بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس السّابع عشر
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرِين والمُستمِعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ-: "فتحُ الرَّحيمِ الملكِ العلَّامِ في علمِ العقائدِ والتَّوحيدِ والأخلاقِ والأحكامِ المُستنبَطةِ مِن القرآنِ"، قالَ -رحمَهُ اللهُ-:
الحَكَمُ العدلُ
– الشيخ: الحكمُ العدلُ: وردَ أنَّهما من أسماءِ الله كما في حديث أبي شريحٍ وكان يُكنَّى أبا الحكم، فقالَ عليه الصلاة والسلام: (إنَّ اللهَ هوَ الحَكَمُ، وإليهِ الحُكْمُ، فما لكَ مِن الولدِ؟) الحديثُ المعروفُ، وذكرَ فقالَ: (أنتَ أبو شريحٍ) الحاصلُ أنَّ الحكمَ، والحكمُ معناهُ الحاكمُ وهو حكمٌ عدلٌ يعني: يحكمُ بالعدلِ سبحانه وتعالى هو أحكمُ الحاكمينَ وهو أعدلُ العادلينَ، وأحكامُه فيها الأحكامُ الشرعيَّةُ من بيانِ الحلالِ والحرامِ وما يجبُ ويُستحَبُّ، وفيها الأحكامُ الكونيَّةُ وهو ما يُقدِّرُه تعالى في هذا الوجود، فهذه أحكامٌ كونيَّةٌ تسمّيها أحكام كونيَّة. وما جاءتْ به الرسلُ ودعتْ إليه وما نزلتْ به الكتبُ أحكامٌ شرعيَّةٌ، واحكامٌ جزائيَّةٌ تكونُ يومَ القيامةِ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، هوَ تعالى الملكُ الحكمُ الَّذي لهُ الحكمُ في الدُّنيا والآخرةِ.
ففي هذهِ الدَّارِ لا يخرجُ الخلقُ عن أحكامِهِ القدريَّةِ، بل ما حكمَ بهِ قدَرًا نفذَ مِن غيرِ مانعٍ ولا مُنازِعٍ، وما شاءَ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ. ولا يخرجُ المكلَّفونَ عن أحكامِهِ الشَّرعيَّةِ الَّتي هيَ أحسنُ الأحكامِ، والَّتي هيَ صلاحُ الأمورِ وكمالِها، ولا يستقيمُ لهم دينٌ ورشدٌ إلَّا باتِّباعِ هذهِ الأحكامِ الَّتي شرعَها على ألسنةِ رسلِهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [الأنعام:114]
وفي الآخرةِ لا يحكمُ على العبادِ إلَّا هوَ، ولا يبقى لأحدٍ قولٌ ولا حكمٌ، حتَّى الشَّفاعاتُ كلُّها منطويةٌ تحتَ إرادتِهِ وإذنِهِ، ولا يشفعُ عندَهُ أحدٌ إلَّا إذا حكمَ بالشَّفاعةِ.
وهذهِ الأحكامُ كلُّها بالحكمةِ والعدلِ، فهوَ الحَكَمُ العدلُ الَّذي تمَّتْ كلماتُهُ صدقًا في الأخبارِ، وعدلاً في الأوامرِ والنَّواهي. فأوامرُهُ كلُّها عدلٌ لأنَّها منافعٌ ومصالحٌ، فهيَ عدلٌ ممزوجةٌ بالرَّحمةِ، ونواهيهُ كلُّها عدلٌ لكونِهِ لا ينهى إلَّا عن الشُّرورِ والأضرارِ. وهيَ أيضًا مقرونةٌ برحمتِهِ وحكمتِهِ، ومجازاتُهُ للعبادِ بأعمالِهم، عدلٌ لا يهضمُ أحدًا مِن حسناتِهِ، ولا يزيدُ في سيِّئاتِهم أو يعذِّبُهم بغيرِ جرمٍ اجترحُوهُ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء:15]
وحكمُهُ بينَ العبادِ كلُّهُ مربوطٌ بالعدلِ، فلا يمنعُ أحداً حقَّهُ، ولا يغفلُ عن الظَّالمينَ، ولا يضيعُ حقوقَ المظلومينَ، فعدلُهُ تعالى شاملٌ للخليقةِ كلِّها حتَّى الحيواناتِ غيرِ المكلَّفةِ فإنَّه يقتصُّ للشَّاةِ الجمَّاءِ مِن الشَّاةِ القرناءِ مِن كمالِ عدلِهِ.
ومِن كمالِ عدلِهِ: أنَّهُ أرسلَ الرُّسلَ مبشِّرينَ ومنذِرينَ لئلَّا يكونَ للنَّاسِ على اللهِ حجةٌ، ولئلَّا يقولُوا: ما جاءَنا مِن بشيرٍ ولا نذيرٍ، وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]
ومِن كمالِ عدلِهِ: أنَّهُ أعطى عبادَهُ الأسماعَ والأبصارَ والعقولَ والقدرةَ على أفعالِهم والإرادةَ، ومكَّنَهم مِن جميعِ ما يريدونَ ولم يجبرْهم على أفعالِهم.
فَعَدْلُهُ وحكمتُهُ ورحمتُهُ يبطلُ بها مذهبُ الجبريَّةِ، كما أنَّ كمالَ قدرتِهِ ومشيئتِهِ وشمولَها لكلِّ شيءٍ حتَّى أفعالُ العبادِ تُبطِلُ مذهبَ القدريَّةِ الَّذينَ يزعمونَ أنَّهم أهلُ العدلِ وهم في الحقيقةِ أهلُ الظُّلمِ.
فالحقُّ هوَ ما ذهبَ إليهِ أهلُ السُّنَّةِ، وهوَ ما دلَّتْ عليهِ البراهينُ العقليَّةُ والبراهينُ النَّقليَّةُ ودلَّتْ عليهِ أسماؤُهُ الحُسنى، كما نبَّهْنا عليهِ أنَّ أفعالَ العبادِ واقعةٌ تحتَ اختيارِهم وإراداتِهم خيرَها وشرَّها، ومعَ ذلكَ فلا خروجَ لها عن قضائِهِ وقدرِهِ.
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ: الفتَّاحُ
– الشيخ: اللهُ يفتحُ علينا، نعم يا محمَّد، غيره .