بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (التَّبصرةُ في أصولِ الدِّينِ) لأبي الفرج الشّيرازي
الدِّرس: الثّالث عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ قالَ أبو الفرجِ الشِّيرازيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "التَّبصرةِ في أصولِ الدِّينِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:
واحتجَّ المخالفُ -وكانَ قالَ قبلَ ذلكَ اللهُ يحسنُ إليكَ: فصلٌ؛ الإسلامُ غيرُ الإيمانِ، والإيمانُ أكملُ مِن الإسلامِ، ثمَّ قالَ بعدَ ذلكَ: وقالَتِ الأشعريَّةُ: الإسلامُ أكملُ مِن الإيمانِ.
– الشيخ: سبحان الله، نعم واحتجُّوا
– القارئ: نعم ثمَّ ذكرَ دليلَهم، قالَ:
واحتجَّ المخالفُ بأنْ قالَ الإيمانُ خصلةٌ مِن خصالِ الإيمانِ، وذلكَ لأنَّ الإسلامَ في اللُّغةِ عبارةٌ عن الانقيادِ، ومنهُ قولُهُ تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [لقمان:22] فمعناهُ: ومَن انقادَ لطاعتِهِ للهِ وهوَ محسنٌ، وكذلكَ قولُهُ تعالى: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا [آل عمران:20]
والجوابُ: وهوَ أنَّنا نقولُ: لا نُسلِّمُ أنَّ الإيمانَ خصلةٌ مِن الإسلامِ، بل الإسلامُ خصلةٌ مِن الإيمانِ
الإسلام والإيمان في الإفرادِ والاقترانِ
الحاشية السفلية
↑1 | - الشيخ: الصوابُ أنَّ كلَّاً منهما خصلةٌ من الآخر، الإيمانُ هو من الإسلام بل هو أصلُ الإسلامِ، والإسلامُ كما هو معروفٌ من مجموعِ النصوصِ الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً كلُّ هذه الشُّعبِ هي من الإيمان، وهي من الإسلام، لكن عندَ إذا اجتمعَ الاسمان كانَ الإسلامُ [ملحوظة: مقصود الشيخ الإيمان] أخصُّ بأحوالِ الباطنِ وبالتصديقِ، والإسلامُ أخصُّ بالأمورِ الظاهرةِ، كما يدلُّ عليه حديثُ جبريل، ونجدُ أنَّ القرآنَ يدلُّ على هذا، هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [النمل:2-3] هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [لقمان:3-4] فالاسمُ يختلفُ معناه في الإفرادِ والاقترانِ كما قالوا، وهذا كثيرٌ، كما قالوا في الفقيرِ والمسكينِ والتقوى والبرِّ، التقوى إذا أُطلِقَتْ دخلَ فيها كلُّ عملٍ صالحٍ، شاملةٌ للأعمال الصالحة وتركِ السيِّئاتِ كلّها، والبرُّ إذا أُطلِقَ كذلك، فإذا اجتمعَا كان هذا كان التقوى أخصّ بالترك والبرّ أخصّ بالفعل، بفعلِ الصالحاتِ. - القارئ: والجوابُ هوَ أنَّا نقولُ: لا نُسلِّمُ أنَّ الإيمانَ خصلةٌ مِن الإيمانِ، بل الإسلامُ خصلةٌ مِن الإيمانِ بدليلِ الَّتي تقدَّمَ ذكرُها ما قبلَها، وأمَّا الآيةُ - الشيخ: بدليلِ الَّتي - القارئ: كذا أحسنَ اللهُ إليكَ، بدليلِ الَّتي تقدَّمَ ذكرُها ما قبلَها، قالَ المحقِّقُ: هكذا في الأصلِ ولا يخفى ما فيها - الشيخ: ... بدليلِ ما تقدَّمَ - القارئ: وأمَّا الآيةُ الَّتي ذكرَ فهيَ حجَّةٌ عليهِ؛ لأنَّهُ قالَ: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ والمحسنُ هوَ المؤمنُ فلو كانَ الإسلامُ أكملُ مِن الإيمانِ لما قالَ: "وهوَ محسنٌ" لأنَّ عندَ مخالفِنا أنَّ الإسلامَ أكملُ المنازلِ، والإيمانُ والإحسانُ بعضُهُ، فكانَ يجبُ أنْ يُعنَى بذكرِ الأفضلِ والأكملِ عن ضمِّ الأنقصِ الدَّاخلِ فيهِ إليهِ، فلمَّا قرنَهُ بالإحسانِ دلَّ على أنَّهُ ثَمَّ نقصٌ كمَّلَهُ الإحسانُ، وأمَّا الآيتانِ الباقيتانِ فلا حجَّةَ فيهما. واحتجَّ المخالفُ بقولِهِ تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا إلى قولِهِ: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ[الحجرات:14] فأخبرَ الباري أنَّ الإيمانَ مِن صفاتِ القلبِ، والجوابُ أنَّا نقولُ: إنَّ الآيةَ حجَّةٌ على المخالفِ مِن كلِّ وجهٍ، أحدُها: أنَّهُ فرَّقَ بينَ الإسلامِ والإيمانِ، وأثبتَ لهم الإسلامَ ولم يثبتْ لهم الإيمانَ، والثَّاني: أنَّهُ قالَ: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وعندَ المخالفِ أنَّ الإسلامَ لا يصحُّ إلَّا بعدَ تقدُّمِ الإيمانِ عليهِ الَّذي هوَ التَّصديقُ والمعرفةُ بالقلبِ، فقد دخلَ عندَهُ الإيمانُ في قلوبِهم؛ لأنَّهُ حكمٌ بالإسلامِ، فدلَّ على فسادِ ما قالُوهُ. واحتجَّ أيضاً بقولِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ..) وتفريقِ جبريلَ -عليهِ السَّلامُ- بينَ الإسلامِ والإيمانِ، والجوابُ هوَ: أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وصفَ الإسلامَ بأنَّهُ ذو دعائمَ ووصفَ الإيمانَ بأنَّهُ بضعٌ وسبعونَ خصلةً، ولا شكَّ ولا خفاءَ أنَّ البضعَ وسبعونَ أكملُ مِن الخمسِ |
---|---|
↑2 | الإيمانُ في القلبِ والإسلامُ علانيّة - الشيخ: يعني ليش [لماذا] يعدلُ عنه؟ حديث جبريل يعني لما أرادَ يذكرُ المقابلَ راح للحديث البعيدِ، ذكر أنَّ دعائمَ الإسلام خمسٌ وأصولُ الإيمانِ ستةٌ، لكن تلك عمليَّةٌ، خصالُ الإسلامِ ودعائمُه ظاهرةٌ، وأصولُ الإيمانِ هي من أحوالِ القلوبِ، الإيمانُ الَّذي هو التصديقُ واليقين، كلُّ ذلك من شأنِ القلبِ، الرسولُ فسَّرَ بأمورٍ ظاهرةٍ والإيمان بالأمورِ الباطنةِ، ولهذا نقولُ: إنَّ الإسلامَ كما يذكرون حديث أنَّ الإيمان في القلب والإسلامَ علانيةً، يعني: شرائعُ الإسلامِ ظاهرةٌ، ومعاني الإيمان وأصولُ الإيمانِ باطنةٌ، وأمَّا الإيمانُ له اسمٌ عامٌّ يدخل في كلِّ شيءٍ، الإيمانُ بضعٌ وسبعون...، تارةً يدخل فيه الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، والأقوال والأفعال كلّها، بضعٌ وستون شعبةً. - القارئ: والجوابُ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وصفَ الإسلامَ بأنَّهُ ذو دعائمَ ووصفَ الإيمانَ بأنَّهُ بضعٌ وسبعونَ خصلةً، ولا شكَّ ولا خفاءَ أنَّ البضعَ وسبعينَ أكملُ مِن الخمسِ. وأمَّا تفرقةُ جبريلَ -عليهِ السَّلامُ- - الشيخ: تلاحظ طريقة أنَّه يعني لمّا أرادَ [....] كان المفروضُ أن يذكرَ ما جاءَ في حديث جبريل، ما يعدل إلى حديثٍ بعيدٍ عن الموضوع، لما قالَ: إنَّ الرسولَ فسَّرَ الإسلامَ بأمورٍ خمسةٍ أو بدعائمَ خمسةٍ كان المفروضُ أن يذكرَ ما قاله الرسولُ في حديث جبريل، لماذا يذهبُ هناك؟ حديث يعني ليسَ هو في الموضوعِ. - القارئ: وأمَّا تفرقةُ جبريلَ -عليهِ السَّلامُ- حجَّةٌ عليهم؛ لأنَّ عندَهم أنَّ الإيمانَ خصلةٌ مِن الإسلامِ فكانَ يجبُ أنْ يستغنيَ بذكرِ الإسلامِ عن ذكرِ الإيمانِ لأنَّهُ داخلٌ فيهِ، ولمَّا فرَّ بينَهما دلَّ على بطلانِ ما قالُوهُ. واحتجَّ أيضاً بقولِهِ بأنْ حدَّ الإسلامَ في اللُّغةِ عبارةٌ عن الانقيادِ لأمرِ اللهِ تعالى بالإيمانِ والطَّاعاتِ، والإيمانُ هوَ التَّصديقُ وحسبُ، فبانَ بذلكَ أنَّ الإسلامَ أكملُ منهُ، والجوابُ: هوَ أنَّا نقولُ: أنَّا نخالفُ في هذا الحدِّ فيهِ؛ لأنَّ عندَنا أنَّ الإيمانَ عبارةٌ عن الدُّخولِ في الملَّةِ كما قدَّمْنا فلا نحتاجُ إلى إعادتِهِ هاهنا. فصلٌ والدَّلالةُ على المعتزلةِ والقدريَّةِ في قولِهم: إنَّ الإيمانَ والإسلامَ سواءٌ بما تقدَّمَ، فإنْ احتجُّوا بقولِهِ تعالى - الشيخ: الظاهرُ في بحث عندك - القارئ: يعني.. صفحة - الشيخ: لا إله إلَّا الله، طيِّب كمِّل الصفحةَ |
↑3 | الإسلامُ دينُ الرّسل جميعًا - القارئ: فإنْ احتجُّوا بقولِهِ تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ[آل عمران:19] فالجوابُ عنهُ أنْ نقولَ: إنَّ المرادَ بهذهِ الآيةِ ألَّا دينَ غيرُ الإسلامِ، ومعناهُ أنَّهُ نسخَ الشَّرائعَ كلَّها، ولم ينسخْهُ شيءٌ؛ لأنَّهُ لا دينَ بعدَهُ حتَّى ينسخَهُ ويتبعونَهُ الخلائقَ، فحينئذٍ قد صارَ ناسخاً لجميعِ الأديانِ، فيكونُ المرادُ بالآيةِ ما ذكرْناهُ. - الشيخ: التحقيقُ أنَّ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ليس المرادُ به خصوصَ ما جاء به محمَّدٌ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، بل الدِّينُ عندَ اللهِ الإسلامُ شاملٌ، هذا المفهومُ شاملٌ لكلِّ ما جاءَت به الرسلُ، فدينُ الرسل كلِّهم هو الإسلامُ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وهو ما جاء به نوحٌ وهودٌ وصالحٌ وموسى وعيسى -عليهم السلام- ومحمَّدٌ، هذا هو الدينُ، دينُ الرسلِ كلِّهم هو الإسلامُ، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92] (إنَّا -معشرَ الأنبياءِ- دينُنا واحدٌ) - القارئ: وجوابٌ آخرُ: وهوَ أنَّ بعضَ الدِّينِ عندَ اللهِ الإسلامُ بدليلِ أنَّ مَن أقرَّ بالشَّهادتَينِ ولم يأتِ بأفعالِ الدِّينِ الباقيةِ فهوَ مسلمٌ وإنْ أخلَّ بالبعضِ. واحتجَّ أيضاً بأنْ قالَ: إنَّ الإسلامَ عبارةٌ عمَّن أقرَّ بالشَّهادتَينِ ووحَّدَ اللهَ وذلكَ حدُّ الإيمانِ، والجوابُ هوَ أنَّا نقولُ: بأنَّا نخالفُكَ في هذا الحدِّ، وقد بيِّنَّاهُ فيما تقدَّمَ فيما على أنَّ هذا يوجبُ أنْ يكونَ الفاسقُ مؤمناً مسلماً، لأنَّهُ قد وُجِدَ منهُ الإقرارُ بالشَّهادتَينِ والتَّوحيدِ، وعندَهم لا يُسمَّى مؤمناً ولا كافراً، فبطلَ ما قالُوهُ - الشيخ: المعتزلة يعني - القارئ: نعم إي، انتهى أحسنَ اللهُ إليكَ - الشيخ: جزاك اللهُ خيراً، أحسنتَ، نعم يا محمَّد. |
↑4 | القولُ بأنَّ الإيمانَ أفضلُ مِن الإسلامِ أو العكس بإطلاق - القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، قولُ الأشعريَّةِ: الإسلامُ أكملُ من الإيمانِ، وش [ماذا] يترتَّب عليه عندَ التحقيقِ؟ يترتَّبُ عليه عملٌ معيَّنٌ؟ - الشيخ: والله ما أدري، الإسلامُ أكملُ! الإسلامُ أكملُ! لا إله إلَّا الله، أصلاً التفريقُ بين الإسلامِ والإيمانِ بإطلاقٍ، هذا خلافُ ما تقتضيه النصوصُ، يعني: أن يُقالَ: إنَّ الإسلامَ أفضلُ من الإيمان بإطلاقٍ أو أنَّ الإسلامَ غيرُ الإيمانِ بإطلاقٍ، هذا لا يستقيمُ مع ما تفيدُه سائرُ الأدلَّةِ من الكتابِ والسُّنَّة، القولُ الفصلُ هو أنَّ الإسلامَ له مفهومٌ إذا أُفرِدَ، يعني: إذا رُوعِيَ لفظه تجد الإسلام فيه معنى الانقياد كما قالَ، والإيمانُ فيه معنى التصديق، يعني: هو أخصُّ بعملِ القلب، والإسلامُ أخصُّ بعمل الظاهر، معَ أنَّ الإسلامَ معتبرٌ في عمل القلب وهو الانقيادُ، فالإسلامُ القلبُ، الإسلامُ القلبُ، هو ثمرةُ إيمانِ القلبِ، والانقيادُ والتصديقُ بالقلبِ كلاهما إيمانٌ. فلا يستقيمُ لأحدٍ إلَّا أن يراعيَ ما تقتضيه النصوصُ، فالإسلامُ والإيمانُ اسمان للدِّين الحقِّ، الإسلامُ هو دينُ الله، ودائماً يُذكَرُ باسمِ الإسلامِ لأمِّ هذه الكلمةِ "إسلام" فيها التعبير عن الانقياد، انقيادُ الظاهرِ وانقيادُ الباطنِ، انقيادُ القلبِ أوَّلاً ثمَّ انقيادُ الجوارحِ، وذلك بعبادةِ الله وحدَه لا شريكَ له، الإسلامُ: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125] توجَّهَ للهِ بقلبه ووجهه واستقامَ على دينه، نعم، سبحان اللهِ، سبحان الله. |