file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(16) العلي الأعلى

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس السّادس عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. اللهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرِين والمُستمعين. قالَ الشيخُ عبد الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى وأسكنَه فسيح جنانِه- في كتابه: "فتحُ الرحيمِ الملكِ العلَّام في علمِ العقائد والتوحيدِ والأخلاقِ والأحكامِ المُستنبطة من القرآن" قال -رحمه الله-: العليُّ الأعلى
– الشيخ: هذان اِسمَان لا اسمٌ واحدٌ، العليُّ جاءَ في آياتٍ كثيرة كما في آيةِ الكرسي: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، وجاءَ في مواضعَ كثيرة "العليُّ": وهو يدلُّ على أنَّه الموصوف بالعلوِّ بكلِّ معانيه: علوَّ الذَّاتِ والقهرِ والقدرِ.
وأهلُ السُّنَّةِ يُثبتُون للهِ العلوَّ بكلِّ معانِيه، وأمَّا أهلُ البِدَعِ "الجهمية والمعتزلة" فلا يُثبتون لله علوَّ الذاتِ لكن يُثبتون علوَّ القدرِ وعُلوَّ القهرِ، فالنِّزاعُ بينهم وبين أهلِ السنة في علوِّ الذات ومعناه أنَّه –تعالى- فوقَ كلِّ شيءٍ. واسمُه "الأعلى" يدلُّ على هذا، وأنَّه أعلى من كل شيءٍ، أعلى من كلِّ عالٍ: ذاتًا وقدْرًا وقهرًا.
 

– القارئ: العليُّ الأعلى:
أي الذي له العلوَّ المُطلقُ بجميع الوجوهِ والاعتباراتِ:
فهو العليُّ بذاته قد استوى على العرشِ، وعلَا على جميعِ الكائنات، وبايَنَها.
العليُّ بقدْره وهو علوُّ صفاته وعظمتُها، فإنَّ صفاته عظيمةٌ لا يُماثِلُها ولا يُقاربها صفةُ أحد، بل لا يَطيقُ العبادُ أن يُحيطوا بصفةٍ واحدةٍ منْ صفاتِه.
العليُّ بقهرِه: حيث قهرَ كلَّ شيء ودانَت له الكائناتُ بأسرِها، فجميعُ الخلقِ نواصِيهم بيدِه، فلا يتحرَّكُ منهم مُتحرِّكٌ، ولا يسكنُ ساكنٌ إلا بإذنِه، وما شاءَ كان وما لم يشأْ لم يكنْ.
والفرقُ بين العليِّ والأعلى: أنَّ العليَّ يدلُّ علىِ كثرة الصفاتِ ومُتعلِّقاتها وتنوُّعِها، والأعلَى يدلُّ على عظمَتِها.
ثم قالَ -رحمه الله-: الكبيرُ العظيم:

– الشيخ: الكبيرُ العظيم: جاء ذِكرُ هذين الاسمَين لكن لم يأتِيا مُقترنَين بل جاءَ "الكبيرُ والعظيمُ" مُقترنين بالعليِّ: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34] وقال: الْكَبِيرُ الْمُتَعَال [الرعد:9]، وجاءَ ذِكرُ العظيم مع العليِّ في مواضعَ: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] فهذانِ الاسمان يدلَّان على عظمتِه –تعالى- على أنَّه العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، فهذا الوجودُ بأسرِه كالخردلةِ إلى جانب عظمتِه كما جاءَ عن ابن عباس "ما السمواتُ والأرضون السبعُ في يدِ الله إلا كخردلةٍ في يدِ أحدِكم".
 

– القارئ: وهوَ الذي له الكبرياءُ نعتًا، والعظمةُ وصفًا.
قالَ –تعالى- في الحديثِ القدسي:
(الكبرياءُ رِدَائِي والعظمةُ إزارِي، فَمَنْ نازعَني شيئًا منهما عذَّبْتُه)
ومعاني الكبرياءِ والعظمةِ نوعان:
أحدُهما: يرجعُ إلى صفاته، وأنَّ له جميعَ معاني العظمةِ والجلالِ، كالقوةِ والعِزَّةِ، وكمالِ القدرةِ، وسعة العلمِ، وكمالِ المجدِ وغيرها من أوصافِ العظمةِ والكبرياء.
ومن عظمَتِه أنَّ السمواتِ والأرضَ جميعهما كخردلةٍ في كفِّ الرحمنِ كما قال ذلك ابنُ عباس، وقالَ -تعالى-: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً [فاطر:41]. فله –تعالى- العظمةُ والكبرياءُ الوصفَان اللذان لا يُقادِرُ قدْرَهما، ولا يبلغُ العبادُ كُنْهُهُما.
النوعُ الثاني: أنَّه لا يستحقُّ أحدٌ التعظيمَ والتكبيرَ والإجلالَ والتمجيدَ غيرُه، فيستحقُّ على العبادِ أن يُعظِّمُوه بقلوبهم وألسنتِهم وأعمالِهم، وذلك ببذلِ الجهدِ في معرفتِه ومحبتِه، والذُّلِّ له والخوفِ منه، وإعمالُ اللسانِ بذِكرِه والثناءِ عليه، وقيامِ الجوارح بشكرِه وعبوديَّتِه.
ومِنْ تعظيمِه أنْ يُطاعَ فلا يُعصَى، وأنْ يُذكر فلا يُنسى، ويُشكرَ فلا يُكفر. ومن تعظيمِه وإجلالِه أن يُخضع لأوامره وما شرعَه وحكمَ به، وأن لا يُعترض على شيءٍ من مخلوقاته، أو على شيءٍ من شرعِه. ومن تعظيمِه تعظيمُ ما عظَّمَه واحترمه من زمانٍ ومكانٍ وأشخاصٍ وأعمال.
والعبادةُ روحها تعظيمُ الباري وتكبيرُه، ولهذا شُرِعَت التكبيراتُ في الصلاةِ في افتتاحِها وتنقُّلاتِها، ليستحضرَ العبدُ معنى العظمة في هذه العبادةِ التي هي أجلُّ العباداتِ، وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء:111].
ثمَّ قالَ –رحمه الله-: الجليلُ الجميلُ:
أمَّا "الجليلُ": فهو الذي لَهُ معانِي الكبرياءِ والعظمةِ كما تقدّمَ التنبيهُ عليها.
وأمَّا "الجميلُ": فإنَّه جميلٌ بذاته، جميلٌ بأسمائِه، جميلٌ بصفاتِه، جميلٌ بأفعالِه. فأسماؤه كلُّها حُسنى وهي في غايةِ الحُسنِ والجمالِ، فلا يُسمَّى إلا بأحسنِ الأسماء، وإذا كان الاسمُ يحتملُ المدحَ وغيرُه لم يدخلْ في أسمائِه، كما يُعلَمُ من استقراء أسمائِه الحُسنى.
قالَ –تعالى-: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الأعراف:180]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65].
وذاتُه –تعالى- أكملُ الذواتِ، وأجملُ من كل شيءٍ، ولا يُمكنُ أن يُعَبَّرَ عن كُنهِ جمالِه، كما لا يُمكنُ التعبير عن كُنْهِ جلالِه، حتى إنَّ أهل الجنةِ مع ما هم فيه من النعيمِ الذي لا يُوصَفُ، والسرورُ والأفراحُ واللذَّاتُ التي لا يُقادَرُ قدرُها إذا رأوا ربَّهم وتمتَّعوا بجمالِه، نسُوا ما هم فيه من النعيمِ، وتلاشَى ما هُم فيهِ من الأفراحِ

– الشيخ: لا إلهَ إلَّا الله، لا إلهَ إلَّا الله، لا إلهَ إلَّا الله، سبحانَ الله وبحمده، سبحانَ الله!
– القارئ: وودُّوا أنْ لو تدومُ لهم هذه الحالُ التي هي أعلَى نعيمًا ولذَّةً، واكتسَوا من جمالِه جمالاً إلى ما هم فيه من الجمالِ، وكانت قلوبُهم دائمًا في شوقٍ عظيم ونزوعٍ شديدٍ إلى رؤيةِ ربِّهم، حتى إنَّهم ليفرحوا بيوم المزيدِ فرحًا تكادُ تطيرُ له القلوبُ، مع أنَّ هذه اللذةَ وإنْ كانت تبعًا لمعرفتِهم بربِّهم ومحبَّتِه والشوقِ إليه، ولكن عند رؤيةِ محبوبِهم ومُشاهدةِ جمالِه وجلالِه
– الشيخ: لا إلهَ إلَّا الله
– القارئ: تتضاعفُ اللذَّةُ وتقوى المعرفةُ والحبُّ.
وكذلكَ هوَ الجميلُ في صفاتِه، فإنَّها صفاتُ حمدٍ وثناءٍ ومدحٍ، فهيَ أوسعُ الصِّفاتِ وأعمُّها وأكثرها تعلُّقًا، خصوصًا أوصافُ الرحمةِ والبرِّ والإحسانِ والجودِ والكرم، فإنَّها من آثارِ جماله.
ولذلك كانت أفعالُه كلُّها جميلةٌ لأنَّها دائرةٌ بين أفعالِ البِرِّ والإحسان، التي يُحمَدُ عليها ويُثنى عليه ويُشكر عليها، وبين أفعالِ العدلِ التي يُحمَدُ عليها لموافقتها الحكمةَ والحمدَ.
فليسَ في أفعالِه عبثٌ ولا سفهٌ ولا ظُلمٌ، بل كلُّها هدىً ورحمةٌ وعدلٌ ورُشدٌ: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [هود:56]. فأفعاله كلُّها في غايةِ الحُسنِ والجمال، وشرعُه كلُّه رحمةٌ ونورٌ وهدىً وجمالٌ، وكلُّ جمالٍ في الدنيا وفي دارِ النعيمِ فإنَّه أثرٌ من آثارِ جمالِه.
وهو –تعالى- له المثلُ الأعلى، فمُعطي الجمالَ أحقُّ بالجمالِ، وكيف يقدرُ أحدٌ أن يُعبِّرَ عن جمالِه وقد قالَ أعرفُ الخلقِ به:
(لا نُحصي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثنيْتَ على نفسِك).
– الشيخ: انتهى، إلى هنا، نعم يا محمد .
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة