بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: السادس عشر بعد المئة
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابهِ أجمعين، أما بعد؛ فيقول شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَه اللهُ تعالى في كتابه "الجوابُ الصحيحُ لمن بَدَّلَ دينَ المسيحِ":
يقول رحمه الله تعالى:
الْوَجْهُ السَّادِس عَشَرَ: أَنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ الرُّبُوبِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ فِي الْمَسِيحِ اللَّاهُوتُ الَّذِي أَرْسَلَ مُوسَى وَغَيْرَهَ، لَمْ يَخْضَعْ لِمُوسَى وَلِتَوْرَاتِهِ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيُكْمِلَهَا لَا لِيَنْقُضَهَا، وَلَا كَانَ يَقُومُ بِشَرَائِعِهَا، فَإِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَوْ كَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟
– الشيخ: أعد مرة ثانية، لو كانَ اللَّاهُوتُ..
– القارئ: الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ الرُّبُوبِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ فِي الْمَسِيحِ اللَّاهُوتُ الَّذِي أَرْسَلَ مُوسَى وَغَيْرَهَ، لَمْ يَخْضَعْ لِمُوسَى وَلِتَوْرَاتِهِ
– الشيخ: أيش يقول؟
– طالب: فَلَوْ كَانَ فِي الْمَسِيحِ اللَّاهُوتُ
– الشيخ: أيش فيه؟
– طالب: "فَلَوْ كَانَ فِي الْمَسِيحِ اللَّاهُوتُ"
– الشيخ: ما عرفنا الفرق!
– طالب: يا شيخ "لَوْ كَانَ فِي الْمَسِيحِ اللَّاهُوتُ الَّذِي أَرْسَلَ مُوسَى"
– الشيخ: طَيِّب أيش فيه؟
– طالب: فيه أنَّ عيسى لا يَتَّبِعُ التوراةَ ولا يُصدقُ بها
– الشيخ: لو كانَ، لو كانَ الرَّبُّ [….] نعم بعده.
– القارئ: لَمْ يَخْضَعْ لِمُوسَى وَلِتَوْرَاتِهِ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ لِيُكْمِلَهَا لَا لِيَنْقُضَهَا، وَلَا كَانَ يَقُومُ بِشَرَائِعِهَا، فَإِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَوْ كَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟!
وَإِذَا قَالَتِ النَّصَارَى: فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ خَوْفًا أَنْ يُكَذِّبُوهُ، كَانَ عُذْرُهُمْ أَقْبَحُ مِنْ ذَنْبِهِمْ، فَرَبُّ الْعَالَمِينَ مِمَنْ يَخَافُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟
– الشيخ: وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:15]
– القارئ: وَمُوسَى لَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ يُكَذِّبُهُ كَانَ يُظْهِرُ مِنَ الْآيَاتِ يُذِلُّ بِهَا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مَعَ عُتُوِّهِ وَعُتُوِّ قَوْمِهِ، وَلَمْ تَكُنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَعْتَى مَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، فَلَوْ كَانَ هُوَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، كَانَ مَا يُؤَيِّدُ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْآيَاتِ أَعْظَمَ مِمَّا يُؤَيِّدُ بِهِ عَبْدَهُ مُوسَى.
– الشيخ: ربَّنَا لكَ الحمدُ، نسأل الله العافية، مذهبُ النَّصارى واعتقادُهم في غايةٍ مِن الضلالةِ والجهالةِ والسَّفاهةِ والـمُنَاقَضَةِ للفِطَرِ والعقولِ، "الإلهُ حَلَّ في المسيحِ!" "والمسيحُ اثنانِ في واحدٍ!" اللاهوتُ والناسوتُ مُرَكَّبٌ، مُرَكَّبٌ مِن ناسوتٍ ولاهوتٍ حلولًا أو اتحادًا.
– القارئ: وَمِنْ عَجَائِبِ النَّصَارَى أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ مَعَ ادِّعَائِهِمْ فِيهِ غَايَةَ الْعَجْزِ حَتَّى صُلِبَ.
– الشيخ: أعوذ بالله، حتى صُلب؟
– القارئ: نعم
وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَيَقُولُونَ: هُوَ رَسُولٌ مُؤَيَّدٌ، لَمْ يُصْلَبْ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي رُسُلِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، كَمَا نَصَرَ نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ
– الشيخ: يظهرُ هنا الرسلُ، الرسلُ المرسلون إلى أممٍ وأقوامٍ كافرين يدعونهم إلى الإيمان، هؤلاء لم يُقتَل أحدٌ منهم، بل الله أهلكَ أممَهم ونصرَهم عليهم، كنوحٍ وهودٍ وصالح و.. وأمَّا الرسلُ الذين لم يُرسلُوا إلى قومٍ كفارٍ، بل هم مرسلُونَ إلى قومٍ مسلمين كأنبياءِ بني إسرائيل فهؤلاءِ جرى على كثيرينَ منهم القتلُ، والله تعالى يذكرُهم تارةً باسمِ الرسلِ وتارةً يذكرهم باسمِ النبوةِ، وهذا كثيرٌ في الآياتِ:
أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ هذا خطابٌ لِمَنْ؟ لبني إسرائيل، أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة:87] هذا المعنى في سورةِ البقرة في عددِ مِن الآيات: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [البقرة:61] وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ [آل عمران:112] فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:183] وهكذا، جاءَ في سورةِ البقرةِ في مواضع، وفي سورةِ آلِ عمران، وفي سورةِ النساءِ، وفي سورةِ المائدة.
– القارئ: فَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا مَغْلُوبًا، فَكَيْفَ يَكُونُ رَبًّا مَغْلُوبًا مَصْلُوبًا؟!
الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُمْ فَعَلَ الْمُعْجِزَاتِ بِلَاهُوتِهِ، وَأَظْهَرَ الْعَجْزَ بِنَاسُوتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ
– الشيخ: اللهمَّ لكَ الحمدُ، يقول: أظهر. أعِد، أعِد.
– القارئ: الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُمْ فَعَلَ الْمُعْجِزَاتِ بِلَاهُوتِهِ، وَأَظْهَرَ الْعَجْزَ بِنَاسُوتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فَعَلَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدِ الْمَسِيحِ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ مُتَّحِدًا بِشَيْءٍ مِنَ الْبَشَرِ، فَأَيُّ ضَرُورَةٍ لَهُ إِلَى أَنْ يَتَّحِدَ بِالْبَشَرِ إِذَا فَعَلَ مُعْجِزَاتٍ دُونَ ذَلِكَ؟!
– الشيخ: لا إله إلا الله
– القارئ: الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ الْمَسِيحَ ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ مُعْجِزَاتٌ كَمَا ظَهَرَ لِسَائِرِ الْمُرْسَلِينَ، وَمُعْجِزَاتُ بَعْضِهِمْ أَعْظَمُ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ تَكُنِ الْمُعْجِزَاتُ دَلِيلًا عَلَى اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِالنَّبِيِّ الَّذِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى يَدَيْهِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ.
الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنَّ اللَّاهُوتَ إِنْ كَانَ مُتَّحِدًا بِالنَّاسُوتِ لَمْ يَتَمَيَّزْ فِعْلُهُ عَنْ فِعْلِ النَّاسُوتِ، فَإِنَّهُمَا إِذَا صَارَا شَيْئًا وَاحِدًا كَانَ كُلُّ مَا فَعَلَهُ مِنْ عَجْزٍ وَمُعْجِزٍ هُوَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ، كَالْأَمْثَالِ الَّتِي يَضْرِبُونَهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُمْ يُمَثِّلُونَ ذَلِكَ بِالنَّارِ مَعَ الْحَدِيدِ، وَالْمَاءِ مَعَ اللَّبَنِ وَالْخَمْرِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَدِيدَةَ إِذَا أُدْخِلَتِ النَّارَ حَتَّى صَارَتْ بَيْضَاءَ كَالنَّارِ الْبَيْضَاءِ فَفِعْلُهَا فِعْلٌ وَاحِدٌ، لَيْسَ لَهَا فِعْلَانِ مُتَمَيِّزَانِ: أَحَدُهُمَا بِالْحَدِيدِ، وَالْآخَرُ بِالنَّارِ، بَلْ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ وَقُوَّةُ النَّارِ، بَلْ فِيهَا قُوَّةٌ ثَالِثَةٌ لَيْسَتْ قُوَّةَ الْحَدِيدِ وَلَا قُوَّةَ النَّارِ، إِذْ لَيْسَتْ حَدِيدًا مَحْضًا وَلَا نَارًا مَحْضًا.
وَكَذَلِكَ الْمَاءُ إِذَا اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ، فَالْمُتَّحِدُ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، فِعْلُهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ، مِنْهُ مَا لَيْسَ مَاءً مَحْضًا وَلَا لَبَنًا مَحْضًا، لَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّ لَهُ فِعْلَيْنِ يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فِعْلٌ بِكَوْنِهِ لَبَنًا مَحْضًا، وَفِعْلٌ بِكَوْنِهِ مَاءً مَحْضًا، فَقَوْلُهُمْ بِالِاتِّحَادِ يُوجِبُ اسْتِحَالَةَ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ، وَأَنْ يَصِيرَ فِعْلُ الْمُتَّحِدِ شَيْئًا وَاحِدًا.
وَإِنْ كَانَ اللَّاهُوتُ لَمْ يَتَّحِدْ بِهِ فَهُمَا اثْنَانِ شَخْصَانِ وَجَوْهَرَانِ وَطَبِيعَتَانِ وَمَشِيئَتَانِ، وَلَيْسَ هَذَا دِينُ النَّصَارَى مَعَ أَنَّ حُلُولَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبَشَرِ مُمْتَنِعٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضعٍ آخَرَ.
وَكَذَلِكَ إِذَا مَثَّلُوهُ بِالنَّفْسِ مَعَ الْبَدَنِ، فَإِنَّ النَّفْسَ تَتَغَيَّرُ صِفَاتُهَا بِمُفَارَقَةِ الْبَدَنِ، وَكَذَلِكَ الْبَدَنُ تَتَغَيَّرُ صِفَاتُهُ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ لَهُ.
وَالْإِنْسَانُ الَّذِي نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ فَصَارَتْ بَدَنًا فِيهِ الرُّوحُ هُوَ
– الشيخ: "فصار"
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، فَصَارَ بَدَنًا فِيهِ الرُّوحُ هُوَ نَوْعٌ ثَالِثٌ لَيْسَ فِيهِ بَدَنٌ مَحْضٌ، وَرُوحٌ مَحْضٌ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا بِبَدَنِهِ، وَكَذَا بِنَفْسِهِ، بَلْ أَفْعَالُهُ تَشْتَرِكُ فِيهَا الرُّوحُ، فَهُوَ إِذَا أَكَلَ وَشَرِبَ، فَالرُّوحُ تَتَلَذَّذُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَبِهَا صَارَ آكِلًا شَارِبًا، وَإِلَّا فَالْبَدَنُ الْمَيِّتُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَإِذَا نَظَرَ وَاسْتَدَلَّ وَسَمِعَ وَرَأَى وَتَعَلَّمَ، فَالنَّفْسُ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِالْبَدَنِ، وَالْبَدَنُ يَظْهَرُ فِيهِ ذَلِكَ، وَالرُّوحُ وَحْدَهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ فِعْلَ اللَّاهُوتِ بَعْدَ الِاتِّحَادِ كَفِعْلِهِ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ النَّاسُوتِ، وَهَذَا يُنَاقِضُ الِاتِّحَادَ.
وَالْقَوْلُ بِهَذَا مَعَ الِاتِّحَادِ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ، وَلَا يُعْقَلُ نَظِيرُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، وَنَفْسُ الْمُتَكَلِّمِ بِهَذَا مَنِ النَّصَارَى لَا يَتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُمَثِّلَهُ بِشَيْءٍ مَعْقُولٍ.
– الشيخ: حسبُكَ يا شيخ.