُرادَ كمالُ العلمِ والاطلاع على الدقائقِ والخفياتِ، ويُحتمَل أنَّ المرادَ اللُّطف بالإحسانِ، لُطْفُ اللهِ بهم، اللهُ يَلْطُفُ بالعبادِ، لأنه ذَكَرَ هذين الاسمينِ بعدَ الامتنانِ بإنزالِ المطرِ، بإنزالِ الغيث: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
 

– القارئ: الـمُبْدِئُ الـمُعِيْدُ:
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ[الروم:27] وقالَ تعالى..

– الشيخ: الـمُبْدِئُ الذي بدأ الخلقَ -سبحانه وتعالى- بدأ الخلقَ وهو يُعيدُ الخلقَ، فهو الذي يُبدِئُ ويُعيد وشواهدُ هذا في القرآنِ عديدةٌ: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ [العنكبوت:20] وبَدْءُ الخلقِ يدلُّ على، قدرتُهُ على البَدْءِ تدلُّ على قدرتِه على الإعادةِ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [الروم:27]
 

– القارئ: وقالَ تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ [الأنبياء: 104]
فهوَ -تعالى- الذي ابتدأَ خَلْقَ المكلَّفينَ ثمَّ يُعيدُهُم بعدَ موتِهم، ابتدأَهُم؛ لِيبلوَهُم أيُّهُم أحسنُ عملاً، ولِيرسلَ إليهمُ الرسلَ، ويُنزلَ عليهمْ الكتبَ، ويأمرَهُم وينهاهُم، لمْ يخلقْهُم عَبثًا ولا سُدَى، ثمَّ إذا انقضتْ هذهِ الدارُ وظهرَ الأبرارُ مِن الفُجَّارِ، وتمـَّتْ هذهِ الأعمارُ، أعادَهم بعدَما أماتَهم؛ ليجزيَهم الثوابَ على إيمانِهم وطاعاتِهم، والعقابَ على كفرِهم وعصيانِهم جزاءً دائمًا بدوامِ اللهِ، وإعادةُ الخَلْقِ أهونُ عليهِ مِن ابتدائِه، وذلكَ كلُّهُ على اللهِ يسيرٌ.
وعمومُ ما دلَّ عليهِ هذانِ الاسمانِ الكريمانِ يَشمَلُ كلَّ إبداءٍ وإعادةٍ لهذهِ المخلوقاتِ، فالنَّاسُ في هذهِ الدارِ، في إبداءِ وإعادةِ في نومِهم ويقظتِهم، كلَّ يومٍ يُعادُونَ ويُبدأونَ.
وهذهِ الأرضُ كلَّ عامٍ في إبداءٍ وإعادةٍ، يُحييهَا بالماءِ والأمطارِ، ثمَّ يعودُ النبتُ هشيمًا والأخضرُ رميمًا، ثمَّ هكذا بعد ما دامُوا في هذهِ الدارِ رحمةً بهم ومتاعًا لهمْ ولأنعامِهم، وذلكَ كُلُّه تَابعٌ لحِكمتِهِ ورحمتِهِ.
ثم قال -رحمه الله-: الفَعَّال لما يريدُ:
وهذا مِن كمالِ قوتِهِ ونفوذِ قدرتِهِ، أنَّ كلَّ أمرٍ يُريدُهُ فَعَلَهُ، لا يَتعاصى عليهِ شيءٌ، ولا يُعارضُهُ أحدٌ، وليسَ لَه ظهيرٌ ولا عَوينٌ ولا مُسَاعِدٌ على أيِّ أمرٍ يكونُ، بلْ إذا أرادَ أمرًا قالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُوْنُ.
ومعَ أنَّه الفعَّالُ لِمَا يريدُ، فلا يريدُ إلا ما تقتضيهِ حكمتُه وحمدُه، فجميعُ أفعالِه تابعةٌ لحكمتِهِ، فهوَ الموصوفُ بالكمالِ مِن الجهتينِ، مِن جهةِ كمالِ القدرةِ ونفوذِ الإرادةِ، وأنَّ جميعَ الكائناتِ قدِ انقادتْ لمشيئتِهِ وإرادتِهِ. ومِنْ جهةِ الحكمة، فإنَّهُ الحكيمُ في كلِّ ما يَصدُرُ مِنْهُ مِن قولٍ وفعلٍ، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [هود:56]، أيْ: في أقوالِهِ وأفعالِهِ.
ثم قَالَ -رحمَه الله-: العَفوُّ الغفورُ، الغَفَّارُ التوَّابُ..

– الشيخ: إلى هنا يا شيخ .
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة