بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: الخامس عشر بعد المئة
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والمستمعين. قَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَه اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الجوابُ الصحيحُ لمن بَدَّلَ دينَ المسيحِ":
– الشيخ: نسأل الله العافية، لا إله إلا الله، سبحان الله، لا إله إلا الله.
النصارى ضررُهم على المسلمين كبيرٌ، كما هو الجاري الآن، فهم يبذلونَ الكثيرَ في نَشْرِ النصرانيةِ في العالم، ويبذلون الكثيرَ في إدخالِ الشَّرِّ والفسادِ على المسلمين بالشُّبهاتِ والشَّهواتِ، فلهم في هذا.. وهذا يشتركُ فيه المنتسبونَ للعلمِ والدِّينِ ومنهم، وكذلك سَاسَتُهُم -يعني: حُكوماتُهم-
فعلماؤُهم ومُثَقَّفُوهُم يعملونَ على نشرِ الشبهاتِ بينَ المسلمينَ -بدعوى أنَّ الدِّينَ الذي هم عليهِ هو الحقُّ، كما فيما ذكرَ الشيخ- وبالطَّعْنِ في شرائعِ الإسلام.
وسَاسَتُهم وحكوماتُهم يُحاربُون المسلمينَ بأنواعِ الحربِ، يعني بالحربِ المسلَّحةِ بالسلاحِ والقتالِ والاستذلال والاستعمارِ.
فربما يُقَالَ: أنَّ النَّصارى أعظمُ شرًّا وضرراً على المسلمين مِن اليهود، وما دولةُ اليهود إلا.. دولةُ اليهود ما هِيَ إلا مِن صنعِ الدولِ النصرانيةِ، هي صنيعةُ النصارى، هم الذين جعلُوا لليهودِ مكاناً في بلادِ المسلمين ودعمُوهم ونصرُوهم، الدولُ النصرانيةُ الآن تُسانِدُ اليهودَ وتنصرُهُم.
– القارئ: قَالَ رحمه الله تعالى وأسكنه فسيحَ جناتِهِ:
وَأَيْضًا فَمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُخْرِجُ يَدَهُ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ إِبْرَاءِ أَثَرِ الْبَرَصِ الَّذِي فَعَلَهُ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ الْبَرَصَ مَرَضٌ مُعْتَادٌ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَأَمَّا بَيَاضُ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ ثُمَّ عَوْدُهَا إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ، فَفِيهِ أَمْرَانِ عَجِيبَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا نَظِيرٌ.
– الشيخ: الله أكبر، الله أكبر، بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ [طه:22] مِن غيرِ برصٍ، وبياضٌ للناظرين، وَنَزَعَ يَدَهُ [الشعراء:33]
– القارئ: ثُمَّ عَوْدُهَا إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ، فَفِيهِ أَمْرَانِ عَجِيبَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا نَظِيرٌ. وَأَيْضًا فَمُوسَى فَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْبَحْرَ حَتَّى عَبَرَ
– الشيخ: عجيب! فيها أمرانِ بس.. أعدِ الجملة وأما؟
– القارئ: وَإِنَّمَا الْعَجَبُ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَأَمَّا بَيَاضُ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ ثُمَّ عَوْدُهَا إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ، فَفِيهِ أَمْرَانِ عَجِيبَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا نَظِيرٌ.
– الشيخ: ما في تعليق عليه؟
– القارئ: لا، ليس هناك تعليق
– الشيخ: "فَفِيهِ أَمْرَانِ عَجِيبَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا نَظِيرٌ"، تَخْرُجُ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.
كأنه لعلَّه يريدُ أنَّ كونه أمرانِ عجيبانِ هو ما تقدَّم مِن البياضِ والحُسْنِ العجيبِ مِن غيرِ بَرَصٍ، والأمرُ الثاني: كانَ هو عَوْدُهَا إلى صفتِها الخَلقيةِ الأصليةِ، مثلُ ما أنَّ العصا فيها أمرانِ كونُها وهِي خشبةٌ خشبٌ تنقلبُ وتكونُ حيةً متحركةً بل تكونُ ثعبانًا عظيمًا، هذا عَجَبٌ! والأمرُ الثاني أنَّها تعودُ عصا، وتعودُ طبيعيةً. وكذلك اليدُ فيها هذا الأمرُ، لعلَّهُ.
– القارئ: وَأَيْضًا فَمُوسَى فَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْبَحْرَ حَتَّى عَبَرَ فِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَغَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، وَهَذَا أَمْرٌ بَاهِرٌ فِيهِ مِنْ عَظَمَةِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمِنْ إِهْلَاكِ اللَّهِ لِعَدُوِّ مُوسَى مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ لِلْمَسِيحِ.
وَأَيْضًا فَمُوسَى كَانَ اللَّهُ يُطْعِمُهُمْ عَلَى يَدِهِ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى مَعَ كَثْرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيُفَجِّرُ لَهُمْ بِضَرْبِهِ لِلْحَجَرِ كُلَّ يَوْمٍ
– الشيخ: صّلِّحْ جَوَّالك يا أخي.
– القارئ: وَيُفَجِّرُ لَهُمْ بِضَرْبِهِ لِلْحَجَرِ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ عَيْنًا يَكْفِيهِمْ.
وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ إِنْزَالِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْمَائِدَةِ، وَمِنْ قَلْبِ الْمَاءِ خَمْرًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ
– الشيخ: "وَمِنْ قَلْبِ الْمَاءِ خَمْرًا" هذا يذكرونَه ليس.. أمَّا المائدةُ فمذكورةٌ في القرآنِ، وعندَ علماءِ المسلمينَ فيها خلافٌ: هل أُنزلَتْ أو لم تُنْزَلْ، لأنَّ الحواريين طلبُوا مِن عيسى أنْ يُنزِّلَ اللهُ عليهم مائدةً يأكلونَ منها نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا [المائدة:113] وعيسى دعا ربَّهُ قَالَ: رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ [المائدة:115،114] فمِن أهلِ العلمِ مَن يقولُ: أنها أُنزلَتْ، ومنهم مَن يقولُ: أنَّها لمْ تُنْزَلْ؛ لأنَّهم لـمَّا هُدِّدُوا أعرضُوا عنها ولم.. كأنَّ اللهَ وعدَهُم بإنزالِها بشرطٍ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ [المائدة:115]
– القارئ: وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ إِنْزَالِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْمَائِدَةِ
– الشيخ: إنزالُ المسيحِ باعتبارِ التَّسَبُّبِ، الـمُنْزِلُ لها هو اللهُ، وعيسى تُضافُ إليه باعتبارِ أنه الـمُتَسَبِّبُ بدعائِه، الـمُتَسَبِّبُ بدعائه، قَالَ عيسى بن مريم: اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء [المائدة:114]
– القارئ: وَمِنْ قَلْبِ الْمَاءِ خَمْرًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُحْكَى عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
– الشيخ: "وغير ذَلِكَ مِمَّا يُحْكَى عَنْهُ"، يعني: الخمرُ مما يُحكَى عنه، أمَّا المائدة فلها شأنٌ ولها ذِكْرٌ في القرآنِ.
– القارئ: وَكَانَ لِمُوسَى فِي عَدُوِّهِ مِنَ الْقَمْلِ وَالضَّفَادِعِ
– الشيخ: الْقُمَّلِ، الْقُمَّلِ.
– القارئ: وَكَانَ لِمُوسَى فِي عَدُوِّهِ مِنَ الْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ وَسَائِرِ الْآيَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ لِلْمَسِيحِ، فَلَوْ كَانَ الْحَوَارِيُّونَ رُسُلًا قَدْ كَلَّمَهُمُ اللَّهُ مِثْلَ مَا كَلَّمَ مُوسَى مِنَ الشَّجَرَةِ كَانُوا مِثْلَ مُوسَى، فَكَيْفَ وَالْمَسِيحُ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ آيَاتٌ مِثْلَ آيَاتِ مُوسَى؟
– الشيخ: الله أكبر، سبحان الله! سبحان الله!
– القارئ: وَلَوْ كَانَ الْمَسِيحُ هُوَ اللَّاهُوتُ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى لَكَانَ يُظْهِرُ مِنْ قُدْرَتِهِ أَعْظَمُ مِمَّا أَظْهَرَهُ عَلَى يَدِ مُوسَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَحُلَّ فِي بَدَنِ مُوسَى، وَلَا كَانَ اللَّاهُوتُ يُكَلِّمُ الْخَلْقَ مِنْ مُوسَى، كَمَا يَزْعُمُهُ هَؤُلَاءِ فِي الْمَسِيحِ، وَمَعَ هَذِهِ فَالْآيَاتُ الَّتِي أَيَّدَ بِهَا عَبْدَهُ مُوسَى، تِلْكَ الْآيَاتُ الْعَظِيمَةُ، فَكَيْفَ تَكُونُ آيَاتُهُ إِذَا كَانَ هُوَ نَفْسَهُ الَّذِي قَدْ حَلَّ فِي بَدَنِ موسى؟
– الشيخ: ها؟
– القارئ: فَكَيْفَ تَكُونُ آيَاتُهُ إِذَا كَانَ هُوَ نَفْسَهُ الَّذِي قَدْ حَلَّ فِي بَدَنِ الْمَسِيح؟
– الشيخ: إي، تمام
– القارئ: وَهُوَ الَّذِي يُخَاطِبُ النَّاسَ عَلَى لِسَانِ الْمَسِيحِ؟
الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قَوْلَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ خَاطَبَ النَّاسَ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا خَاطَبَ مُوسَى النَّبِيَّ مِنَ الْعَوْسَجَةِ مَنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّ اللَّهَ بِاتِّفَاقِ الْأُمَمِ كُلِّهَا لَمْ يَحُلَّ فِي الشَّجَرَةِ، وَلَمْ يَتَّحِدْ بِهَا، كَمَا يَزْعُمُونَ هُمْ أَنَّهُ حَلَّ بِالْمَسِيحِ وَاتَّحَدَ بِهِ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ حَلَّ بِبَاطِنِ الْمَسِيحِ، بَلْ وَبِظَاهِرِهِ، وَاتَّحَدَ بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَالرَّبُّ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ فِي بَاطِنِ الشَّجَرَةِ، وَلَا حَلَّ فِيهَا، وَلَا اتَّحَدَ بِهَا، وَقَوْلُ اللَّهِ إِنَّهُ كَلَّمَهُ مِنْهَا وَنَادَاهُ مِنْهَا كَقَوْلِهِ أَنَّهُ: نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ [القصص:30] وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ تعالى:
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى[النازعات:16،15]
وَفِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى حَلَّ فِي بَاطِنِ الْوَادِي الْمُقَدَّسِ، أَوِ الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ، أَوِ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَلَا أَنَّهُ اتَّحَدَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا صَارَ هُوَ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَوْهَرًا وَاحِدًا، وَلَا شَخْصًا وَاحِدًا، كَمَا يَقُولُ بَعْضُ النَّصَارَى: إِنَّ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ صَارَا جَوْهَرًا وَاحِدًا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: صَارَا شَخْصًا وَاحِدًا، بَلْ وَلَا قَالَ أَحَدٌ: أَنَّهُ حَلَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَحُلُولِ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ، أَوِ النَّارِ فِي الْحَدِيدِ، أو كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّاهُوتَ حَلَّ فِي النَّاسُوتِ. كَذَلِكَ وَلَوْ قَدَرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ
– الشيخ: لا، لا، قل
– القارئ: كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّاهُوتَ حَلَّ فِي النَّاسُوتِ.
– الشيخ: ايوا؟
– القارئ: كَذَلِكَ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ قَالَ شَيْئًا مِنَ الْمَقَالَاتِ الَّتِي لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ، وَلَا تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ حُجَّةً، إِذْ لَا يُحْتَجُّ إِلَّا بِنَقْلٍ ثَابِتٍ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ بِمَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى وَنَادَاهُ هُوَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَتَكْلِيمُهُ لَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ مِنْ جِنْسِ مَا أَخْبَرَ بِنُزُولِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَنُزُولِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِحِسَابِ الْخَلْقِ، وَالْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَأَمَّا حُلُولُهُ فِي الْبَشَرِ أَوِ اتِّحَادُهُ بِهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَقْلًا وَسَمْعًا، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ نَبِيٌّ.
وَمَا تَقَوَّلَهُ النَّصَارَى فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ الْكَلِمَةُ وَهُوَ الْخَالِقُ، لِأَنَّ الْكَلِمَةَ وَالذَّاتَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: الْمُتَّحِدُ بِالْمَسِيحِ هُوَ الْكَلِمَةُ دُونَ الذَّاتِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا: "الْأَبَ"، وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: "إِنَّهُ لَمْ يَتَبَعَّضْ وَلَمْ يَتَجَزَّأْ".
وَمَعْلُومٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ الصِّفَةُ لَا يُمْكِنُ مُفَارَقَتُهَا لِلْمَوْصُوفِ، فَلَا تَتَّحِدُ وَتَحُلُّ دُونَ الْمَوْصُوفِ، لَاسِيَّمَا وَالْمُتَّحِدُ الْحَالُّ عِنْدَهُمْ هُوَ الْخَالِقُ
– الشيخ: سبحان الله.
– القارئ: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَبُ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ: الْمُتَّحِدُ الْحَالُّ هُوَ الْأَبُ، بَلْ هُوَ الِابْنُ، وَإِذَا قَالَوا: إِنَّ الِابْنَ هُوَ الْمُتَّحِدُ الْحَالُّ دُونَ الْأَبِ، فَالْمُتَّحِدُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي مَا اتَّحَدَ، وَالِابْنُ اتَّحَدَ وَالْأَبُ مَا اتَّحَدَ.
وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمُتَّحِدَ اتَّخَذَ عِيسَى حِجَابًا احْتَجَبَ بِهِ، وَمَسْكَنًا يَسْكُنُ فِيهِ، خَاطَبَ النَّاسَ فِيهِ، وَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: إِنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ الْأَبُ لَمْ يَحْتَجِبْ بِهِ وَلَمْ يُسْكُنْ فِيهِ وَلَمْ يَتَّحِدْ بِهِ، فَلَزِمَ قَطْعًا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ الشَيْءُ اتَّحَدَ وَمِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَتَّحِدْ، فَالْأَبُ لَمْ يَتَّحِدْ، وَالِابْنُ اتَّحَدَ، وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ: "لَمْ يَتَبَعَّضْ"، وَيُبْطِلُ تَمْثِيلَهُمْ بِالْمُخَاطِبِ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَإِنَّ ذَلكَ هُوَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَيْسَ هُوَ الِابْنُ دُونَ الْأَبِ، مَعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْفُرُوقِ الْكَثِيرَةِ الْمُبَيِّنَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ بُطْلَانَ تَمْثِيلِ هَذَا بِهَذَا.
الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، رحمه الله.