الرئيسية/شروحات الكتب/روضة الناظر وجنة المناظر/(50) فصل في التعبد بخبر الواحد سمعًا قوله “فإن قيل لعلهم عملوا بأسباب قارنت هذه الأخبار”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(50) فصل في التعبد بخبر الواحد سمعًا قوله “فإن قيل لعلهم عملوا بأسباب قارنت هذه الأخبار”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الخمسون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ شيخُ الإسلامِ موفَّقُ الدينِ ابنُ قدامةَ–رحمَه الله تعالى- في روضةِ الناظرِ في تتمَّة كلامِه على أخبارِ الآحادِ:
فإنْ قيلَ: فقدْ تركوا العملَ بأخبارٍ كثيرةٍ، فلمْ يَقبلِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- خبرَ ذيْ اليدينِ، ولمْ يقبلْ أبو بكرٍ-رضي الله عنه- خبرَ المغيرة وحدَه في ميراثِ الجدةِ، وعمرُ لمْ يقبلْ خبرَ أبي موسى في الاستئذانِ، ولا خبرَ فاطمةَ بنتَ قيسٍ في السُّكنى والنَّفقة. وعليٌّ..

– الشيخ: يعني: في شأن السُّكنى والنفقة، لا في إثبات السُّكنى والنفقة. في شأن السُّكنى والنفقة، فأن حديث فاطمة بنت قيس فيه: أنه لا سُكنى لها ولا نفقة، وعمر يظهر أنه يرى السُّكنى، لقوله -تعالى-: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم [الطلاق:6]
– القارئ: وعليٌّ-رضي الله عنه- كانَ لا يَقبلُ الخبرَ حتى يستحلفَ، وردَّ عليٌّ خبرَ مَعقلِ بنِ سِنان الأشجعيّ في بَرْوَع، وَرَدَّتْ عائشةُ خبرَ ابنِ عمرَ في تعذيبِ الميِّتِ ببكاءِ أهلِهِ عليهِ.
قلنَا الجوابُ مِن وجهينِ:
أحدُهما: أنَّ هذا حجةٌ عليهمْ، فإنَّهم قدْ قبلُوا الأخبارَ التي توقَّفوا عنْها بموافقةِ غيرِ الراويْ لَه ولمْ يَبلغْ بذلكَ رتبةَ التواترِ ولا خرجَ عَن رتبةِ الآحادِ إلى رتبةِ التواترِ

– الشيخ: من وجهين، الوجه الأول أيش؟
القارئ: أحدُهما: أنَّ هذا حجةٌ عليهمْ، فإنَّهم قدْ قبلُوا الأخبارَ التي توقَّفوا عنْها بموافقةِ غيرِ الراوي لَه ولمْ يَبلغْ.
– الشيخ: فإنَّهم
– القارئ: قبلُوا الأخبارَ التي توقَّفوا عنْها بموافقةِ غيرِ الراويْ لَه.
– الشيخ: وروايةُ واحدٍ تأييدٌ لآخر، لا […] الخبرُ متواتراً، كون المغيرة أخبرَ أنَّ الرسولَ أعطى الجدَّةَ ثمَّ شَهِدَ لَه. هلْ خرجَ عن نوعِ الآحادِ إلى التواترِ؟ لا، ما خرجَ. هو أخبرَ، هي من قَبيلِ الآحاد، خبرُ الاثنينِ أو الثلاثةِ ما لمْ يبلغْ حدَّ التواترِ هو آحاد.
– القارئ: يقول: أنَّ هذا حجةٌ عليهمْ فإنَّهم قدْ قبلُوا الأخبارَ التي توقَّفوا عنْها بموافقةِ
– الشيخ: يعني نفسُ الصحابة اللي أُشيرَ إليهم.
– القارئ: بموافقةِ غير الراويْ لَه ولمْ يبلغْ بذلكَ رتبةَ التواترِ، ولا خرجَ عَن رتبةِ الآحادِ إلى رتبةِ التواترِ. والثاني: أنَّ توقفَهم كانَ لـِمعانٍ مخصصةٍ بهمْ فتوَقُّفُ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في خَبرِ ذِيْ اليدينِ؛ لِيُعَلِّمَهُمْ أنَّ هذا الحكمَ لا يُؤخَذُ فيه بقولِ الواحدِ. وأمَّا أبو بكر..
– الشيخ: يعني مثلُ هذا لا يُؤخَذ بِه. يعني مثل ناس صلّوا جماعة ثم واحد خرجَ من بينِهم يقول: إنَّ صلاتَكم ناقصةٌ، وهمْ كلُّهم ما قالوا شيء. لا بدَّ من التَّثَبُّتِ، يعني هذه حالة. ولهذا قالَ: (أَحَقٌّ مَا يقولُ ذو اليَدَيْنِ؟) فلو أنَّهم قالوا: لا، لمْ يلتفتْ إلى قولـِه، ولمْ يعملْ به. هذه حالاتٌ خاصّةٌ في بعضِ الأحيانِ يُتَوَقَّفُ عن خبرِ الواحدِ.

– القارئ: وأمَّا أبو بكر -رضي الله عنه- فلم يَرُدَّ خبرَ المغيرةَ وإنَّما طلبَ الاستظهارِ بقولِ آخر.
– الشيخ: إي واللهِ، شهادةُ اثنين أفضلُ، يعندنا لو لمْ يأتِ محمدُ بن مَسْلَمَة ويشهد للمغيرةِ، يعني فهذا عندنا أن أبا بكر -رضي الله عنه- لنْ يعمل بِه؟ ما عندنا. لكن لا مانعَ من أنَّ الحاكمَ والقاضي يَطلبُ المزيدَ من البيِّنة؛ للتقويّة.
– القارئ: وليسَ فيهِ ما يدلُّ على أنَّهُ لا يَقبلُ قولَهُ لو انفردَ.
– الشيخ: يعني ولو لمْ يشهدْ به محمدُ بن مَسْلَمَة، ما عندنا.
– القارئ: وأمَّا عمرُ-رضي الله عنه- فإنَّه كانَ يفعلُ ذلكَ سياسةً؛ لِيَتَثَبَّتَ الناسُ في روايةِ الحديثِ، وقدْ صَرَّحَ بِهِ فقالَ: "إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، ولكنِّي خَشيتُ أنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ على رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-"، وعائشةُ لم تَرُدَّ خبرَ ابنِ عمرَ وإنَّما تَأَوَّلَتْهُ.
 الدليلُ الثاني: مَا تَواتَرَ مِن إنفاذِ

– الشيخ: "تَأَوَّلَتْهُ" بمعنى: هي مُصَدِّقةٌ لابنِ عمرَ لكن تَأَوَّلَتْهُ على معنىً غيرِ ما يفهمُه بعضُ الناسِ: (انَّ الميِّتَ يُعذَّبُ ببكاءِ أهلِهِ عليهِ)؛ لأنَّها ذكرتْ قولَه -تعالى-: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] .

– القارئ: الدليلُ الثاني في قبولٍ خبرِ الآحاد:
الدليلُ الثاني: مَا تَواتَرَ مِن إنفاذ ِرسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-أمراءَه ورسلَه وقضاتَه وسُعاتَه إلى الأطرافِ؛ لتبليغِ الأحكامِ والقضاءِ وأخذِ الصدقاتِ وتبليغِ الرسالةِ، ومِن المعلومِ أنَّه كانَ يجبُ عليهِم تلقِّي ذلكَ بالقبولِ؛ ليكونَ مُفيدًا، والنَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم- مأمورٌ بتبليغِ الرسالةِ، ولمْ يكنْ لِيُبَلِّغَهُم بِمَنْ لا يُكْتَفَى به.
 دليلٌ ثالثٌ: أنَّ الإجماعَ انعقدَ على..

– الشيخ: هذا يسمُّونَه دليلُ الاستقراءِ يعني: بالتَّتَبُّعِ وجدْنا أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يَعتمدُ خبرَ الواحد بما يُرسلُه من الرسلِ بالكتبِ وبغير الكتب، يُرسِلُهم وهم آحادٌ.
فمجموعُ هذه الأدلَّة يُوجِب القطعَ بأنَّ خبرَ الواحدِ مُفيدٌ وأنه حُجَّةٌ؛ لأنَّ شواهدَ هذا المعنى متعددةٌ من هَديِّ الرسولِ-عليه الصلاة والسلام- في دعوتِه وفي أحكامِه. 

