بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (التَّبصرةُ في أصولِ الدِّينِ) لأبي الفرج الشّيرازي
الدِّرس: الحادي عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وآلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ: قالَ أبو الفرجِ الشِّيرازيّ رحمه الله تعالى في كتابه: "التبصرةُ في أصولِ الدِّينِ":
قالَ رحمَه الله: فإن احْتَجَّ الـمُخَالِفُ بقولِهِ تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف:17] أيْ: بـِمُصدِّقٍ لنا
– الشيخ: يعني: على أنَّ الإيمانَ هو التصديقُ يعني؟
– القارئ: نعم، لأنَّ أولَ الفصلِ قالَ: فصلٌ: وأنَّ الإيمانَ عملٌ وقولٌ ونيةٌ يزيدُ بالطاعةِ وينقصُ بالمعصيةِ، وقالَت الـمُعتزلةُ والأشعريةُ: هو الاعتقادُ بالقلبِ.
الفرق بين قول أهل السُّنَّة والفرق الضَّالَّة في الإيمان
الحاشية السفلية
↑1 | - الشيخ: لا، "المعتزلة" غلط، "الأشعريةُ": نعم، معروفٌ عن الأشعريِّ أنه يقولُ: الإيمانُ هو التصديقُ، أمَّا المعتزلة، لا. - القارئ: مثلَ قولِ الجهميةِ أحسنَ اللهُ إليك، أقول: مثلَ قولِ الجهميةِ، الأشاعرةُ؟ - الشيخ: إي، يُفرِّقُونَ بينَهم، فرقٌ دقيقٌ. - القارئ: والمعتزلةُ -أحسنَ اللهُ إليك- وأهلُ السنةِ الفرقُ بينَهم في؟ - الشيخ: في الزيادةِ والنقصِ. - القارئ: نعم وفي مرتكب الكبيرة -أحسنَ اللهُ إليك- هلْ يخرجُ مِن الإيمانِ أو لا؟ - الشيخ: إي، هو هو، هذا يتعلق بالزيادة والنقص. - القارئ: قال: فإن احْتَجَّ الـمُخَالِفُ بقولِهِ تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ[يوسف:17] أي: بـِمُصدِّقٍ لنا، وقولِهم: فلانٌ مؤمنٌ بعذابِ القبرِ أي: مُصدقٌ بِهِ، فسمَّى التصديقَ إيماناً، وعندَكُم ليسَ بإيمانٍ، والجوابُ عَنْهُ مِن وجوهٍ كثيرةٍ: أحدُها: أنَّ ما ذكرَهُ لا يتضمَّنُ غيرَ معنى التصديقِ، والإيمانُ الذي اختلفْنَا فيهِ يتضمَّنُ الأقوالَ والأفعالَ والاعتقادَ على ما قُلناهُ، ولهذا لمْ يكنِ التصديقُ بمُجرَّدِهِ إيماناً. وجوابٌ ثانٍ: هو أنَّهُ يُسمَّى البعضُ تسميةَ الكلِّ، ويجوزُ مثلُ ذلكَ في اللغةِ، والدليلُ عليهِ هو أنَّهم يُسمُّونَ الدعاءَ والاستغفارَ: "صلاةً"، ومنه قولُ الشاعرِ: عليكِ مثلُ الذي صليتِ فاغْتَمِضِي * * * نوماً فإنَّ لجَنْبِ المرءِ مُضطَجَعَاً أيْ: عليكِ مثلُ الذي دَعيتِ. ويُسمُّونَ الإمساكَ عَن الكلامِ: "صوماً"، ومنه قولُهُ تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا[مريم:26] أيْ: صمتًا. وجوابٌ ثالثٌ: وهو أنَّ ذلكَ مَجَازٌ، والحقيقةُ ما ذكرنَاهُ. واحتجَّ أيضًا بأنْ قالَ: حَدُّ الإيمانِ في اللغةِ عبارةٌ عَن: "التصديقِ"، فيجبُ حملُ الشريعةِ عليهِ لورودِ الشرعِ على مُطابقةِ اللغةِ. والجوابُ: هو أنَّا نقولُ: أنَّهُ لا يمتنعُ أنْ يكونَ للشيءِ حدٌّ في اللغةِ، ولا يجبُ حملِ الشريعةِ عليهِ، والدليلُ عليه: أنَّ حدَّ الحجِّ في اللغةِ عبارةٌ عَن "القصدِ"، كمَا قالَ الشاعرُ: وأشهدُ مِن عوفٍ حُلولاً كثيرةً * * * يحجُّونَ سِبَّ الزِّبرقانِ المُزَعْفَرَا أيْ: يَتَرَدَّدُونَ عليهِ في حوائجِهِم، والحجُّ في الشرعِ: عبارةٌ عَن أفعالٍ مخصوصةٍ. وكذلكَ أيضاً حَدُّ الصومِ |
---|---|
↑2 | المعاني الشَّرعيَّة لا تُباين المعاني اللغويَّة - الشيخ: الواقع أنَّ المعاني الشرعية لا تُباينُ المعاني اللغوية، بلْ تارةً -أو الغالبُ- تكونُ أخصَّ، المعنى الشرعيُّ أخصُّ مِن المعنى اللُّغوي: فالحجُّ: "قصدٌ"، لكن ليسَ هو مجردُ مُطْلَقُ القَصْدِ، الحجُّ إذا أردنا أن نُعَرِّفَهُ قلنا: "هو القصدُ إلى البيتِ الحرامِ والمشاعرِ العِظامِ. والصلاةُ تُطلَق في اللغةِ على الدعاءِ، "أُصَلِّي عليهِ"، لكن الصلاةُ الشرعيةُ لها كيفيةٌ خاصةٌ، فيها دعاءٌ، فيها أقوالٌ وأفعالٌ كثيرةٌ، مِن أولها إلى آخرِها أقوالٌ وأفعالٌ، ولهذا يقولون: "أقوالٌ وأفعالٌ مخصوصةٌ تُفْتَتَحُ بالتكبيرِ وتُخَتَمُ بالتسليمِ". والصومُ كما قالوا: الصومُ في اللغةِ: "الإمساكُ"، لكن في الشرعِ ليسَ هو، الإمساكُ عن الكلامِ ليسَ صوماً شرعياً، ولهذا لا يجوزُ التَّعَبُّدُ بالصمتِ، لكنه: "إمساكٌ عَن أشياءَ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، بنيةٍ"، وهكذا وهكذا. |
↑3 | الإيمانُ هو تصديق خاص فيما يُؤتمَنُ عليهِ الـمُخبر ومِن ذلكَ الإيمانُ، الإيمانُ في اللغةِ: "التصديقُ"، على ما في هذا مِن المناقشةِ، شيخُ الإسلامِ ناقشَ هذه القضيةَ مناقشةً دقيقةً وطويلةً، وانتهى إلى أنَّ الإيمانَ في اللغةِ: تصديقٌ خاصٌّ أيضاً، فإنَّما يُطلَقُ الإيمانُ على التصديقِ بالشيءِ الذي يُؤتمَنُ عليهِ الـمُخبِرُ، وهو أمرٌ خفيٌّ أو غيبيٌّ، فالذي -مثلاً- صدَّقَ بطلوعِ الشمسِ لا يُقالُ: "آمنَ بطلوعِ الشمسِ"، ففيهِ معنى الارتباطِ بمعنى الأمنِ، وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف:17] فخبرُ إخوةِ يوسفَ عَن أكلِ الذئبِ لَه -بزعمِهم- خبرٌ هُم مُؤْتَمَنُونَ عليهِ، وليسَ للمُخْبَرِ طريقٌ إلى معرفةِ الحقيقةِ والواقعِ. - القارئ: وكذلكَ أيضاً حَدُّ الصومِ في اللغةِ: عبارةٌ عَن "الإمساكِ"، ومنه قولُهم: "صامَ النهارُ". إذا اعتدلَ زمانُهُ بحيثُ لمْ يزدَدْ ولمْ ينقُصْ، و"صامَ الجوادُ": أيْ وقفَ - الشيخ: الجوادُ؟ - القارئ: نعم - الشيخ: إي، "خيلٌ صيامٌ وخيلٌ.."، إلى آخره. - القارئ: أيْ: "وقفَ" مثلَ ذلك، ومنه قولُ الشاعرِ: خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ .... تحتَ العجاجِ وأخرى تَعْلُكُ اللَّجُمَا - الشيخ: إي، مشهور هذا. - القارئ: والصومُ في الشرعِ: عبارةٌ عَن الإمساكِ عن الطعامِ والشرابِ وغيرِهِ. وجوابٌ آخرُ: وهو أنَّ الشريعةَ أقرَّتْ حدودَ اللغةِ فزادَتْ عليها، وما ذهبُوا إليهِ يُفْضِي إلى إسقاطِ الشريعةِ وإقرارِ اللغةِ. وقدْ احتَجَّ المُخالِفُ أيضاً بأنْ قالَ: ما تقولونَ في رجلٍ آمنَ باللهِ ثمَّ ماتَ عَقِيْبَهُ، هلْ يكونُ ذلكَ مؤمناً أم لا؟ والجوابُ: أنَّا نقولُ: يُسمَّى مسلماً ولا يُسمَّى مؤمناً، على ما نُبَيِّنُهُ فيما بعدُ إنْ شاءَ الله تعالى. ولأنَّ الإسلامَ عبارةٌ عَن الدخولِ في الملةِ، وقدْ دخلَ في التوحيدِ في الملةِ، والإيمانُ: عبارةٌ عن أفعالِ جميعِ الطاعاتِ وتركِ جميعِ المنهياتِ. |
↑4 | معنى قول أهل السُّنَّة أنَّ اسم الإيمان يشملُ جميع الطّاعات - الشيخ: الإيمانُ اسمٌ لجميعِ الطاعاتِ، هذا يشبهُ، العبارة -ما نقول: أنه مقصودُه- العبارةُ كأنَّها تُوافقُ مذهبَ المعتزلةِ أنه لا يكونُ الإنسانُ مؤمناً حتى يفعلَ جميعَ الطاعاتِ ويتركَ جميعَ المنهياتِ. فنحنُ نقولُ: نعم اسمُ الإيمانِ يشملُ جميعَ الطاعاتِ، على حدِّ قولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ شعبةً) كلُّها، "لا إله إلا الله" أصلُ الإيمانِ، وإماطةُ الأذى عَن الطريقِ من الإيمانِ، والصلاةُ من الإيمان، والصيامُ من الإيمان، لكن ما نقولُ: إيمانُ العبد لا يكونُ، لا يكونُ الإنسانُ مؤمناً حتى يفعلَ جميعَ الطاعاتِ ويتركَ جميعَ السيئاتِ، هذا ما ليسَ بمستقيم. - القارئ: فإنْ قيلَ: فعندكُم تاركُ الصلاةِ يكفرُ، وهذا لم يُصلِّ؟ والجوابُ: هو أنَّ تاركَ الصلاةِ بغيرِ عذرٍ يكفرُ وهذا معذورٌ؛ لأنَّهُ لم يُفسَحْ لَهُ في المدةِ حتى يُصلِّي حتى يكونَ كافراً. انتهى. فصلٌ: الإسلامُ غيرُ الإيمانِ. - الشيخ: إي خلّك [توقّف] عنده، الله المستعان. |