بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الثّالث والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ شيخُ الإسلامِ موفقُ الدين ابنُ قدامةَ -رحمه الله تعالى- في "روضة الناظر":
الأصلُ الثاني مِن الأدلةِ: سُنَّةُ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-
– الشيخ: الله أكبر، أصولُ الأدلَّةِ: الكتابُ والسنةُ والإجماعُ، هذه أصولُ الأدلة المتفَق عليها.
ثم تأتي أصول أخرى: كالقياسِ، وقولِ الصحابي وكذا وكذا والاستصحابِ.
فهو الآنَ في عرضِ الأدلَّةِ يقولُ: الأصلُ الثاني من أصول الأدلَّة: السُّنة، فالسُّنة شقيقةُ القرآن، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء:113] الكتابُ والحكمةُ، وهي داخلةٌ في قوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ… فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] يومَ كانَ الرسولُ حيَّاً يُرَدُّ إليه، وبعدَ وفاة الرسول الردُّ إلى ماذا؟ إلى سنتِه الموروثَة المحفوظَةِ. نعم الأصل الثاني..
– القارئ: الأصلُ الثاني مِن الأدلةِ: سُنَّةُ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-. قولُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حُجَّةٌ؛ لِدَلالةِ المعجزةِ على صدقِهِ.
– الشيخ: أيش يقول؟ قول الرسول حجةٌ؟
– القارئ: لدلالةِ المعجزةِ على صدقِهِ، وأمرُ اللهُ -سبحانه- بطاعتِهِ، وتحذيرِهِ من مخالفةِ أمرِهِ.
– الشيخ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]
– القارئ: وهو دليلٌ قاطعٌ على مَن سمعَهُ
– الشيخ: وهو؟
– القارئ: وهو دليلٌ قاطعٌ على مَن سمعَهُ منْه شِفاهًا، فأمَّا مَن بلغَه بالأخبارِ عنه: فينقسمُ في حقِّهِ قسمينِ: تواترًا وآحادًا.
وألفاظُ الروايةِ في نقلِ الأخبارِ خمسةٌ
– الشيخ: الله أكبر الله أكبر، الصحابةُ سمعُوا أقوالَ الرسول بأنفسِهم خلاص، يعني: ما يحتاجونَ إلى بحثٍ في ثبوتِ الدليلِ، سمعُوه من مصدرِه. أمَّا مَن نُقِلَ إليه بطريقِ الروايةِ فهذا هو الذي يَختلفُ.
والأخبارُ المنقولةُ -يعني المعروفُ عند أهلِ الأصولِ وأهلِ الحديثِ- نوعانِ: متواترٌ وغيرُ متواتر. الأخبارُ المأثورة.
وهذا لا يَختصُّ أيضاً بأخبارِ الرسولِ -عليه الصلاة والسلام- هذا شاملٌ الأخبار، الأخبار العامة، الأخبارُ عن الناس منها ما هو متواترٌ ومنه ما ليس بمتواترٍ.
ثمَّ غيرُ المتواترِ على مراتبَ، كما قَسَّمَ أهلُ الحديثِ أنَّ الآحادَ منها: المشهورُ والعزيزُ والآحادُ، وهو ما رواهُ واحدٌ، فالمتواترُ كما يقولونَ يُفيدُ العلمَ، يعني القطعَ، والآحادُ الأصلُ أنه يفيدُ الظَّنَ، لكن ليسَ معنى أنه يفيد الظنَّ أنه لا يُعمَلُ به، لكنَّهُ لا يُفيدُ القطعَ كالمتواترِ وكالشيءِ الـمـُشاهَد المحسوسِ، نعم تفضل.
– القارئ: وألفاظُ الروايةِ في نقلِ الأخبارِ خمسةٌ: فأقواهَا
– الشيخ: يعني :كأنه يريد صيغُ التَّحمُّل.. سمعتُ وحدثني وحدثنا وأخبرنا، ألفاظ أيش يقول؟
– القارئ: وألفاظُ الروايةِ في نقلِ الأخبارِ خمسةٌ:
فأقواهَا: أنْ يقولَ سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أو أخبرني، أو حدَّثني، أو شافَهَني.
– الشيخ: وهكذا الرواةُ بعضُهم مع بعضٍ، الذي يقولُ سمعتُ ابنَ عمرَ -رضي الله عنهما-، سمعتُ ابن عباس، هكذا يعني الصِّيغ التي تَرِدُ في النقلِ المباشرِ عن الرسولِ وفي النقلِ عمَّن بعده، صيغ الأخبار هكذا، نعم فأقواها.
– القارئ: فأقواهَا: أنْ يقولَ سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أو أخبرني، أو حدَّثني، أو شافَهَني.
فهذا لا يَتطرَّقُ إليه الاحتمالُ، وهو الأصلُ في الروايةِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: (نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي، فَوَعَاهَا، فَأَدَّاهَا كمَا سَمِعَهَا) الحديث.
الرتبةُ الثانيةُ: أنْ يقولَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كذا، فهذا ظاهرهُ النقلِ، وليسَ نصًّا صريحًا؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ قدْ سمعَه مِن غيرِه عنه، كما روى أبو هريرةُ -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قالَ: (مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا، فَلَا صَوْمَ لَهُ). فلما استُكشفَ قالَ: حدَّثني الفَضلُ بن عباسٍ.
وروى ابنُ عباسٍ قولَه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ). فلمَّا رُوجعَ أخبرَ أنه سمعَه من أسامةَ بنِ زيدٍ.
فهذا حكمُه
– الشيخ: وهذا كثيرٌ، كثيرٌ، ويسمُّونه: مرسلُ صحابي، كثيرٌ من الأحاديثِ هي من روايةِ الصحابةِ بعضِهم عن بعضٍ.
– القارئ: فلمَّا رُوجعَ أخبرَ أنه سمعَه من أسامةَ بنِ زيدٍ.
فهذا حكمُه حكمُ القِسمِ الذي قبلَه؛ لأنَّ قولَه ذلكَ يُوهِمُ السَّماعَ، فلا يُقْدِمُ عليه إلا عَن سماعٍ، بخلافِ غيرِ الصحابيّ.
ولهذا اتفقَ السَّلفُ على قبولِ الأخبارِ، معَ أنَّ أكثرَها هكذا.
ولو قُدِّرَ أنَّه مرسلٌ فمرسلُ الصحابةِ حجةٌ على ما سيأتي.
الرتبةُ الثالثةُ: أنْ يقولَ الصحابيُّ: أمرَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بكذا، أو نهى عَنْ كذا. فيتطرقُ إليه احتمالانِ:
أحدُهما: في سماعِه، كما في قولِه.
والثاني: في الأمرِ؛ إذْ قدْ يَرى ما ليسَ بأمرٍ أمرًا؛ لاختلافِ الناسِ فيهِ، حتى قالَ بعضُ أهلِ الظاهرِ: لا حجةَ فيهِ ما لمْ يَنقلِ اللفظَ.
والصحيحُ: أنَّه لا يُظنُّ بالصحابيِّ إطلاقُ ذلكَ إلا إذا علمَ أنَّهُ أمرٌ.
وأمَّا احتمالُ الغلطِ: فلا يحملُ عليه أمرُ الصحابةِ -رضي الله عنهم- إذ يجبُ حملُ ظاهرِ قولِهم وفعلِهم على السلامةِ مهمَا أمكنَ.
ولهذا لو قالَ
– الشيخ: يعني فقوله: "أمرَ رسولُ اللهِ" يُشبه قولَه: "قالَ رسولُ اللهِ"، يشبهُه.
– القارئ: ولهذا لو قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أو شَرَطَ شَرْطًا أو وَقَّتَ وَقتًا، فَيَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ.
ثمَّ هذا إنَّما يَستقيمُ لو كانَ الخلافُ في الأمرِ مبنيًّا على اختلافِ الصحابةِ فيهِ، ولمْ يثبتْ ذلكَ.
– الشيخ: أعد، أعد أيش؟
– القارئ: ثمَّ هذا إنَّما يَستقيمُ لو كانَ، -يعني الاعتراض أحسن الله إليكم- ثمَّ هذا إنَّما يَستقيمُ لو كانَ الخلافُ في الأمرِ مبنيًّا على اختلافِ الصحابةِ فيهِ،
– الشيخ: في معنى الأمر، كلهم يعرفون أَمْر، أَمْر، يعني: افعلوا، أو افعل، نعم يعرفون الأمرُ لغةً.
– القارئ: على اختلافِ الصحابةِ فيهِ، ولمْ يثبتْ ذلكَ.
والظاهرُ: أنَّهُ لمْ يكنْ بينهمْ فيهِ اختلافٌ؛ إذْ لو كانَ لنُقِلَ، كما نُقِلَ اختلافُهم في الأحكامِ، وأقوالُهم في الحلالِ والحرامِ.
وليسَ مِن ضرورةِ الاختلافِ في زمانِنا أنْ يكونَ مبنيًّا على اختلافِهم، كما أنَّهم اختلفُوا في الأصولِ، وفي كثيرٍ مِن الفروعِ، معَ عدمِ اختلافِ الصحابةِ فيهِ، فإذا قالَ الصحابيُّ: أمرَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أو نهى، لا يكونُ إلا بعدَ سماعِهِ ما هوَ أمرٌ حقيقةً.
الرتبةُ الرابعةُ: أنْ
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، حسبُك .