بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (التَّبصرةُ في أصولِ الدِّينِ) لأبي الفرج الشّيرازي
الدِّرس: الثّاني عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وآلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ: قالَ أبو الفرجِ الشيرازيُّ رحمه الله تعالى في كتابِهِ "التبصرةُ في أصولِ الدينِ":
الحاشية السفلية
↑1 | الفرق بين الإسلام والإيمان قالَ رحمه الله تعالى: فصلٌ: الإسلامُ غيرُ الإيمانِ، والإيمانُ أكملُ مِن الإسلامِ، فكلُّ مؤمنٍ مسلمٌ، وليسَ كلُّ مسلمٍ مؤمناً. - الشيخ: هذه مسألةٌ -أيضاً- من مسائلَ التي اخْتُلِفَ فيها: مسألةُ الإسلامِ والإيمانِ، هلْ هما شيءٌ واحدٌ فالإسلامُ هو الإيمانُ، والإيمانُ هو الإسلامُ؟ ولكلٍّ مُتَعَلَّق وشبهةٌ. والقولُ الفصلُ في هذا: أنَّهما إذا ذُكِرَا معاً فلا بُدَّ مِن التفريقِ بينَهما، وإذا أُطلِقَا: فإنَّ كلاً منهما يدخلُ في الآخرِ، هذا ما يدلُّ عليهِ القرآنُ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] والرسولُ لَمَّا سُئِلَ عَن الإسلامِ والإيمانِ فَرَّقَ بينَهما، أمَّا إذا أُطلِقَ الإيمانُ فإنَّهُ اسمٌ للدينِ كلِّهِ، (الإيمانُ بِضْعٌ وستونَ شُعبةً) دخلَ فيها كلُّ الشرائعِ العَمليةِ والعِلميةِ والاعتقاديةِ، فإذا اجتمعَا افْتَرَقَا وإذا افْتَرَقَا اتَّحَدَا، اتحدَ كلٌّ منهما. |
---|---|
↑2 | الفرق بين النُّبوَّة والرّسالة - القارئ: كالرسالةِ والنبوةِ، فكلُّ رسولٍ نبيٌّ، وليسَ كلُّ نبيٍّ رسولاً. - الشيخ: "النبوةُ والرسالةُ، كلُّ رسولٍ نبيٌّ، النبوةُ والرسالةُ"، يعني هذا أيضاً، يعني الألفاظُ تختلفُ بالإطلاقِ والتقييدِ، فَبَيْنَ النبوةِ والرسالةِ عمومٌ وخصوصٌ، فالرسالةُ تتضمَّنُ النبوةَ فكلُّ رسولٍ هو نبيٌّ، لا يكونُ هناك رسولٌ وليسَ بِنَبيٍّ، فكلُّ رسولٍ نبيٌّ وليسَ كلُّ نبيٍّ رسولاً، هذا في الجملة. الرسالةُ إذا فَرَّقْنَا بينَ معنى الرسولِ. وإلَّا فقدْ وُصِفَ الأنبياءُ بالرسالةِ أيضاً، فأنبياءُ بني إسرائيل وُصِفُوا بأنَّهم رُسُلٌ، فهناك الإرسالُ الخاصُّ هذا يُوجِبُ التفريقَ يُقَالُ: أنبياء ورسل، وفي [هناك] إرسال عام يشمَلُ. |
↑3 | خطأ التَّعريف الشَّائع للنَّبيّ بأنّه "لم يُؤمر بالتَّبليغ" ولهذا نقولُ: إن تعريف النبيِّ بأنّه: "مَنْ أُوحِيَ إليهِ بشرعٍ ولمْ يُؤمَرْ بتبليغِهِ"، إنَّ هذا التعريفَ غيرُ بمستقيمٍ، غيرُ مستقيمٍ، بلْ كلُّ نبيٍّ هو مأمورٌ بالتبليغِ والدعوةِ والحكمِ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ [المائدة:44] وهكذا. واستُدِلَّ على أنَّ النبيَّ يُقالُ له: رسولٌ، بشواهدَ كثيرةٍ في القرآن لكن منها: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ [الحج:52] فأضافَ الرسالةَ وأثبتَ الرسالةَ للنبيِّ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ هذا بالإرسالِ الخاصِّ، وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَا هذا هو الإرسالُ الذي يشمَلُ الرسلَ ويشمَلُ النبيَّ. ولهذا نجدُ في الآياتِ التي تُخبِرُ عن بني إسرائيل تارةً يُذكرونَ بصفةِ الرسالةِ، الذين أخبرَ اللهُ عَن قَتْلِ اليهودِ أو للنَّبيين أو الأنبياءِ الرسلِ: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة:87] فسمَّاهُم رُسُلاً. |
↑4 | وجه قول الأشعريَّة بأنَّ الإسلام أكملُ مِن الإيمان - القارئ: وقالَتِ الأشعريةُ: الإسلامُ أكملُ مِن الإيمانِ. - الشيخ: سبحانَ الله! سبحان الله! لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. - القارئ: هذا مبنيٌّ على قولِهم في الإيمانِ أحسن الله إليك؟ - الشيخ: إي، أنَّ الإيمانَ هو التصديقُ؟ - القارئ: إي نعم. - الشيخ: هذا صحيحٌ، يعني الإسلامُ أعمالٌ ظاهرةٌ فيصير أكمَل، لأنَّهُ ما يتحقَّقُ التصديقُ، كأنَّ الإسلامَ هو الذي يتضمَّنُ الشعائرَ، أينَ هُم مِن قولِهِ: (الإيمانُ بِضْعٌ وستونَ شُعبةً) شاملٌ لكلِّ الشرائعِ. |
↑5 | نفيُ الإيمان عن الأعراب نفيٌ لكمالهِ، لا لأصلهِ - القارئ: دليلُنَا قولَهُ تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا[الحجرات:14] واللهُ تعالى نفَى عنهم الإيمانَ وأثبتَ لهم اسمَ الإسلامِ، فلو كانَ الإسلامُ هو الإيمانُ لمْ يُنْفَ عنْهم. دليلٌ ثانٍ: قولُهُ تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] فاللهُ تعالى - الشيخ: قوله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ليسَ هذا نفياً لأصلِ الإيمانِ، بل هو نفيٌ للإيمانِ الكاملِ؛ لأنَّهم ادَّعَوا: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ليسَ نفياً لأصلِهِ، لكنه نفيٌ لما ادَّعوه مِن كمالِ الإيمانِ، ولهذا قالَ بعدَها: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ [الحجرات:17] بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ - القارئ: دليلٌ ثانٍ: قولُهُ تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35] فاللهُ تعالى فرَّق بينَ المسلمينَ والمؤمنين، فَدَلَّ على أنَّ المسلمينَ غيرُ المؤمنينَ، فلو كانَ الإسلامُ هو الإيمانُ لكانَ قد عطفَ الشيءَ على نفسِهِ - الشيخ: حقٌّ. - القارئ: دليلٌ ثالثٌ: ما رُويَ عَن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّهُ قالَ لوفدِ عبدِ القيسِ: (أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ) قَالُوا: "اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ"، فذكرَ لهمْ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خصالَ الإيمانِ، ثمَّ قالَ لهمْ: (أَتَدْرُونَ مَا الإسلامُ؟) قَالُوا: "اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ"، فذكرَ لهم خصالَ الإسلامِ. ففرَّقَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بينَ الإسلامِ والإيمانِ - الشيخ: هذا غريبٌ! ما أعلمُ أنا، ما أذكرُ أنه سألَهم عَن الإسلامِ، إنَّما سألهم عَن الإيمانِ وفسَّره لهمْ بشرائعِ الإسلامِ، وهذا ممَّا يُستَدَلُّ به على أنَّ الإيمانَ يشمَلُ شرائعَ الإسلامِ، (أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيْمُوا الصَّلاَةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وتُؤَدُّوا الخُمُسَ) هذا معنى ما جاءَ، ولا أذكرُ أنه سألَهم عَن الإسلامِ، الذي فيهِ السؤالُ عَن الإسلامِ والإيمانِ: حديثُ جبريلَ. عندكَ شيء فيه؟ - القارئ: المحققُ يقولُ: أخرجَهُ البخاريُّ ومسلم مِن حديثِ ابن عباس. - الشيخ: صح، حديثُ وفدِ عبدِ القيسِ صحيحٌ في البخاري ومسلم. - القارئ: لكن السؤال عَن الإسلامِ. - الشيخ: لكن ما فيهِ سؤالهم عَن الإسلامِ، ما أعلمُ، راجع فيهِ وقلْ لي. - القارئ: ففرَّقَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بينَ الإسلامِ والإيمانِ - الشيخ: هذا هو فَرَّقَ بينَهُما في حديثِ جبريلَ، بس. - القارئ: سيأتي الآن. فدلَّ على أنَّ الإسلامَ غيرُ الإيمانِ. كذلكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَمَّا سألَهُ جبريلُ عَن الإيمانِ والإسلامِ ففرَّقَ بينَهُما. - الشيخ: حَقٌّ. - القارئ: دليلٌ رابعٌ: ما رُويَ عَن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّهُ أَعْطَى رجلاً ولمْ يعطِ رجلاً فقالَ لَهُ الصحابةُ: يا رسولَ اللهِ: أعطيتَ فلاناً ولمْ تُعطِ فلاناً وهو مؤمنٌ، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (أو مسلمٌ) وكرَّرَ ذلكَ ثلاثاً. فدلَّ على أنَّ الإيمانَ أكملُ مِن الإسلامِ. دليلٌ خامسٌ: ما رُوي عَن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنه قالَ: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّي رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجٍّ البَيْتِ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الإيمانِ: (الْإِيمَانُ بِضْعةٌ وسِبعونَ خصلةً، أَعْلَاهَا: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) فأخبرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّ الإسلامَ خمسُ دعائمَ وأنَّ الإيمانَ بضعٌ وسبعونَ خصلةً أَعْلَاهَا: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ولا شكَّ أنَّ البضْعَ وسبعونَ أكملُ من الخمسِ. |
↑6 | شُعَب الإيمان كلُّها أيضًا مِن الإسلام إذا أفرد - الشيخ: يعني ما أشوف في هذا شيء، الحديثُ هذا مُنْفَصِلٌ عن هذا، حديثُ: (الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ) كلّها من شُعَبِ الإيمانِ والإسلامِ كلُّها، كلُّها مِن شُعَبِ الإسلامِ والإيمانِ، كلُّها مِن الإسلامِ، وكلُّها مِن الإيمانِ فحديثُ: (الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً) هو مِن أحاديثِ التي ذُكِرَ فيها الإيمانُ مُفرداً فيندرجُ فيها الإسلامِ، فالإسلامُ مُنْدَرِجٌ في مفهومِ الإيمانِ في هذا الحديثِ. وحديثُ: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ) نصٌّ على المباني مباني الدينِ الخمسةِ الظاهرةِ، فالدِّين منه أمورٌ اعتقاديةٌ باطنةٌ، ومنها أمورٌ ظاهرةٌ، فمباني الإسلامِ هي أصولُ الإسلامِ الظاهرةِ، أصولُ الدينِ الظاهرةِ، والأصولُ الستةُ: الإيمانُ باللهِ، وملائكتِهِ.. هي أصولُ الدِّينِ الباطنةِ، فتلكَ اعتقاديةٌ، وهذهِ عمليةٌ. |
↑7 | الدّخولُ في الـمِلَّةِ إسلامٌ وإيمانٌ - القارئ: دليلٌ سادسٌ: أنَّ الإسلامَ عبارةٌ عَن الدُّخولِ في الـمِلَّةِ، وأنَّ الإيمانَ عبارةٌ عَن جميعِ الطاعاتِ فكانَ أكملَ منه - الشيخ: ما هو بشيء، أقولُ: هذا ما هو مستقيم، الإسلامُ، الدخولُ في الـمِلَّةِ إسلامٌ وإيمانٌ، ويُطلَقُ الإسلامُ على شرائعِ الإسلامِ بعدَ ذلك، يقولُ سبحانه تعالى: الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِين * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [لقمان:1-4] وقال: هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [النمل:3،2] فهذهِ المعاني إذا أُفْرِدَتْ اندرجَ بعضُها في بعضٍ. - القارئ: واحتجَّ الـمُخَالِفُ - الشيخ: خلّك عنده بس [توقف هنا]. الله المستعان، لا إله إلا الله، راجعْ إن كان له أصل كلامُهُ عَن وفدِ عبدِ القيسِ. - القارئ: أبشر . |