(52) فصل في حكم خبر مجهول الحال

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الثاني والخمسون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ شيخُ الإسلامِ مُوَفَّقُ الدِّينِ ابنُ قدامةَ رحمَه اللهُ تعالى في روضةِ الناظرِ:
 فصلٌ:
 ولا يُقْبَلُ خبرُ مجهولِ الحالِ في هذِهِ الشُّروطِ في إحدى الروايتينِ، وهو مذهبُ الشافعيِّ، والأخرى يُقبلُ مجهولُ الحالِ في العدالةِ خاصَّةً دونَ بقيةِ الشروطِ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ ووجْهُهُ أربعةُ أدلَّةٍ: أحدُها أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قبلَ شهادةَ الأعرابيِّ برؤيةِ الهلالِ ولمْ يُعرفْ منه إلا الإسلامَ .
 الثاني: أنَّ الصحابةَ كانوا يقبلونَ روايةَ الأعرابِ والعبيدِ والنساءِ؛ لأنَّهم لم يَعْرِفُوهم بِفِسْقٍ
 الثالثُ: أنَّه لو أسلمَ ثمَّ روى أو شهدَ فإنْ قُلتم: "لا نقبلُ"، فبعيدٌ، وإنْ قلتُمْ: "نقبلُ" فلا مُسْتَنَدَ لذلكَ إلا إسلامُهم معَ عدمِ ظهورِ الفِسْقِ منهمْ، فإذا مَضَى لذلكَ زمانٌ فلا يجوزُ أنْ يُجعلَ ذلكَ مُسْتَنَدَاً لِرَدِّ روايتِهِ
 الرابعُ: أنه لو أُخبرَ بطهارةِ الماءِ أو نجاستِهِ أو أنه على طهارةِ قبل ذلكَ حتى يصلحَ للائتمامِ بِهِ، ولو أخبرَ بأنَّ هذهِ الجاريةِ المبيعةِ مُلْكهُ، أو أنَّها خاليةٌ عَن زوجٍ قُبِلَ قولُهُ حتى ينبني على ذلكَ حَلُّ الوطءِ.
 ووجهُ الروايةِ الأولى خمسةُ أمورٍ:
 أحدها: أنَّ مُسْتَنَدَ قبولِ خبرِ الواحدِ: الإجماعُ، والـمُجْمَعُ عليهِ: قبولُ روايةِ العَدْلِ، وَرَدُّ خَبَرِ الفاسقِ، والمجهولُ الحالِ ليسَ بِعَدْلٍ

– القارئ: والمجهولُ الحالِ، يعني مجهولُ الحالِ هو الذي لا يُعرَفُ بجَرحٍ ولا تعديلٍ، مجهولُ الحالِ، يعني لا يُقالُ فيه أنَّه فاسقٌ، ولا يُقالُ أنه عَدْلٌ مجهولُ الحالِ، وظاهرُ الأدلةِ مِن القرآنِ وظاهرُ الأدلةِ مِن القرآنِ اعتبارُ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2] {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ}، ومجهولُ الحالِ ما يُقالُ فيه أنه عَدْلٌ، وقالَ: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء [البقرة:282] والـمَرْضِي هو العَدْلُ، أمَّا مجهولُ الحالِ فما يُوصَفُ أنه مَرْضِيٌ ولا.. ولكن هذا يجبُ أنْ يُفرَّق بينَ القبولِ والرَّدِّ، فليسَ كلُّ مَنْ لا تُقبَلُ روايتُهُ تُردُّ روايتُهُ بل يُتوقَفُ فيها كما قيلَ في قولِه تعالى: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] يعني: تَثَبَّتُوا فغايةُ الأمرِ ما نقبلُهُ لكن نَتَثَبَّتُ. 
 

– القارئ: والمجهولُ الحالِ ليسَ بِعَدْلٍ ولا هو في معنى العَدْلِ في حصولِ الثقةِ بقولِهِ
 الثاني: أنَّ الفِسْقَ مانعٌ كالصَّبَا والكُفر فالشَّكُّ فيه كالشَّكُ في الصبا والكُفْرِ مِن غيرِ فَرقٍ.
الثالثُ: أنَّ شهادتَهُ لا تُقبل فكذلكَ روايتُهُ، وإنْ مَنَعُوا في المالِ فقدْ سَلَّمُوا في العقوباتِ، وطريقُ الثقةِ في الروايةِ والشهادةِ واحدةٌ وإنِ اختلفَا في بقيةِ الشروطِ.
 الرابعُ: أنَّ المقلِّدَ إذا شَكَّ في بلوغِ المفتي درجةَ الاجتهادِ

– الشيخ: أَيِسَ أنَّ الـمـُقلِّدَ
– القارئ: أنَّ المُقلِّدَ إذا شَكَّ في بلوغِ المفتي درجةَ الاجتهادِ لمْ يَجُزْ تقليدُهُ، بلْ قدْ سَلَّمُوا أنَّه لو شَكَّ في عدالتِهِ وفِسْقِهِ لمْ يَجُزْ تقليدُهُ، وأيُّ فرقٍ بينَ حكايتِهِ عَنْ نفسِهْ اجتهادَهُ وبينَ حكايتِهِ خبراً عَنْ غيرِهِ.
 الخامسُ: أنَّه لا يُقبلُ شهادةُ الفَرْعِ ما لمْ يُعيِّن شاهدُ الأصلِ

– الشيخ: هذا في الشهادةِ على الشهادةِ، الشهادةُ على الشهادةِ، الشاهدُ على الشاهدِ هذا فَرعٌ، يعني: واحد شهد على معاملةٍ بين اثنينِ ثمَّ إنه أخبرَ شخصاً شهدَ عندَه بالواقعِ بالمعاملةِ الفلانية بيع أو شراء أو غيرهما، فهذا الثاني هو الفرعُ، فهو يقولُ: أنا أشهدُ بانَّ فلاناً شهدَ بأنَّ الأمرَ كذا وكذا.
 

– القارئ: الخامسُ: أنَّه لا يُقبلُ شهادةُ الفَرْعِ ما لمْ يُعيِّن شاهدُ الأصلِ فلمْ يجبْ تعيينُهُ، إنْ كانَ قولُ المجهولِ مقبولاً.
فإنْ قالوا: "يجبُ تعيينُهُ؛ لعلَّ الحاكمَ يعرفُهُ بِفِسْقٍ فيَرُدَّ شهادتَهُ". قلنا: إذا كانتِ العدالةُ هِيَ الإسلامُ مِن غيرِ ظهورِ فِسْقٍ فقدْ عرفَ ذلكَ فَلِمَ يجبُ التتبُّعُ، وأمَّا قبولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قولُ الأعرابي، فإنَّ كونَهُ أعرابياً لا يمنعُ كونَهُ معلومُ العدالةِ عندَه إمَّا بخبرٍ عنهُ أو تزكيتِهِ ممن عرفَ حالَهُ، وإمَّا بوحيٍ فمَنْ سلَّمَ لكمْ أنه كانَ مجهولاً، وأمَّا الصحابةُ فإنَّما قَبِلُوا قولَ أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم وقولَ مَن عرفوا حالَهُ ممنْ هو مشهودُ العدالةِ عندَهم وحيثُ جهلُوا رَدُّوا.
 جوابٌ ثانٍ: أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم لا تُعتبرُ معرفةُ ذلكَ منهمْ؛ لأنَّه مُجمَعٌ على عدالتِهم بتزكيةِ النصِّ لهمْ بخلافِ غيرِهم، وأمَّا الحديثُ العهدِ بالإسلامِ فلا يُسَلَّمُ قبولُ قولِهِ؛ لأنَّهُ قدْ يُسَلِّمُ الكاذبُ ويبقى على طبعِهِ، وإنْ سَلَّمْنا قبولَ روايتِهِ فذلكَ لطراوةِ إسلامِهِ وقربَ عهدُهُ بالإسلامِ، وشتَّان بينَ مَن هو في طراوةِ البدايةِ وبينَ مَنْ نَشَأَ عليهِ بطولِ الأُلْفَةِ.
فإنْ قيلَ: إذا كانَتْ العدالةُ لأمرٍ باطنٍ، وأصلُهُ الخوفُ، ولا يُشاهِدُ بلْ يُستدَلُّ عليهِ بما يغلبُ على الظَّنِّ، فأصلُ ذلكَ الخوفُ دَلالةً ظاهرةً فَلْنَكْتَفِ بِه.
 قلنا: الـمـُشاهدةُ والتجربةُ دلَّتْ على أنَّ فُسَّاقَ المسلمين أكثرُ مِن عُدُولِهم فلا نشككُ أنفسَنَا فيما عرفناهُ يقينًا، ثمَّ هَلَّا اكتفى بِه في شهادةِ العقوباتِ وشاهدُ الأصلِ وحالُ المُفتي وسائرُ ما سلَّموهُ.
وأمَّا قولُ العاقدِ فهو مقبولٌ رخصةً معَ ظهورِ فِسْقِهِ لمسيسِ الحاجةِ إلى المعاملاتِ، وأمَّا الخبرُ عَن نجاسةِ الماءِ وقَلَّتِهِ فلا نُسلِّمُهُ

– الشيخ: وقُلَّته، قُلَّة يمكن على قول: (إذا بَلَغَ الـمَاءُ قُلَّتَيْنَ)
– القارئ: نعم أحسنَ الله إليك، وأمَّا الخبرُ عَن نجاسةِ الماءِ وقُلَّتِهِ فلا نُسلِّمُهُ.
فصلٌ:

– الشيخ: إلى هنا الله المستعان، على كلِّ حالٍ، أقول: مواضعُ اجتهادٍ، لكن الظاهرُ كما ذكرتُ في قبولِ وفي ردِّ، الشهادة، ثم أيضاً تفسيرٌ آخرُ كما ذُكر يعني اللهُ أرشدَ إلى اعتبارِ العدالةِ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وقوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282]
فالحالاتُ: حالةُ قبولٍ، وحالةُ توقُّفٍ، وحالةُ رَدٍّ، فالمعروفُ بالكذبِ هذا شهادتُهُ مردودةٌ، يعني ما فيها تعليق، ومجهولُ الحالِ شهادتُهُ مُعلَّقةٌ يُتَثَبَّتُ فيها، والثالثُ مَنْ عُرِفَتْ عدالتُهُ: فشهادتُهُ مقبولةٌ.

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله