بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الرّايع والخمسون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وصلَّى الله وسلمَ وبارك على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ شيخُ الإسلامِ مُوفَّقُ الدِّينِ بنُ قدامةَ رحمه الله تعالى في "روضةِ الناظرِ":
فصلٌ: في التَّعْدِيلِ.
وذلكَ: إمَّا بقولٍ، وإمَّا بالروايةِ عنه، أو بالعملِ بخبرِهِ، أو بالحكمِ بِهِ.
وأعْلَاها: صريحُ القولِ، وتمامُهُ: أنَّ يقولَ: هو عَدْلٌ، رَضِيٌّ، ويبينُ السببَ.
– الشيخ: هذا التَّعديلُ هو الذي يُسمَّى التزكيةَ، في تزكيةُ الشهودِ مثلاً، تزكيةُ، الـمُعدِّل يُزكِّي، يُزكِّيهِ، ويقول أنه رجلٌ صالحٌ، ثقةٌ، عَدْلٌ، هذا اسمُهُ: "تعديلٌ" في مصطلحِ الـمُحدثين يُسمُّونه: "تعديل"، ويقابلُهُ الجَرْحُ، ولهذا يجمعونَ بينَ الضِّدين، فيقولون: "الجرحُ والتعديلُ"، ولكلٍّ منهما أحكامٌ، والجَرْحُ لَهُ عباراتٌ، والتعديلُ له عباراتٌ، وكما ذكرَ المؤلِّفُ أعلى طُرُقِ التعديلِ هو التعديلُ بالكلامِ الواضحِ الصريحِ. نعم، أعد: وأعلاهُ: القول.
– القارئ: وأعْلَاها: صريحُ القولِ، وتمامُهُ: أنَّ يقولَ: هو عَدْلٌ، رَضِيٌّ، ويبينُ السببَ.
الثاني: أن يُروى عنْهُ. وهلْ ذلكَ تعديلٌ لَهُ؟ على روايتينِ:
والصحيحُ: أنَّه إن عُرِفَ مِن عادتِهِ، أو تصريحِ قولِهِ: أنَّه لا يَسْتجيزُ الروايةَ إلا عَن العَدْلِ، كانَتْ الروايةُ تعديلًا لَهُ، وإلَّا فَلَا؛ إذْ مِنْ عادةِ أكثرِهِم الروايةُ عمَّنْ لو كُلِّفُوا الثناءَ عليهِ لَسَكَتُوا، فليسَ فيهِ تصريحٌ بالتعديلِ.
فإنْ قيلَ: لو رَوى عَن فاسقٍ كانَ غاشًّا في الدينِ. قلنا: لمْ يُوجِبْ على غيرِهِ العملُ بِهِ، بلْ قالَ: سمعتُ فلانًا قالَ كذا، وقدْ صَدَقَ فيهِ. ثمَّ لعلَّهُ لمْ يعرفْهُ بفِسْقٍ ولا عَدالةٍ، فروى عنه وَوَكَلَ البحثَ إلى مَنْ أرادَ القبولَ.
الثالثُ: العملُ بالخبرِ، إنْ أَمْكَنَ حملُهُ على الاحتياطِ، أو العملُ بدليلٍ آخرَ وافقَ الخبرَ، فليسَ بتعديلٍ.
– الشيخ: يعني: مِن طُرقِ التعديلِ: العملُ بالخبرِ، يعني: العملُ بالخبرِ هذا عندَه أنَّهُ الراوي لَه عَدْلٌ.
– القارئ: العملُ بالخبرِ، إنْ أمكنَ حملُهُ على الاحتياطِ، أو العملُ بدليلٍ آخرَ وافقَ الخبرَ، فليسَ بتعديلٍ. وإنْ عَرَفْنَا يقينًا أنَّهُ عَمِلٌ بالخبرِ فهو تعديلٌ؛ إذْ لو عَمِلَ بخبرِ غيرِ العَدْلِ فُسِّقَ. ويكونُ حكمُ ذلكَ حكمَ التعديلِ بالقولِ مِن غيرِ ذكرِ السببِ.
الرابعُ: أنْ يحكمَ بشهادتِهِ، وذلكَ أقوى مِن تزكيتِهِ بالقولِ. أمَّا تَركُهُ الحكمَ بشهادتِهِ فليسَ بجَرْحٍ؛ إذْ قَدْ يتوقَّفُ في شهادتِهِ لأسبابٍ سِوى الجرحِ.
فصلٌ:
والذي عليهِ سَلَفُ الأمةِ وجمهورُ الخَلَفِ: أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم معلومةٌ عدالتُهُم بتعديلِ اللهِ وثنائِهِ عليهِم.
قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ [التوبة:100] قال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح:18] وقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار [الفتح:29]
وقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي..)، وقالَ: (إنَّ اللهَ اختَارَني، واختارَ لي أصحابًا وأصهارًا وأنصارًا). فأيُّ تعديلٍ أصحُّ مِن تعديلِ عَلَّامِ الغيوبِ، وتعديلِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم؟
ولو لمْ يَرِدْ لكانَ فيما اشتهرَ وتواترَ مِن حالهِم في طاعةِ اللهِ تعالى وطاعةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم وبذلِ الـمُهَجِ ما يكفي في القَطْعِ بِعدالتِهِم. وهذا يتناولُ مَن يَقَعُ عليهِ اسمُ الصحابيّ، ويحصلُ ذلكَ بصحبتِهِ ساعةً ورؤيتِهِ معَ الإيمانِ بِهِ. ويحصلُ لنا العلمُ بذلكَ بخبرِهِ عَن نفسِهِ، أو عَن غيرِهِ: أنَّهُ صَحِبَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم.
فإنْ قيلَ: قولُهُ: شهادةٌ لنفسِهِ، فكيفَ يقبلُ؟
– الشيخ: الله أكبر، هذه مسألةٌ عظيمةٌ، وهي مسألةُ عدالةِ الصحابةِ، والذي عليه جمهورُ الأُمةِ هو القولُ بعدالتِهم، وهو مذهبُ أهلِ السنةِ والجماعةِ: أنَّ الصحابةَ عُدولٌ؛ لأنَّ اللهَ زَكَّاهُم، وأثنى عليهِم، وجعلَهُم هم الواسطةُ بينَ الرسولِ وبينَ مَنْ جاءَ بعدَهُم.
ولهذا أهمُ شيءٍ ثبوتُ الصُّحبةِ، إثباتُ الصُّحبةِ؛ لأنَّ في مصادرِ وكُتُبِ التراجمِ [….] يُعتنَى بإثباتِ الصحبةِ إمَّا بخبرِ العَدْلِ عن نفسِهِ، أو بخبرِ إمامٍ ينصُّ على أنَّ فلاناً صحابيٌّ أو مِن الصحابةِ وأنه..
والصحابيُّ: مَنْ رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مُؤمنًا بِهِ، وماتَ على ذلكَ. قالَ ابنُ حَجَرٍ في النُّخبةِ: ولو تخلَّلَ ذلكَ رِدَّةٌ، في القولِ الأصحِّ، يعني: لو ارتدَّ صحابيٌّ، ثمَّ تابَ وأنابَ، رجعَتْ لَهُ فضيلةُ الصُّحبةِ. نعم فإنْ قيلَ..
– القارئ: فإنْ قيلَ: قولُهُ: شهادةٌ لنفسِهِ، فكيفَ يُقْبَلُ؟
قلنا: إنَّما هو خبرٌ عَنْ نفسِهِ بما يترتَّبُ عليهِ حكمٌ شرعيٌّ يوجِبُ العملَ، لا يَلحَقُ غيرَهُ مضرَّةً، ولا يُوجِبُ تهمةً، فهو كروايةِ الصحابيِّ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
فصلٌ: المحدودُ في القَذْفِ: إنْ كانَ
– الشيخ: حسبُكَ. نعم يا محمد.
– طالب: في بعض الأسئلة.
– الشيخ: نعم.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكمْ، قولُهُ: جمهورُ الخلفِ، قالَ: والذي عليهِ سَلَفُ الأمةِ وجمهورُ الخلف..
– الشيخ: في في من..
– القارئ: كثيرٌ مِن أهل ِالعلمِ نقلَ الإجماعَ على عدالةِ الصحابةِ حتى ذكرَ في..
– الشيخ: أنتَ تعرفُ نَقْلُ الإجماعاتِ يَعتريهِ ما يَعتريهِ، الظاهرُ بعضُ الظاهريةِ أو ابنُ حزم ٍكأنَّهُ يتوقَّفُ في هذا.
– القارئ: في "الـمُذكَّرةِ" الشنقيطيُّ قالَ: وقالَ ابنُ حجرٍ في مقدمةِ الإصابةِ: "اتفقَ أهلُ السُّنةِ على أنَّ الجميعَ عُدُولٌ ولمْ يخالفْ في ذلكَ إلا شذوذٌ مِن المبتدعةِ".
والشنقيطيُّ قالَ قبلَ ذلكَ: "وخالفَ جماعةٌ فقالوا: لا تثبتُ العدالةُ الا لخصوصِ الذين لازمُوهُ صلى الله عليه وسلم واهتدَوا بهديهِ أمَّا مَنْ رآهُ مرة
– الشيخ: قال: "جماعة" ولا عيَّنَ أحداً.
– القارئ: لا، قالَ: وممَّنْ اختارَ هذا التفصيلَ المازريُّ في شرحِ البرهانِ لإمامِ الحرمينِ، والقِرافيُّ وغيرهما، والصوابُ إنْ شاء الله: هو مذهبُ الجمهورِ، وأنَّهم كلُّهم عدولٌ رضي الله عنهم.
قال: وقد أطبقَ العلماءُ على قبولِ روايةِ وائلِ ابنِ حُجْرٍ ومالكِ بنِ الحُويْرِثِ وعثمانِ بنِ أبي العاصِ الثَّقَفِي وغيرِهم ممَّنْ اشتهرَتْ صحبتُهم وروايتُهم عنه صلى الله عليه وسلم، معَ أنَّهم وفدوا إليهِ واجتمَعُوا به صلى الله عليه وسلم ورجعُوا إلى أهليهِم ولم يُلازموهُ. ثمَّ ذكرَ قولَ ابنَ حجرٍ المتقدِّم.