الرئيسية/شروحات الكتب/التبصرة في أصول الدين/(5) قوله “واحتج المخالف بقوله تعالى: {إنما يتذكر أولو الألباب}”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) قوله “واحتج المخالف بقوله تعالى: {إنما يتذكر أولو الألباب}”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (التَّبصرةُ في أصولِ الدِّينِ) لأبي الفرج الشّيرازي
الدِّرس: الخامس

***    ***    ***    ***
 

الشَّرع هو الطَّريق لمعرفة ترتّب الثّواب والعقاب [1] لم يكن عيسى نبيًّا وهو في المهد [2] نمو العقل بالتَّدرّج في الإنسان [3] كيفيَّة تعبّد النَّبي قبل البعثة [4] الحكمُ على الأطفال والمجانين بالإيمان أو الكفر [5] مراد المؤلّف في أنَّ معرفة الله تثبتُ بالشَّرع دون العقل [6]

 
  

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 الشَّرع هو الطَّريق لمعرفة ترتّب الثّواب والعقاب
- القارئ: بسمِ اللهِ الرحمن الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ؛ قالَ أبو الفرجِ الشيرازيّ -رحمه الله تعالى- في كتابه "التبصرةُ في أصولِ الدينِ" قالَ رحمه الله:
واحتجَّ المخالِفُ بقولِه تعالى: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ[الرعد:19] إلى غيرِ ذلكَ مِن الآياتِ.
والجواب هو أنَّ نقولُ أنّ لا نمنعُ أنْ يكونَ العاقلُ مُخاطَباً بالمعرفةِ، وإنَّما نـمنعُ أنْ تكونَ المعرفةُ وجبتْ بالعقلِ، ألا تَرى أنَّهُ لا يُخاطَبُ

- الشيخ: هذا كلامٌ حسنٌ في الجملةِ، هذا يتضمَّنُ أنَّ المعرفةَ تحصلُ بالعقلِ وتحصلُ بالشرعِ معَ اختلافِ درجةِ المعرفةِ، لكن الوجوبَ الذي يترتَّبُ عليه: الأجرُ بالفعلِ، والإثمِ بالتركِ، هذا طريقُ العلمِ به الشرعُ. فالوجوبُ والتحريمُ وترتُّبُ الثوابِ والعقابِ طريقُ معرفةِ ذلكَ هو الشَّرعُ.
فهذه الجملةُ مِن كلامِ المؤلِّفِ يبدو أنَّها فيها تَوسُّطٌ، يعني: الوجوبُ والتحريمُ والأحكامُ هذه طريقُ إثباتِها الشرعُ، وهذا لا ينفي أنَّ العقلَ طريقٌ للمعرفةِ.

- القارئ: ألا ترى أنَّهُ لا يُخاطَبُ بالصومِ والصلاةِ وغيرِ ذلكَ مِن العباداتِ إلا البالغُ العاقلُ، ثمَّ وجوبُ المعرفةِ بغيرِ ذلكَ.
واحتجَّ المخالِفُ بما رُوِيَ عَن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قالَ:
(لـمَّا خلقَ اللهُ العقلَ فقالَ لَه: أَقبِلْ، فأَقبلَ، ثمَّ قالَ لَه أدْبِرْ، فأدْبَرَ، ثمَّ قالَ لَه: وعِزَّتي وجَلالي ما خلقتُ خلقًا هو أحسنُ منكَ، لكَ الثوابُ، وعليكَ العقابُ).
والجوابُ: هو أنَّا نقولُ: أنَّا لا نمنعُ مِن ذلكَ، وأنَّ التكليفَ لا ينصرفُ إلا إلى العاقلِ، فيكونُ معنى الخبرِ أنَّ كلَ مَنْ ركَّبْتُ فيهِ العقلَ أُثِيْبُهُ على حسناتِهِ وأعاقبُهُ على سيئاتِهِ، ونحنُ على خلافِ هذا في وجوبِ المعرفةِ، ولم يذكرْهُ في الخبرِ.

- الشيخ: وهذا حديث لا [.....] يعني أجابَ مِن جهةِ المعنى، والحديثُ أصلاً لا يصحُّ. عندك تعليق عليه؟ أقول: شيخُ الإسلامِ ذكرَ هذا الحديثَ وَوَهَّنَهُ، وَبَيَّنَ أنَّه باطلٌ. عندك تعليق عليه؟
 

- القارئ: يقول: هو حديثٌ موضوعٌ، قالَهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ الجوزيِّ وابنُ تيميةَ وابنُ القيِّمِ وغيرُهم.
- الشيخ: هذا يستدلُّ بِه الفلاسفةُ أيضاً، يستدلُّونَ به على أنَّ أولَ مخلوقٍ هو العقلُ، أولُ ما خلقَ اللهُ العقلَ.
- القارئ: فإنْ قيلَ: فقدْ رُويَ في لفظٍ آخر: (بِكَ أُعْرَفُ وَبِكَ أُعْبَدُ).
قيلَ لَه: أنَّ هذينِ اللفظينِ لم يُحْفَظَا عَن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-

- الشيخ: كلّه لمْ يُحفظْ.
- القارئ: وإنَّما الخبرُ المشهورُ الذي تقدَّمَ ذِكرُهُ.
وإنْ صحَّ ما ذكرتمُوهُ فيكونُ معناهُ: إنَّما أُكلِّفُ العبادَ على مَنْ ركَّبْتُكَ فيهِ.
واحتجَّ المخالِفُ بأنَّ ابراهيمَ عليه السلام عرفَ رَبَّهُ بعقلِهِ؛ لأنَّهُ قالَ: فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[الأنعام:78-79]
والجوابُ هو أنْ نقولَ: لا حُجَّةَ للمعتزلةِ في ذلكَ؛ لأنَّ عندَهم كلُّ مَنْ لا يبلغُ لا عقلَ لَه، فتلكَ المعرفةُ لمْ تحصلْ بالعقلِ عندَهم، وأمَّا على أصلِنَا فلهمْ عقولٌ؛ لأنَّ الأنبياءَ مخصوصونَ مِن جملةِ الناسِ؛ لأنَّ اللهَ طبعَهم مؤمنينَ، ولهذا قالَ -تعالى في قصةِ عيسى عليه السلام: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا[مريم:30] وكانَ في المهدِ صبيّاً.
2 لم يكن عيسى نبيًّا وهو في المهد
- الشيخ: كل هذا الكلام يعني أقول: كلامٌ غيرُ مستقيمٍ، دعوى أنَّ الأنبياء أُوتوا ما عَرفوا مِن طفولتِهم هذا.. هذهِ آيةٌ خاصةٌ لعيسى لبراءةِ أُمِّهِ ولا يعني هذا أنّه أنطقَه اللهُ بما أنطقَه به وليسَ معناهُ أنه في ذلكَ الوقتِ صارَ نبياً وهو في المهدِ، لا، هو أنطقَه اللهُ بما سيؤولُ إليهِ أمرُه وأنه سيكونُ نبياً وأنه كذا وكذا وكذا، لا أنه صار نبياً وهو في المهدِ، وصار عِلمُ النبوةِ والوحي ينزلُ عليهِ وهو في المهدِ، بلْ أنطقَهُ كما أنطقَ آخرين وهمْ كصاحبِ جُريج وغيره وغيره. أعد الفقرة ذي الي هو قالها.
 
3 نمو العقل بالتَّدرّج في الإنسان
- القارئ: والجوابُ هو أنْ نقولَ: لا حُجَّةَ للمعتزلةِ في ذلكَ؛ لأنَّ عندَهم كلُّ مَنْ لا يبلغُ لا عقلَ لَه
- الشيخ: إي وهذا صحيح اللي ما بلغَ، أو قُلْ: اللّي لمْ يُمِيِّزْ، أمَّا مَنْ مَيَّزَ فعندَهُ قَدْرٌ مِن العقلِ؛ ولهذا نُسمِّيهِ مُمَيِّزٌ يُدْرِكُ، أمَّا مَنْ لمْ يُمِيِّزْ أصلاً هذا ما عنده عقلٌ، عندَه وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [النحل:78] ومعلومٌ أنَّ الأفئدةَ ركَّبَ الله فيهم أصلَها ومَحلَّها، لكن العقلَ يحصل في الإنسان شيئاً فشيئاً، بحسب.. حتى أنه ينمو عقلُه حتى بعدَ البلوغ، بعد البلوغ ينمو إدراكُه وعلمُه، أمَّا قبلَ التمييز فلا. لا يعلمُ شيئاً، ولهذا سُمِّيَ مُميِّزاً، والبلوغُ حَدٌّ يترتَّبُ عليه التكليفُ؛ لأنَّهُ بلغَ من الإدراكِ ما يقتضي تكليفَهُ.
 
4 كيفية تعبد النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة  
- القارئ: واحتجَّ الـمُخالِفُ بأنْ قالَ: ما تقولُ في النِّبي -صلى الله عليه وسلم- قبلَ نزولِ شرعِهِ عليهِ؟ هلْ كانَ عارفًا باللهِ أمْ غيرَ عارفٍ؟ فإنْ قلتُمْ أنَّه كانَ عارفاً، فإنَّ تلكَ المعرفةَ بالعقلِ لا محالةَ، وإنْ قلتُمْ أنه كانَ غيرَ عارفٍ، فكلُّ مَنْ ليسَ بعارفٍ، فهو كافرٌ لا محالةَ.
والجوابُ: هو أنَّنا نقولُ: أنه -صلى الله عليه وسلم- كانَ عارفاً باللهِ تعالى، ومعرفتُهُ كانتْ بالشرعِ؛ لأنَّهُ كانَ مُتَعَبِّدَاً بشريعةِ ابراهيمَ -عليهِ السلامُ- قبلَ نزولِ شرعِهِ عليه الصلاة والسلام.
فإنْ قيلَ: ما تقولونَ في الأطفالِ

- الشيخ: لا، لا، هذا ما هو مستقيم أبداً، يتعبَّدُ بموجِبِ الفِطَرِ ويَتَحَنَّثُ، التَّأَلُّهُ والتعبُّدُ فقط، ليسَ هو على، الله يقول: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ [الشورى:52] وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:3] وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى:7] هذا لا يستقيمُ هذا الكلام مع هذه الآيات، وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ [القصص:86]
لكن كونُ الله بَغَّضَ إليه الأوثانَ، ولمْ يكنْ على منهجِ قومِه في عبادةِ الأوثانِ، ولا في أكلِ الخبائثِ والمـُحَرَّمَات، هذا صيانةٌ مِن الله تعالى لَه، لا عَن علمٍ بالأحكامِ.
 
5 الحكم على الأطفال والمجانين بالإيمان أو الكفر
- القارئ: فإنْ قيلَ: ما تقولونَ في الأطفالِ والمجانين؟ هلْ همْ عارفونَ باللهِ؟ أمْ غيرُ عارفينَ باللهِ؟ لأنَّهم لا عقلَ لهمْ.
قيلَ لَه: أنَّ هذا يُوجِبُ أنْ يكونوا كفاراً؛ لأنَّ مَنْ ليسَ بعارفٍ باللهِ تعالى فهو كافرٌ بِه، وقدْ أجمعَ المسلمون على أنَّهم غيرُ كافرينَ معَ عدمِ عقولِهم، وجوابٌ آخر.

- الشيخ: غيرُ كافرين، مَنْ هم؟ مَن هم اللي غير كافرين؟
- القارئ: الأطفالُ والمجانين.
- الشيخ: الأطفالُ والمجانين ما لهمْ لا حكم لا بإيمانٍ ولا كفرٍ، هم تَبَعٌ لأهليهم: أطفالُ المسلمين محكومٌ لهم بالإسلامِ تبعاً، إسلاماً بالتَّبَعِ، وأولادُ الكفار كفارٌ بالتَّبَعِ، لا الكفر الذي يعاقَبُون عليه، لكن في أحكامِ الدنيا هم تَبَعٌ لأهليهِم، كلٌّ تَبَعُ أهلِه في الدنيا.
وفي الآخرة يحكمُ الله فيهم: المقرَّرُ أنَّ أولادَ المسلمين في الجنةِ إجمالاً، وأولادُ الكفار فيهمْ خلافٌ، قالَ فيهم الرسولُ:
(اللهُ أعلمُ بما كانوا عامِلِينَ).
- القارئ: وجوابٌ آخر: وهو أنَّ الصبيَّ يَصِحُّ عندنا إسلامُهُ وَرِدَّتُهُ
- الشيخ: الصبيُّ المميِّز، ولّا الطفلَ الي ما، ما لَه لا كفرٌ ولا إيمانٌ. 
- القارئ: وأمَّا في حالِ الطفوليةِ فهوَ تابِعٌ لأبويهِ
- الشيخ: تمام.
- القارئ: لأنَّ اللهَ تعالى قالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ[الطور:21] فجعلَ الطفلَ تبعاً لغيرِهِ. انتهى.
- الشيخ: انتهى بحثُه.
- القارئ: فصلٌ إذا قيلَ لكَ: ما الدليلُ على أنَّ اللهَ تعالى واحدٌ أحدٌ
- الشيخ: لا إله إلا الله، قفْ على هذا، بس [يكفي].
- القارئ: أحسن الله إليك، نقاش يا شيخ في هذا الفصل في قضيةِ المعرفةِ -معرفةُ الله عز وجل- وأنَّها ثبتتْ بالشرعِ دونَ العقلِ هل مرادُه -أحسن الله إليك- في المعرفةِ التفصيلية؟ أو المعرفة الإجمالية المُطلقة؟
6 مراد المؤلِّف في أنَّ معرفة الله تثبتُ بالشَّرع دون العقل
- الشيخ: لا، المعرفة الإجمالية التفصيلية سبقَ أنَّ العقلَ لا يستقلُّ بمعرفةِ اللهِ، وأنَّ معرفةَ بالشرعِ والعقلِ، ولكن أنَّ العقل لا يستقلُّ بمعرفة الله، وأنَّ المعرفة الحاصلة بالعقلِ معرفةٌ إجماليةٌ، وسبقَ التنبيهُ على أنَّ مِن صفاتِ اللهِ ما طريق العلمِ به العقلُ والشرعُ، ومنها ما طريقُ العلمِ به هو الشرعُ فقط، وهي ما يُقال له: الصفاتُ الخبريةُ التي طريقُ العلمِ بها هو الخبرُ والنقلُ: كالوجهِ، واليدينِ، وكالاستواءِ على العرشِ، والنزولِ إلى السماءِ الدنيا، صفاتٌ خبريةٌ. أنا قلتُ لكَ: لو بحثتَ يعني هذا المذهبَ يُعرَفُ لطائفة كذا
- القارئ: إي نعم قلتَ لي الدرس الماضي، لكني ما وجدتُ شيئاً، وشيخُ الإسلام -رحمه الله- في درءِ تعارضِ العقلِ والنقلِ في المجلدِ التاسعِ أيضاً ناقشَ المسألةَ هذه وذكرَ قولاً لـ..
- الشيخ: ذكرَ المسألة هذه؟
- القارئ: إي نعم، وذكرَ قولاً آخر أيضاً لابنِ أبي الشريفِ في شرحِ كتابِ الإرشادِ في الفقهِ، وهو مِن الحنابلةِ، وأيضاً قرَّرَ مثل هذه المسألة: أنَّها ثبتتْ بالشرعِ دونَ العقلِ، واستطردَ شيخُ الإسلام في شرحِ كلامِه وفي مناقشةِ بعضِ المسائل، لعلِّي إنْ شاء الله في الدرس القادم.
- الشيخ: لعلك تجيبه، ونستفيد، جزاك الله خيرُا.. نعم يا فهد. لكن ما سمَّى الطائفة التي تقولُ بذلك؟
- طالب: لا لا، ما سمَّى .

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله