بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الحادي والخمسون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الإمامُ موفَّقُ الدِّينِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "روضةِ النَّاظرِ":
فصلٌ:
ويُعتبَرُ في الرَّاوي المقبولِ روايتُهُ أربعةُ شروطٍ: الإسلامُ، والتَّكليفُ، والعدالةُ، والضَّبطُ.
أمَّا الإسلامُ: فلا خلافَ في اعتبارِهِ؛ فإنَّ الكافرَ متَّهمٌ في الدِّينَ. فإنْ قيلَ: هذا يتَّجهُ في كافرٍ لا يؤمنُ بنبيِّنا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إذْ لا يليقُ بالسِّياسةِ تحكيمُهُ في دينٍ لا يعتقدُ تعظيمَهُ.
أمَّا الكافرُ المتأوِّلُ: فإنَّهُ معظِّمٌ للدِّينِ، ممتنعٌ مِن..
– الشيخ: مسلمٌ، هو مسلمٌ لكنَّه وقعَ في مكفِّرٍ متأوِّلاً، مثل المعتزلة ومثل غيرهم من الَّذين نفوا أموراً ثابتةً، قطعيَّةً لكنَّهم تأوَّلوا بالشُّبهات الَّتي عرضت لهم، أمَّا الكافرُ الأصليُّ اللي ما في يعني يهوديّ نصرانيّ مشرك وثنيّ.
– القارئ: يعني الكافرُ المتأوّل تُقبَلُ، أحسنَ اللهُ إليكم؟
– الشيخ: أي
– القارئ: في النخبة قال: وأمَّا البدعةُ فبمُكفِّرٍ أو بمُفسِّقٍ، فالأوَّلُ لا يقبَلُ صاحبَها الجمهورُ
– الشيخ: الجمهورُ؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: ما يلزم أن يكونَ قولُ الجمهورِ هو دائماً… نعم محلُّ نظرٍ.
– القارئ: أمَّا الكافرُ المتأوِّلُ: فإنَّهُ معظِّمٌ للدِّينِ، يمتنعُ مِن المعصيةِ، غيرُ عالمٍ أنَّهُ كافرٌ، فلِمَ لا تُقبَلْ روايتُهُ؟ قلْنا: كلُّ كافرٍ..
– الشيخ: … بدعةُ الخوارجِ ما هي عند كثيرين مكفِّرة؟ مع ذلك منهم من رُوِيَ له في الصحيحِ.
– القارئ: قلْنا: كلُّ كافرٍ متأوِّلٍ، فاليهوديُّ -أيضًا- متأوِّلٌ؛ فإنَّ المعاندَ هوَ الَّذي يعرفُ الحقَّ بقلبِهِ ويجحدُهُ بلسانِهِ، وهذا يندرُ، بل تورُّعُ هذا مِن الكذبِ كتورُّعِ اليهوديِّ، فلا يُلتفَتُ إلى هذا، ولا يُستفادُ هذا المنصبُ بغيرِ الإسلامِ.
وقالَ أبو الخطَّابِ -في الكافرِ والفاسقِ المتأوِّلينَ-: إنْ كانَ داعيةً فلا يُقبَلُ خبرُهُ؛ فإنَّهُ لا يُؤمَنُ أنْ يضعَ حديثًا على موافقةِ هواهُ
– الشيخ: نعم هذا جيِّدٌ، التقريرُ بالداعي، الداعيةُ إلى بدعتِه وضلالتِه ومعصيتِه هذا متَّهمٌ، قال أبو الخطَّابِ..
– القارئ: وقالَ أبو الخطَّابِ -في الكافرِ والفاسِقِ المتأوِّلَينِ-: إنْ كانَ داعيةً فلا يُقبَلُ خبرُهُ؛ فإنَّهُ لا يُؤمَنُ أنْ يضعَ حديثًا على موافقةِ هواهُ، وإنْ لم يكنْ داعيةً:
فكلامُ أحمدَ -رحمَهُ اللهُ- يحتملُ الأمرَينِ: القبولُ وعدمُهُ؛ فإنَّهُ قد قالَ: "احتملُوا الحديثَ مِن المرجئةِ"
وقالَ: يُكتَبُ عن القدريِّ إذا لم يكنْ داعيةً. واستعظمَ الرِّوايةَ عن سعدٍ العوفيِّ وقالَ: هوَ جهميٌّ، امتُحِنَ فأجابَ.
واختارَ أبو الخطَّابِ: قبولَ روايةِ الفاسقِ المتأوِّلِ، لما ذكرْناهُ، وأنَّ توهُّمَ الكذبِ منهُ كتوهُّمِهِ مِن العدلِ؛ لتعظيمِهِ المعصيةَ وامتناعِهِ منها، وهوَ مذهبُ الشَّافعيِّ.
ولذلكَ كانَ السَّلفُ يروي بعضُهم عن بعضٍ، معَ اختلافِهم في المذاهبِ والأهواءِ.
والثَّاني: التَّكليفُ:
– الشيخ: الثالث؟
– القارئ: الثَّاني التَّكليفُ
– الشيخ: الشروط يعني
– القارئ: التكليفُ، من الشروطِ أحسنَ اللهُ إليكم
– الشيخ: الشروط الشروط، أنْ يكونَ مكلَّفاً، فلا تُقبَلُ روايةُ الصغيرِ، لكن إذا كانَ التحمُّلُ قبلَ التكليفِ أو التحمُّل قبلَ الإسلامِ تحمل ثمَّ الرواية بعد، ولعلَّ المؤلفَ سيذكرُ، يعني هناك بعضُ الصحابةِ روَوا أموراً عرفوها من الرسولِ قبل إسلامهم ثمَّ رووها، كحديثِ جبير بن مطعم أنَّه سمعَ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- وهو يقرأُ في المغربِ بالطور، سمعَ ذلك قبلَ أنْ يسلمَ.
– القارئ: والثَّاني: التَّكليفُ: فلا يُقبَلُ خبرُ الصَّبيِّ والمجنونِ، لكونِهِ لا
– الشيخ: أمَّا المجنونُ فلا إشكالَ أمَّا الصبيُّ، الصبيُّ المميِّزُ، أقولُ: الصبي المميِّز يختلفُ، الصبي المميِّزُ يكونُ إماماً في الصلاةِ على الصحيحِ.
– القارئ: فلا يُقبَلُ خبرُ الصَّبيِّ والمجنونِ، لكونِهِ لا يعرفُ اللهَ -تعالى- ولا يخافُهُ، ولا يلحقُهُ مأثمٌ
– الشيخ: أمَّا المجنونُ نعم، لا يعرفُ اللهَ ولا يخافُه، أمَّا الصبيُّ المميِّزُ يعرفُ اللهَ، مروا أبناءَكم بالصلاةِ، يصلّي للهِ، أمَّا الصبيُّ الَّذي لم يميِّز، ما أدري ما عندَك تحقيقٌ ولا شيءٌ؟
– القارئ: ما في تحقيق أحسنَ اللهُ إليكم، يعني ما في كلام
– الشيخ: والشيخُ السقيطُ ما عندَه كلام على هذا؟
– القارئ: ما ذكرَ شيئاً عنه
– الشيخ: … المذكِّرةُ شاملةٌ في تلخيصِ الروضةِ والتعليق عليها
– القارئ: قالَ: لا يُقبَلُ خبرُ الصَّبيِّ والمجنونِ، لكونِهِ لا يعرفُ اللهَ -تعالى- ولا يخافُهُ، ولا يلحقُهُ مأثمٌ، فالثِّقةُ بهِ أدنى مِن الثِّقةِ بقولِ الفاسقِ؛ لكونِهِ يعرفُ اللهَ -تعالى- ويخافُهُ، ويتعلَّقُ المأثمُ بهِ، ولأنَّهُ لا يقبلُ قولَهُ فيما يخبرُ بهِ عن نفسِهِ -وهوَ الإقرارُ- ففيما يخبرُ بهِ عن غيرِهِ أولى.
أمَّا ما سمعَهُ صغيرًا، ورواهُ بعدَ البلوغِ: فهوَ مقبولٌ؛ لأنَّهُ لا خللَ في سماعِهِ ولا أدائِهِ.
ولذلكَ: اتَّفقَ السَّلفُ على قبولِ أخبارِ أصاغرِ الصَّحابةِ: كابنِ عبَّاسٍ، وعبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ، وعبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، والحسنِ، والحسينِ، والنُّعمانِ بنِ بشيرٍ، ونظرائِهم -رضيَ اللهُ عنهم-.
وعلى ذلكَ درجَ السَّلفُ والخلفُ: في إحضارِهم الصِّبيانَ مجالسَ السَّماعِ، وقبولِهم لشهاداتِهم فيما سمعُوهُ قبلَ البلوغِ.
والثَّالثُ: الضَّبطُ:
فمَن لم يكنْ حالةُ السَّماعِ ممَّن يضبطُ، ليؤدِّيَ في الآخرةِ على الوجهِ، لم تحصلْ الثِّقةُ بقولِهِ.
الرَّابعُ: العدالةُ:
فلا يُقبَلُ خبرُ الفاسقِ؛ لأنَّ اللهَ -تعالى- قالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] وهذا زجرٌ عن الاعتمادِ على قبولِ الفاسقِ. ولأنَّ مَن لا يخافُ اللهَ -سبحانَهُ- خوفًا يزعُهُ عن الكذبِ لا تحصلُ الثِّقةُ بقولِهِ.
فصلٌ:
– الشيخ: إلى هنا باركَ اللهُ فيك..