بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
شرح كتاب (الموطّأ – كتاب النذور والأيمان) للإمام مالك
الدّرس: الثَّالث
*** *** *** ***
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعد؛ قال في موطأ الإمام مالك رحمه الله:
باب: مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنَ الْأَيْمَانِ
حدثني يحيى عن مَالِكٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ، فَرَأَى غَيرَها خَيْراً مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئاً، إِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ.
قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا التَّوْكِيدُ، فهو حَلِفُ الْإِنْسَانِ على الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ، يَمِيناً بَعْدَ يَمِينٍ، كَقَوْلِهِ: وَاللهِ، لاَ أَنْقُصُهُ مِنْ كَذَا، وْكَذَا، يَحْلِفُ بِذلِكَ مِرَاراً ثَلاَثاً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. قَالَ: فَكَفَّارَةُ ذلِكَ وَاحِدَةٌ، مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
– الشيخ : أي هي كفارة، لو قال: والله والله ما أكلِّمُ فلان، هو واحد توكيد؛ لأنه ليس فيه جديد.. يقول: فأما، أعد.
– القارئ : فَأَمَّا التَّوْكِيدُ، فَهُوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ على الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، يُرَدِّدُ فِيهِ الْأَيْمَانَ، يَمِيناً بَعْدَ يَمِينٍ، كَقَوْلِهِ: وَاللهِ، لاَ أَنْقُصُهُ مِنْ كَذَا، وكَذَا، يَحْلِفُ بِذلِكَ مِرَاراً ثَلاَثاً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ.
قَالَ: فَكَفَّارَةُ ذلِكَ وَاحِدَةٌ، مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
قَالَ مَالِكٌ: وإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ، فَقَالَ: وَاللهِ لاَ آكُلُ هذَا الطَّعَامَ، وَلاَ أَلْبَسُ هذَا الثَّوْبَ، وَلاَ أَدْخُلُ هذَا الْبَيْتَ، فَكَانَ هذَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَإِنَّمَا ذلِكَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَّالقُ، إِنْ كَسَوْتُكِ هذَا الثَّوْبَ، أو أَذِنْتُ لَكِ إِلَى الْمَسْجِدِ، ويَكُونُ ذلِكَ نَسَقاً مُتَتَابِعاً، فِي كَلاَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذلِكَ وَاحِدٌ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ، بَعْدَ ذلِكَ، حِنْثٌ. إِنَّمَا الْحِنْثُ فِي ذلِكَ حِنْثٌ وَاحِدٌ.
قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ، أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا.
– الشيخ : يعني: إذا نذرتِ المرأةُ قالتْ: للهِ عليَّ أنْ أتصدَّقَ بكذا، أنْ أتصدَّقَ بكذا، لا يتوقفُ على إذنِ الزوجِ، بل يصحُّ نذرُهَا وتجبُ عليها الصدقةُ، يجبُ عليها هذا النذرُ، لا إله إلا الله.
لكن يُحتمَلُ أنها إذا نذرتْ صوماً، أنه يجبُ عليها الصومُ لكن ما تصومُ إلا إذا كانَ زوجُهَا غائباً، هذا، ما تنذرُ نذراً يُفوِّتُ عليه حقَّهُ، لكن إذا نذرتْ نذراً ما لَهُ فيه تعلُّقٌ فنذرُها صحيحٌ، أعدِ المسألةَ.
– القارئ : قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي نَذْرِ الْمَرْأَةِ، أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا يَجِبُ ذلِكَ عَلَيْهَا، وَيَثْبُتُ إِذَا كَانَ ذلِكَ فِي جَسَدِهَا، وَكَانَ ذلِكَ لاَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا.
– الشيخ : لاَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا، لا يمنعُهُ حقاً من حقوقه.
– القارئ : وَإِنْ كَانَ ذلِكَ يَضُرُّ بِزَوْجِهَا فلهُ منعُهَا منه وكَانَ ذلِكَ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَهُ.
– الشيخ : أي في وقتِ، إذا جاءَ لها فرصة، إذا جاءَ لها فرصة، تقضي.
– القارئ : باب الْعَمَلُ فِي كَفَّارَةِ الْيمَينِ
حدثني يحيى عن مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ، ثم وَكَّدَهَا، ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ.
وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ، فَلَمْ يوكِّدْهَا، ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ،
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
– الشيخ : القرآنُ في هذا صريحٌ: من حَلَفَ وحنثَ فيُكَفِّرُ بواحدٍ من الثلاثةِ، هذا هو الحكمُ، أعِدِ الأثرَ هذا.
– القارئ : حدثني يحيى، عن مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ، ثم وَكَّدَهَا.
– الشيخ : وكَّدها، يعني حلفَ مرةً ثانية وكدها.
– القارئ : ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ.
وَمَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ، فَلَمْ يُؤَكِّدْهَا، ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
– الشيخ : على أيِّ حالٍ هذا، أقولُ: هذا اجتهادٌ من ابنِ عمر رضي الله عنه، وإلا فظاهرُ القرآنِ التخييرُ، على، في كلِّ الأحوالِ، يعني الكفارةُ هي لأحدُ الثلاثةِ.
– القارئ : وحدثني عن مَالِك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ–رضي الله عنهما-؛ أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، وَكَانَ يَعْتِقُ مِرَارَاً، إِذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ.
وحدثني عن مَالِك، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ، وَهُمْ إِذَا أَعْطَوْا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، أَعْطَوْا مُدّاً مِنْ حِنْطَةٍ، بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ وَرَأَوْا ذلِكَ مُجْزِئاً عَنْهُمْ.
– الشيخ : لا إله إلا الله، اللهُ أطلقَ قالَ: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:89]، والإطعامُ إمَّا أنْ يكونَ بالـمُدِّ وهو رُبع صاعٍ، الـمُدِّ رُبع صاعٍ، أو يكونُ بوجبةٍ، يعني عَشا أو غَدا؛ لأنَّهُ في القرآنِ مُطلَقٌ، وأقربُ ما يُرَدُّ إليهِ ما جاءَ في فديةِ الأذى من تفسيرِ الصدقةِ بإطعامِ ستةِ مساكينَ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ فهو إنْ أعطى يابس نصف، هذا أقربُ.
وإن أعطى شيئاً جاهزاً، جاهز يكونُ وجبة، إذا صارَ فقير، لكن تعطيهِ إذا كانَ محتاجاً إليه، أمَّا تعطيه جاهزاً وهو متغدي، ما، ما في فايدة ما يصلح.
– القارئ : قَالَ يَحْيَى: سمعتُ مَالِكاً يقولُ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِالْكِسْوَةِ أَنَّهُ إِنْ كَسَا الرِّجَالَ، كَسَاهُمْ ثَوْباً ثَوْباً. وَإِنْ كَسَا النِّسَاءَ، كَسَاهُنَّ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ، دِرْعاً، وَخِمَاراً، وَذلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِي كُلّاً فِي صَلاَتِهِ.
بابُ جَامِعُ الْأَيْمَانِ
– الشيخ : إلى آخره، نعم.