– القارئ: دليلٌ ثالثٌ: أنَّ الإجماعَ انعقدَ على وجوبِ قبولِ قولِ المفتي فيمَا يُخبِرُ بِه عَن ظَنِّهِ، فما يُخبِرُ بِه عَن السَّماعِ الذي لا يَشُكُ فيهِ أولى، فإنَّ تَطَرُّقَ الغَلَطِ إلى المُفتي كَتَطَرُّقِ الغَلَطِ إلى الراوي إنْ كان َمُجتهدًا، وإنْ كانَ مُصيبًا فإنَّما يكونُ مُصيبًا إذا لمْ يُفرِّطْ، وربَّما ظَنَّ أنَّهُ لمْ يُفَرِّطْ ويكونُ قَدْ فَرَّطَ، وهذا عندَ مَن يُجَوِّزُ تقليدَ مُقَلِّدِ بعضِ الأئمةِ أولى، فإنَّهُ إذا جازَ أنْ يرويَ مذهبَ غيرِه، لِمَ لا يجوزُ أنْ يرويَ قولَ غيرِه؟
فإنْ قيلَ: هذا قياسٌ لا يفيدُ إلا الظنَّ، وخبرُ الواحدِ أصلٌ لا يثبتُ بالظنِّ، ثمَّ الفرقُ بينهُما: أنَّ هذا حالُ ضرورةٍ، فإنَّا لو كلَّفْنَا كلَّ أحدٍ الاجتهادَ تَعَذَّرَ.
قلنا: لا نُسَلِّمُ أنَّهُ مظنونٌ، بلْ هوَ مَقطوعٌ بأنَّه في معناهُ، فإنَّا إذا قَطَعْنَا بخبرِ الواحدِ في البيعِ قَطَعْنَا بِه في النكاحِ، ولمْ يختلفْ باختلافِ المرويِّ فيهِ، ولمْ يَختلِفْ ها هنا إلا المرويُّ عنْه فإنَّ هذا يَروي عَن ظَنِّهِ وهذا يَروي عَن غيرِه.
وقولُهم: إنَّه يُفضي إلى تَعَذُّرِ الأحكامِ، ليسَ كذلكَ: فإنَّ العاميَّ يرجعُ إلى البراءةِ الأصليةِ واستصحابِ الحالِ كمَا قُلتُم في المجتهدِ إذا لمْ يجدْ قَطعًا.

فصلٌ: وذهبَ الجبائيُّ إلى أنَّ خبرَ الواحدِ إنَّما يُقبَلُ..
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله..
– القارئ: إلى أنَّ خبرَ الواحدِ إنَّما يُقبَلُ إذا رواهُ عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- اثنانِ، ثمَّ يرويهِ عن كلِّ واحدٍ منهما اثنانِ إلى أنَّ
– الشيخ: هذا يسمّونه في من اشترطَ في القبول أن يكونَ عزيزاً، الآحادُ ثلاثةُ أنواعٍ: غريبٌ وهو الفرد، وعزيزٌ ومشهورٌ، فالفردُ هو ما جاءَ من طريقٍ واحدٍ، والعزيزُ ما جاءَ من طريقين في كلِّ الطبقات، اثنين عن اثنين عن اثنين إلى النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو رواه واحدٌ من الصحابة ما يكفي، فهذا يعني معنى مذهب الجبائيّ، والمشهورُ هو ما زادَ عن اثنين، ما جاءَ عن ثلاثة طرقٍ فأكثر، ما لم يبلغْ حدَّ التواترِ.
– القارئ: ثمَّ يرويهِ عن كلِّ واحدٍ منهما اثنانِ إلى أنْ يصيرَ في زمانِنا إلى حدٍّ يتعذَّرُ معَهُ إثباتُ حديثٍ أصلًا، وقاسَهُ على الشَّهادةِ.
وهذا باطلٌ بما ذكرْناهُ مِن الدَّليلِ على قبولِ خبرِ الواحدِ. ولا يصحُّ قياسُهُ على الشَّهادةِ؛ فإنَّ الرِّوايةَ تخالفُ الشَّهادةِ في أشياءٍ كثيرةٍ، وكذلكَ لا تُعتبَرُ في الرِّوايةِ في الزِّنا أربعةٌ، كما يُعتبَرُ ذلكَ في الشَّهادةِ فيهِ.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله