الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(124) فصل بيان المعنى الصحيح لتشبيه القرآن الكريم عيسى بآدم قوله “أن ما ذكروه من موته”

(124) فصل بيان المعنى الصحيح لتشبيه القرآن الكريم عيسى بآدم قوله “أن ما ذكروه من موته”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: الرابع العشرون بعد المئة

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمُرسلينَ نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الجوابُ الصَّحيحُ لـِمَنْ بَدَّلَ دينَ المسيحِ":
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَوْتِهِ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَمُتْ بَعْدُ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ صُلِبَ نَاسُوتُهُ دُونَ لَاهُوتِهِ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
فَإِنَّ نَاسُوتَهُ لَمْ يُصْلَبْ، وَلَيْسَ فِيهِ لَاهُوتٌ، وَهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ دَعْوًى مُجَرَّدَةً فَيُكْتَفَى فِي مُقَابَلَتِهَا بِالْمَنْعِ.
لَكِنْ نَقُولُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إِنَّهُمْ فِي اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ

– الشيخ: لا، كأنَّها: "بقولهم" أو في قولهم"، إنَّهم في قولهم باتِّحادِ، يعني: على قولِهم باتِّحاد اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوت.
– القارئ: العبارةُ الي [التي] بعدَها قد يبيِّن، إِنَّهُمْ فِي اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ يُشَبِّهُونَهُ تَارَةً بِاتِّحَادِ الْمَاءِ بِاللَّبَنِ
– الشيخ: إِنَّهُمْ فِي اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ" يعني: الَّذي يزعمونه.
– القارئ: إِنَّهُمْ فِي اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ يُشَبِّهُونَهُ تَارَةً بِاتِّحَادِ الْمَاءِ بِاللَّبَنِ، وَهَذَا تَشْبِيهُ الْيَعْقُوبِيَّةِ، وَتَارَةً بِاتِّحَادِ النَّارِ بِالْحَدِيدِ أَوِ النَّفْسِ بِالْجِسْمِ، وَهَذَا تَشْبِيهُ الْمَلِكَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى الْمَاءِ شَيْءٌ إِلَّا وَصَلَ إِلَى اللَّبَنِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ النَّارُ الَّتِي فِي الْحَدِيدِ مَتَى طُرِقَ الْحَدِيدُ أَوْ بُصِقَ عَلَيْهِ لَحِقَ ذَلِكَ بِالنَّارِ الَّتِي فِيهِ، وَالْبَدَنُ إِذَا ضُرِبَ وَعُذِّبَ لَحِقَ أَلَمُ الضَّرْبِ وَالْعَذَابِ بِالنَّفْسِ، فَكَأَنَّ حَقِيقَةَ تَمْثِيلِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّاهُوتَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ النَّاسُوتَ مِنْ إِهَانَةِ الْيَهُودِ وَتَعْذِيبِهِمْ لَهُ وَإِيلَامِهِمْ لَهُ وَالصَّلْبِ الَّذِي ادَّعَوْهُ.
وَهَذَا لَازَمٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ، فَإِنَّ الِاتِّحَادَ لَوْ كَانَ مَا يُصِيبُ أَحَدَهُمَا لَا يُشْرِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ هُنَا اتِّحَادٌ بَلْ تَعَدُّدٌ.

الرَّابِعُ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الضُّلَّالَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنْ جَعَلُوا إِلَهَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مُتَّحِدًا بِبَشَرٍ فِي جَوْفِ امْرَأَةٍ، وَجَعَلُوهُ لَهُ مَسْكَنًا، ثُمَّ جَعَلُوا أَخَابِثَ خَلْقِ اللَّهِ أَمْسَكُوهُ
– الشيخ: وصلبُوه
– القارئ: وَبَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَوَضَعُوا الشَّوْكَ عَلَى رَأْسِهِ وَصَلَبُوهُ بَيْنَ لِصَّيْنِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَسْتَغِيثُ بِاللَّهِ
– الشيخ: أيش قالَ عن لصّ؟
– القارئ: ما عندي شيء
– الشيخ: بين عمودين يمكن
– القارئ: أو بين شخصين
– الشيخ: دوِّر [ابحثْ] عن اللِّصّ يا أبا أيوب، محمَّد دوِّر في اللُّغة لصّ لصّ، هل، اللِّص حرامي سارق، بس [لكن] هذه لصّ كأنَّها تعني عمود أو جدار أو..
– القارئ: وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَسْتَغِيثُ بِاللَّهِ تعالى
– الشيخ: يستغيثُ بالله!
– القارئ: وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَسْتَغِيثُ بِاللَّهِ
– الشيخ: [….] ما هو إله! قبَّحَهم اللهُ، قولُ النَّصارى -سبحان الله- من أقبحِ الأقوالِ بعداً عن العقول، هو الإلهُ ويُصلَبُ!
– القارئ: وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَسْتَغِيثُ بِاللَّهِ وَيَقُولُ: " إِلَهِي إِلَهِي لِمَ تَرَكْتَنِي" وَهُمْ يَقُولُونَ: الَّذِي كَانَ يَسْمَعُ النَّاسُ كَلَامَهُ هُوَ اللَّاهُوتُ
– الشيخ: هُوَ اللَّاهُوتُ!
– القارئ: وَهُمْ يَقُولُونَ: الَّذِي كَانَ يَسْمَعُ النَّاسُ كَلَامَهُ هُوَ اللَّاهُوتُ، كَمَا سَمِعَ مُوسَى كَلَامَ اللَّهِ مِنَ الشَّجَرَةِ
– الشيخ: عجيب!
– القارئ: وَيَقُولُونَ: هُمَا شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: لَهُمَا مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ وَطَبِيعَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَالْكَلَامُ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَشِيئَةِ الْمُتَكَلِّمِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ الدَّاعِي الْمُسْتَغِيثُ الْمَصْلُوبُ هُوَ اللَّاهُوتُ وَهُوَ الْمُسْتَغِيثُ الْمُتَضَرِّعُ وَهُوَ الْمُسْتَغَاثُ بِهِ، وَأَيْضًا فَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، فَمَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا شَخْصٌ وَاحِدٌ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَغِيثًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَغَاثًا بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَاعِيًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَدْعُوًّا، فَإِذَا قَالُوا: إِنَّ الدَّاعِيَ هُوَ غَيْرُ الْمَدْعُوِّ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ لَا وَاحِدًا، وَإِذَا قَالُوا: هَمَا وَاحِدٌ فَالدَّاعِي هُوَ الْمَدْعُوُّ.

– الشيخ: اللَّهمَّ لك الحمدُ، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله

– القارئ:
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ اللَّاهُوتَ كَانَ قَادِرًا عَلَى دَفْعِهِمْ عَنْ نَاسُوتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: لَمْ يَكُنْ قَادِرًا، فَإِنْ قَالُوا: "لَمْ يَكُنْ قَادِرًا" لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الْيَهُودُ أَقْدَرَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَقْهُورًا مَأْسُورًا مَعَ قَوْمٍ مِنْ شِرَارِ الْيَهُودِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالتَّنَقُّصِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ لِلَّهِ وَلَدًا، وَأَنَّهُ بَخِيلٌ، وَأَنَّهُ فَقِيرٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَسُبُّ بِهِ الْكُفَّارُ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

وَإِنْ قَالُوا: كَانَ قَادِرًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عُدْوَانِ الْكُفَّارِ عَلَى نَاسُوتِهِ وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ، فَسُنَّةُ اللَّهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ نَصْرُ رُسُلِهِ الْمُسْتَغِيثِينَ بِهِ، فَكَيْفَ لَمْ يُغِثْ نَاسُوتَهُ الْمُسْتَصْرِخَ بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ قُتِلَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَهُوَ صَابِرٌ، فَإِنَّ أُولَئِكَ صَبَرُوا حَتَّى قُتِلُوا شُهَدَاءَ، وَالنَّاسُوتُ عِنْدَهُمُ اسْتَغَاثَ وَقَالَ: "إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" وَإِنْ كَانَ هُوَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَكْرًا، كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَكَرَ بِالشَّيْطَانِ وَأَخْفَى نَفْسَهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِوَجْهِ حَقٍّ، فَنَاسُوتُهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجْزَعَ وَلَا يَهْرُبَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَهُمْ يَذْكُرُونَ مِنْ جَزَعِ النَّاسُوتِ وَهَرَبِهِ وَدُعَائِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: مَشِيئَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، فَكَيْفَ شَاءَ ذَلِكَ وَهَرَبَ مِمَّا يَكْرَهُهُ النَّاسُوتُ؟ بَلْ لَوْ يَشَاءُ اللَّاهُوتُ مَا يَكْرَهُهُ كَانَا مُتَبَايِنَيْنِ، وَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى الْمَكْرِ بِالْعَدُوِّ وَلَمْ يَجْزَعِ النَّاسُوتُ، كَمَا جَرَى لِيُوسُفَ مَعَ أَخِيهِ لَمَّا وَافَقَهُ عَلَى أَنَّهُ يَحْمِلُ الصُّوَاعَ فِي رَحْلِهِ، وَيُظْهِرُ أَنَّهُ سَارِقٌ لَمْ يَجْزَعْ أَخُوهُ لَمَّا ظَهَرَ الصُّوَاعُ فِي رَحْلِهِ، كَمَا جَزِعَ إِخْوَتُهُ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمُوا، وَكَثِيرٌ مِنَ الشُّطَّارِ الْعَيَّارِينَ يُـمْسَكُونَ وَيُصْلَبُونَ وَهُمْ ثَابِتُونَ صَابِرُونَ، فَمَا بَالُ هَذَا يَجْزَعُ الْجَزَعَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَصِفُونَ بِهِ الْمَسِيحَ، وَهُوَ يَقْتَضِي غَايَةَ النَّقْصِ الْعَظِيمِ مَعَ دَعْوَاهُمْ فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: قَوْلُهُمْ إِنَّهُ كَلِمَتُهُ وَرُوحُهُ تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ فَقَطْ لَا أُقْنُومَ الْحَيَاةِ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: قَوْلُهُمْ: وَقَدْ بَرْهَنَ بِقَوْلِهِ: "رَأْيَنَا أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَائِلًا: إِنَّ اللَّهَ أَلْقَى كَلِمَتَهُ إِلَى مَرْيَمَ، وَذَلِكَ حَسْبَ قَوْلِنَا مَعْشَرَ النَّصَارَى: إِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ الْخَالِقَةَ الْأَزَلِيَّةَ حَلَّتْ فِي مَرْيَمَ وَاتَّحَدَتْ بِإِنْسَانٍ كَامِلٍ".
فَيُقَالُ لَهُمْ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنْ ضَلَلْتُمْ فِي تَأْوِيلِهِ كَمَا ضَلَلْتُمْ فِي تَأْوِيلِ غَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا بَلَّغُوهُ عَنِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[آل عمران:45-47]
فَفِي هَذَا الْكَلَامِ وُجُوهٌ تُبَيِّنُ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَلَيْسَ هُوَ مَا يَقُولُهُ النَّصَارَى:
مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) وَقَوْلُهُ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَلِمَةٌ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ، لَيْسَ هُوَ كَلَامَهُ كُلَّهُ كَمَا يَقُولُ النَّصَارَى.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: بِكَلِمَةٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ حَيْثُ قَالَ:
كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[آل عمران:47]
كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[آل عمران:59]
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ كهيعص:
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[مريم:34-35]
فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ فِي الْقُرْآنِ تُبَيِّنُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: (كُنْ فَيَكُونُ) وَهَذَا تَفْسِيرُ كَوْنِهِ كَلِمَةً مِنْهُ.
وَقَالَ "اسْمَهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ" أَخْبَرَ أَنَّهُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَجِيهٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرِّبِينَ، وَهَذِهِ كُلُّهَا صِفَةُ مَخْلُوقٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَكَلَامُهُ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ لَا يُقَالُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ مَرْيَمُ: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ [آل عمران:47]
فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسِيحَ الَّذِي هُوَ الْكَلِمَةُ هُوَ وَلَدُ مَرْيَمَ، لَا وَلَدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [النساء:171-173]
فَقَدْ نَهَى النَّصَارَى عَنِ الْغُلُوِّ فِي دِينِهِمْ، وَأَنْ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ رَسُولُهُ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَقُولُوا ثَلَاثَةً، وَقَالَ: انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ  وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِمْ فِي الْمَسِيحِ أَنَّهُ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، مِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ فَنَزَّهَ نَفْسَهُ وَعَظَّمَهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ كَمَا تَقُولُهُ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [النساء:171] فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ 
[النساء:172] أَيْ: لَنْ يَسْتَنْكِفُوا أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَمَعَ هَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ، هَلْ يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَلِمَتُهُ) أَنَّهُ إِلَهٌ خَالِقٌ؟ أَوْ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ؟ وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَرُوحٌ مِنْهُ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حَيَاتُهُ، أَوْ رُوحُهُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ ذَاتِهِ؟
ثُمَّ نَقُولُ أَيْضًا: أَمَّا قَوْلُهُ (وَكَلِمَتُهُ) فَقَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِـ (كُنْ) وَفِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ أَنْ يُسَمَّى الْمَفْعُولُ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، فَيُسَمَّى الْمَخْلُوقُ خَلْقًا لِقَوْلِهِ: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ، وَيُقَالُ: دِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ، أَيْ: مَضْرُوبُ الْأَمِيرِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْرًا، وَالْمَقْدُورُ قُدْرَةً وَقَدَرًا، وَالْمَعْلُومُ عِلْمًا، وَالْمَرْحُومُ بِهِ رَحْمَةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا [الأحزاب:38]
وَقَوْلُهُ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1]
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يَقُولُ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَيَقُولُ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي) وَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فَبِهَا يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ وَيَتَعَاطَفُونَ، وَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ هَذِهِ إِلَى تِلْكَ، فَرَحِمَ بِهَا الْخَلْقَ). وَيُقَالُ لِلْمَطَرِ: هَذِهِ قُدْرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَيُقَالُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ عِلْمَهُ فِيكَ، أَيْ: مَعْلُومَهُ، فَتَسْمِيَةُ الْمَخْلُوقِ بِالْكَلِمَةِ كَلِمَةً مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ "الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ" وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَنَّ النَّصَارَى الْحُلُولِيَّةَ وَالْجَهْمِيَّةَ الْمُعَطِّلَةَ اعْتَرَضُوا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، فَقَالَتِ النَّصَارَى: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْمَسِيحُ كَلِمَةُ اللَّهِ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: الْمَسِيحُ كَلِمَةُ اللَّهِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ فَيَكُونُ مَخْلُوقًا.
وَأَجَابَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: بِأَنَّ الْمَسِيحَ نَفْسَهُ لَيْسَ هُوَ كَلَامًا، فَإِنَّ الْمَسِيحَ إِنْسَانٌ وَبَشَرٌ مَوْلُودٌ مِنِ امْرَأَةٍ، وَكَلَامَ اللَّهِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ وَلَا بَشَرٍ وَلَا مَوْلُودٍ مِنِ امْرَأَةٍ، وَلَكِنَّ الْمَسِيحَ خُلِقَ بِالْكَلَامِ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ نَفْسُهُ كَلَامُ اللَّهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟
وَقَدْ قِيلَ: أَكْثَرُ اخْتِلَافِ الْعُقَلَاءِ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَسْمَاءِ، وَمَا مِنْ عَاقِلٍ إِذَا سَمِعَ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، إِلَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَسِيحَ نَفْسَهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَلَا أَنَّهُ صِفَةُ اللَّهِ وَلَا خَالِقٌ.
ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمَسِيحَ نَفْسُ الْكَلَامِ، فَالْكَلَامُ لَيْسَ بِخَالِقٍ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِخَالِقٍ

– الشيخ: لعلَّك تقف، عندك شيء؟ ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى
– القارئ: إي، "ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى" نقفُ عند هذا؟
الشيخ: نعم
القارئ: أحسنَ اللهُ إليك، بالنِّسبة للصّ، الكلام باللصّ، عن طريق الأخ محمَّد جزاه اللهُ خيراً، اللُّغة، اللِّصّ في اللُّغة، اللَّصُّ: فعلُ الشَّيء في سترٍ، وإغلاق الباب وإطباقه، والسَّارق، ويُثَلَّثُ، لصوص وألصاص، وهي لَص
الشيخ: بس [يكفي] ما جاب لنا [أتى لنا] شيئًا يناسبُ، ما جاءتْ كلمةٌ تناسبُ السِّياق "بينَ لصّين"
القارئ: يعني: كأن أحسن الله إليك، بين شخصين ماسكينه؟
الشيخ: [….] هذا صلبٌ، هو مصلوبٌ، كأنَّه صلب يصير بين مشدود على خشبة
طالب: ما يكون المراد شيخنا: إلصاقُه بجانبي الخشبةِ والباب
الشيخ: والله ما ندري، أقولُ: بينَ شيئين، بس [فقط] أردنا نعرف معنى الكلمة، والا السِّياق واضحٌ أنَّه هو يبي [يريد] يُعذَّب ويبي يُضرَب ويبي، لابدَّ يكون مشدودا على شيء.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة