الرئيسية/شروحات الكتب/روضة الناظر وجنة المناظر/(44) تتمة فصل في ألفاظ الرواية – فصل في حد الخبر وأقسامه
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(44) تتمة فصل في ألفاظ الرواية – فصل في حد الخبر وأقسامه

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الرّابع والأربعون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ شيخُ الإسلامِ موفَّقُ الدينِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في روضةِ النَّاظرِ في تتمَّةِ كلامِهِ على صيغِ الأداءِ بعدَ أنْ ذكرَ المرتبةَ الأولى وهيَ: سمعْتُ، والثَّانيةُ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، ثمَّ ذكرَ المرتبةَ الثَّالثةَ: أنْ يقولَ الصَّحابيُّ: أمرَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بكذا قالَ:
الرابعةُ: أنْ يقولَ: "أمرَنا بكذا" أو "نهانا"

– الشيخ: أمرَنا كذا
– القارئ: نعم -أحسنَ اللهُ إليكَ- هكذا ضبطَها
– الشيخ: لا حول ولا قوَّة إلَّا باللهِ، ما ترتَّبتْ مرتبةٌ فيها كذا أمرَنا، الثالثة
– القارئ: الثَّانيةُ: أنْ يقولَ: أمرَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يصرِّحُ بالرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لكن هنا..
– الشيخ: لا هذه الأشبهُ كأنَّه: أُمِرْنا
– القارئ: ونهانا اللي بعدها ونهانا
– الشيخ: ولو، ونُهِيْنا، أُمِرْنا، ما في أحدٌ يقولُ: أمرَنا، بس كذا، لا بدّ أنْ يقولَ أمرَنا رسولُ اللهِ، ما يجي، هي الصيغةُ اللي فيها الكلام أُمِرْنا؛ لأنَّه مبنيٌّ للمفعولِ من الآمرِ؟ فهذه يقولون فيها: إنَّ لها حكمُ الرفعِ أمّا أمرَنا فما تنصرفُ يعني هي نفسُها الأولى هي نفسُها المرتبةُ هي الثالثةُ عندك
– القارئ: هذهِ الرَّابعةُ، والَّتي قبلَها أمرَنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-
– الشيخ: اتركْ "أمرَنا رسولُ اللهِ" هذه صريحةٌ
– القارئ: هذهِ الرَّابعةُ الآنَ
– الشيخ: طيِّب اللي بعدها
– القارئ: اللي بعدَها الخامسةُ ستأتي، كنَّا نفعلُ
– الشيخ: لا لا، هذه اللي نحن فيها أُمِرْنا ونُهِيْنا، أَمرَنا فيها رسولُ اللهِ
– القارئ: لا
– الشيخ: لا هي أُمِرْنا ونُهِيْنا
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، أنْ يقولَ: "أُمِرْنَا" و "نُهِيْنا" بكذا فيتطرَّقُ إليهِ مِن الاحتمالاتِ ما مضى، واحتمالٌ آخرُ: وهو أنْ يكونَ
– الشيخ: يتطرَّقُ إليهِ
– القارئ: مِن الاحتمالاتِ ما مضى.
هو لمَّا تكلَّمَ عن المرتبةِ الثَّالثةِ: أنْ يقولَ الصَّحابيُّ: أمرَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قالَ: فيتطرَّقُ إليهِ احتمالانِ:
أحدُهما: في سماعِهِ، كما في قولِهِ: [قالَ]
والثَّاني: في الأمرِ، إذْ قد يرى ما ليسَ بأمرٍ أمرًا.

– الشيخ: هذا شيءٌ آخرُ، المهمُّ أنَّه يتطرَّقُ عندَهم احتمالان لكن ما صرَّح بالاحتمالين، يعني يتطرَّقُ إلى أنَّ الآمرَ هو الرسولُ أو غيرُه، كالخليفة أبو بكر عمر، أُمِرْنا، نعم، فيتطرَّقُ إليهِ
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، فيتطرَّقُ إليهِ مِن الاحتمالاتِ ما مضى، واحتمالٌ آخرُ: وهوَ أنْ يكونَ الآمرُ غيرَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مِن الأئمةِ والعلماءِ
– الشيخ: من الأئمةِ والعلماءِ "أُمِرْنا"
– القارئ: وذهبَتْ طائفةٌ إلى أنَّهُ لا يُحتَجُّ بهِ، لهذا الاحتمالِ. وذهبَ الأكثرونَ إلى أنَّهُ لا يُحمَلُ إلَّا على أمرِ اللهِ وأمرِ رسولِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-
– الشيخ: لذلكَ قالوا: له حكمُ الرفعِ، هذه من الصيغِ الَّتي لها حكمُ الرفعِ مثل من السُّنَّةِ
– القارئ: لأنَّهُ يريدُ بهِ إثباتَ شرعٍ، وإقامةَ حجَّةٍ، فلا يُحمَلُ على قولِ مَن لا يُحتَجُّ بقولِهِ
وفي معناهُ: قولُهُ: "مِن السُّنَّةِ كذا" و"السُّنَّةُ جاريةٌ بكذا"
فالظَّاهرُ: أنَّهُ لا يريدُ إلَّا سنَّةَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- دونَ سنَّةِ غيرِهِ، ممَّن لا تجبُ طاعتُهُ.
ولا فرقَ بينَ قولِ الصَّحابيِّ ذلكَ في حياةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أو بعدَ موتِهِ.
وقولُ التَّابعيِّ والصَّحابيِّ في ذلكَ سواءٌ، إلَّا أنَّ الاحتمالَ في قولِ التَّابعيِّ أظهرُ.
الرُّتبةُ الخامسةُ: أنْ يقولَ: كنَّا نفعلُ، أو كانُوا يفعلونَ، فمتى أُضيفَ إلى زمنِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فهوَ دليلٌ على جوازِهِ؛ لأنَّ ذكرَهُ ذلكَ في معرضِ الحجَّةِ يدلُّ على أنَّهُ أرادَ ما علمَهُ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فسكتَ عنهُ؛ ليكونَ دليلًا مثلُ قولِ ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهما-: "كنَّا نفاضلُ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فنقولُ: أبو بكرٍ ثمَّ عمرُ، ثمَّ عثمانُ، فيبلغُ ذلكَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فلا ينكرُهُ" وقالَ: "كنَّا نُخابِرُ أربعينَ سنةً

– الشيخ: لا إله إلَّا الله، يعني من المخابرةِ وهي المزارعةُ، كنَّا نخابرُ أربعينَ سنةً. في تخريج عندك؟
– القارئ: قالَ: رواهُ مسلمٌ وأبو داودَ وغيرُهما وحكاهُ في المستصفى بلفظِ: (كنَّا نخابرُ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-)
– الشيخ: بعده
– القارئ: وقالَتْ عائشةُ: "كانُوا لا يقطعونَ في الشَّيءِ التَّافهِ"
– الشيخ: نعم كانوا
– القارئ: نعم، كانوا لا يقطعونَ السَّارقَ، "كانُوا لا يقطعونَ في الشَّيءِ التَّافهِ"
– الشيخ: التافه؟
– القارئ: التَّافهِ، نعم أحسنَ اللهُ إليكم.
فإنْ قالَ الصَّحابيُّ: كانُوا يفعلونَ: فقالَ أبو الخطَّابِ: يكونُ نقلًا للإجماعِ؛ لتناولِ اللَّفظِ إيَّاهُ.
وقالَ بعضُ أصحابِ الشَّافعيِّ: لا يدلُّ ذلكَ على فعلِ الجميعِ، ما لم يُصرَّحْ بنقلِهِ عن أهلِ الإجماعِ.
قالَ أبو الخطَّابِ: وإذا قالَ الصَّحابيُّ: "هذا الخبرُ منسوخٌ" وجبَ قبولُ قولِهِ، ولو فسَّرَهُ بتفسيرٍ وجبَ الرجوعُ إلى تفسيرِهِ.
فصلٌ:
وحدُّ الخبرِ: هوَ الَّذي يتطرَّقُ إليهِ التَّصديقُ أو التَّكذيبُ.
وهوَ قسمانِ: تواترٌ وآحادٌ

– الشيخ: لا إله إلَّا الله، انتقلَ من الكلامِ في صيغِ نقلِ الخبرِ إلى تعريفِ الخبرِ إلى تعريفِ الخبرِ، والكلامُ قسمانِ: خبرٌ وطلبٌ، أو خبرٌ وإنشاءٌ، وهذا مشهورٌ عندَ أهلِ اللغةِ، وهكذا عندَ المحدثين الخبرُ معروفٌ أنَّه يحتملُ الصدقَ والكذبَ، وهو الَّذي يُقالُ لناقلِه: صدقْتَ أو كذبْتَ، فرقٌ بينَ جملة "قمْ" وبينَ جملةِ "زيدٌ قائمٌ" زيدٌ قائمٌ هذا خبرٌ يعني ممكن نقولُ نسبةُ القيامِ إلى زيدٍ يحتملُ الصدقَ والكذبَ، وأمَّا الطلبُ لا يحتملُ "قمْ، اذهبْ" هذا ما فيه لا يقالُ لمن قالَ: قمْ أو اذهبْ. صدقْتَ أو كذبْتَ، نعم، قالَ والخبرُ..

– القارئ: فصلٌ:
وحدُّ الخبرِ: هوَ الَّذي يتطرَّقُ إليهِ التَّصديقُ أو التَّكذيبُ. وهوَ قسمانِ

– الشيخ: يتطرَّقُ إليه التصديقُ يعني يحتملُ الصدقَ والكذبَ، فيتطرَّقُ التصديقُ لناقلِه أو التكذيبُ لناقلِه
– القارئ: وهوَ قسمانِ: تواترٌ وآحادٌ.
فالمتواترُ يفيدُ العلمَ، ويجبُ تصديقُهُ، وإنْ لم يدلَّ عليهِ دليلٌ آخرُ، وليسَ في الأخبارِ ما يُعلَمُ صدقُهُ بمجرَّدِهِ إلَّا المُتواترُ

– الشيخ: ما يُعلَمُ يعني: ما يُقطَعُ إلَّا خبرُ الآحادِ يعني، خبرُ الآحادِ صحيحٌ أنَّه حجَّةٌ ولو لم يُفدْ القطعَ لكن مع أنَّه قد يفيدُ القطعَ بالقرائنِ وقد يفيدُ العلمَ بالقرائنِ يقولُ الحافظُ ابن حجرٍ في النخبةِ
– القارئ: وليسَ في الأخبارِ ما يُعلَمُ صدقُهُ بمجرَّدِهِ إلَّا المُتواترُ، وما عداهُ إنَّما يُعلَمُ صدقُهُ بدليلٍ آخرَ يدلُّ عليهِ سوى نفسِ الخبرِ، خلافًا للسَّمنيَّةِ، فإنَّهم حصرُوا العلمَ في الحواسِ، وهوَ باطلٌ، فإنَّنا نعلمُ استحالةَ كونِ الألفِ أقلُّ مِن الواحدِ، واستحالةَ اجتماعِ الضِّدَّينِ.
– الشيخ: هذه الأحكامُ العقليَّةُ، السمنيَّةُ الَّذين يقولون: لا يحصلُ العلمُ إلَّا بالمحسوساتِ يعني ملموسٌ أو مسموعٌ أو مرئيٌّ، والشيخُ يقولُ: يُوجَدُ أشياءٌ علميَّةٌ ليسَتْ محسوسةً وهي الأحكامُ العقليَّةُ، الواحدُ نصفُ الاثنين
– القارئ: فإنَّنا نعلمُ استحالةَ كونِ الألفِ أقلُّ مِن الواحدِ، واستحالةَ اجتماعِ الضِّدَّينِ.
– الشيخ: نعلم إيش؟
القارئ: نعلمُ استحالةَ كونِ الألفِ أقلُّ مِن الواحدِ، واستحالةَ اجتماعِ الضِّدَّينِ.
بل حصرُهم العلمَ في الحواسِ -على زعمِهم- معلومٌ لهم، وليسَ مدركًا بالحواسِ، ثمَّ لا يستريبُ عاقلٌ في أنَّ في الدُّنيا بلدةٌ تُسمَّى "مكَّةَ" ولا نشكُّ في وجودِ الأنبياءِ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ-، بل في وجودِ الأئمةِ الأربعةِ ونحوِ ذلكَ.
فإنْ قيلَ: لو كانَ معلوماً -ضرورةً- لما خالفْناكم؟
قلْنا: إنَّما يخالفُ في هذا معاندٌ يخالفُ بلسانِهِ، معَ معرفتِهِ فسادُ قولِهِ، أو مَن في عقلِهِ خبْطٌ.
ولا يصدرُ إنكارُ هذا مِن عددٍ كثيرٍ يستحيلُ عنادُهم.
ثمَّ لو تركْنا ما علمْناهُ لمُخالفتِكم لزمَنا تركُ المحسوساتِ، لمخالفةِ السُّوفسطائيَّةِ.
فصلٌ

– الشيخ: نعم يا محمَّد، اللهُ المستعانُ.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله