بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: السّابع والخمسون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين؛ قالَ شيخُ الإسلامِ مُوفَّقُ الدِّينِ ابنُ قدامةَ رحمَه الله تعالى في: "روضةُ الناظرِ":
فصلٌ: انفرادُ الثقةِ بزيادةٍ في الحديثِ
– الشيخ: كلُّ هذهِ مِن مسائلِ علومِ الحديثِ، كلّها مِن التداخلِ بينَ العلومِ، هذهِ مِن مسائل علومِ الحديثِ وتُذكَرُ في علمِ أصولِ الفِقهِ، وتُذكَرُ في علمِ أصولِ الفِقه.
– القارئ: انفرادُ الثقةِ بزيادةٍ في الحديثِ بزيادةِ مقبولٍ، سواءً كانَتْ لفظًا أو معنىً
– الشيخ: أهلُ المصطلحِ يقول: "زيادةُ الثقةِ مقبولةٌ، ما لم يُخالِفْ فيها مَنْ هو أوثقُ فإنَّها تكونُ حينئذٍ شاذةً".
– القارئ: انفرادُ الثقةِ بزيادةٍ في الحديثِ بزيادةِ مقبولٍ، سواءً كانَتْ لفظًا أو معنىً؛ لأنَّهُ لو انفردَ بحديثٍ لقُبِلَ، فكذلكَ إذا انفردَ بزيادةٍ.
وغيرُ ممتَنِعٍ أنْ ينفردَ بحفظِ الزيادةِ؛ إذْ إنَّ المحتملَ أنْ يكونَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذكرَ ذلكَ في مجلسَيْنِ، وذكرَ الزيادةَ في أحدِهِما، ولمْ يَحْضُرْ راويَ الناقصُ.
ويُحتمَلُ أنَّ راويَ الناقصِ دخلَ أثناءَ المجلسِ،
– الشيخ: أيش؟ "ويحتمل أن راوي الناقص". اللفظ الناقص.
– القارئ: دخلَ أثناءَ المجلسِ، أو عرضَ لَهُ -في أثنائِهِ- ما يزعجُهُ أو ما يُدْهشُهُ عَن الإصغاءِ، أو ما يوجبُ لَه القيامَ قبلَ التمامِ، أو سمعَ الكلَّ ونَسِيَ الزيادةَ.
والراوي للتمامِ عَدْلٌ جَازمٌ بالروايةِ، فلا نُكَذِّبُهُ معَ إمكانِ تصديقِهِ.
فإنْ عُلِمَ أنَّ السماعَ كانَ في مجلسٍ واحدٍ:
فقالَ أبو الخطابِ: يُقَدَّمُ قولُ الأكثرينَ وذَويْ الضبطِ، فإنْ تَسَاوَوا في الحفظِ والضبطِ، قُدِّمَ قولُ الـمُثْبِتِ.
وقالَ القاضي: إذا تَساويَا فعَلَى رِوايتينِ.
– الشيخ: الله الـمُستعان، نقولُ: هذه التقديراتُ نظريةٌ، يعني ما كلُّ هذه التقديراتِ لها شواهدُ ولها أمثلة، ما يلزمُ، ما يلزم أنّ يكون هذه التقديراتِ لها واقعٌ ولها شواهدٌ، وإلا يلزمُ أنْ يقولوا: مثل كذا ومثل كذا، لكنَّها نظريةٌ، يعني لو حصلَ مثل هذا وعُلِمَ مثلُ هذا فهذا هو الحكمُ، والفقهاءُ يَفرضونَ المسائلَ ويُقَدِّرُونَها ويُقررونَ لها احكاماً.
– القارئ: فصلٌ: وتجوزُ روايةُ الحديثِ بالـمَعْنى للعالـِمِ الـمُفَرِّقِ بينَ الـمُحتَمِلِ وغيرِ الـمُحتَمِلِ، والظاهرِ والأظهرِ، والعامِّ والأعَمِّ، عندَ الجمهورِ.
فَيُبدلُ لفظًا مكانَ لفظٍ فيما لا يختلفُ الناسُ فيهِ: كالألفاظِ الـمترادفةِ.
مثلَ: القعودِ والجلوسِ، والصَّبِ والإراقةِ، والحَظرِ والتَّحريمِ، والمعرفةِ والعلمِ، وسائرِ ما لا يُشَكُّ فيهِ، ولا يَتطرقُ إليهِ الاستنباطُ والفَهمُ.
ولا يجوزُ إلا فيمَا فَهِمَهُ قطعًا، دونَ ما فَهِمَهُ بنوعِ استنباطٍ، واستدلالٍ يُختلَفُ فيهِ.
ولا يجوزُ -أيضًا- للجاهلِ بمواقعِ الخطابِ، ودقائقِ الألفاظِ.
ومنعَ منه بعضُ أصحابِ الحديثِ مطلقًا؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ اللهُ امْرأ سمعَ مقالتِي فَأَدَّاهَا كمَا سمِعَها، فرُبَّ مُبَلَّغٌ أوعى مِن سَامِعٍ).
ولنَا: الإجماعُ على جوازِ شرحِ الشرعِ للعَجَمِ بِلسانِهِم، فإذا جازَ إبدالُ كلمةٍ عربيةٍ بأعجميةٍ تُرَادِفُهَا، فبعربيةٍ أولى.
– الشيخ: فالترجمةُ روايةُ كلِّ اللَّفْظِ، ألفاظُه ومعانِيهَا كلُّها، سبحان الله! الله المستعان. هذا كلامٌ -أقول- صحيح، هذه حجةٌ قويةٌ، ما دام يجوزُ ترجمةُ، ترجمةُ القرآنِ، لكن ترجمةُ القرآن لا تكونُ قرآناً بل هي ترجمةٌ لمعانيهِ، وأقولُ: أنها لا تكونُ قرآناً، بمعنى أنه لا يصيرُ لها حكمُ القرآنِ، ما تكون، يعني المصحفُ الذي هو عبارةٌ عن ترجمةٍ للقرآنِ، لا يُقال: أنه مصحفٌ. يقالُ: هذه ترجمة، هذا الكتابُ ترجمةٌ للقرآنِ.
– القارئ: وكذلكَ كانَ سُفَرَاءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُبَلِّغُونَهُم أوامرَهُ بِلُغَتِهِم.
وهذا لأنَّا نعلمُ أنه لا يُعْتَدَّ باللفظِ، وإنَّما المقصودُ فَهْمُ الـمعنى، وإيصالُهُ إلى الخلقِ.
ويدلُّ على ذلكَ: أن الخطبَ الـمُتحدةَ والوقائعَ، رواهَا الصحابةُ بألفاظٍ مختلفةٍ.
– الشيخ: الله أكبر، لا إله إلا الله.
– القارئ: ولأنَّ الشهادةَ آكدُ مِن الروايةِ، ولو سمعَ الشاهدُ شاهدًا يشهدُ بالعجميةِ: جازَ أنْ يشهدَ على شهادتِهِ بالعربيةِ.
ولأنَّهُ تجوزُ الروايةُ عَن غيرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمعنى، فكذلكَ عنه؛ فإنَّ الكذبَ فيهما حرامٌ.
والحديثُ (نَضَّرَ اللهُ امْرأ) حجةٌ لنا؛ لأنَّهُ ذكرَ العِلَّةَ، وهو اختلافُ الناسِ في الفقهِ والفهمِ ونحنُ لا نُجَوِّزُهُ لغيرِ مَن يفهمُ.
جوابٌ آخرُ:
أنَّ مَنْ روى بالـمعنى فقدْ روى كمَا سَمِعَ، ولهذا لا يُعَدُّ كَذِبًا.
قالَ أبو الخطابِ: لا يجوزُ أنْ يُبدل
– الشيخ: "كذباً" ولَّا "كاذباً"؟ "لا يُعَدُّ"؟ أعد العبارة.
– القارئ: جوابٌ آخرُ:
أنَّ مَنْ روى بالـمعنى فقدْ روى كمَا سَمِعَ، ولهذا لا يُعَدُّ كَذِبًا.
– الشيخ: يعني يحتملُ أنه "كاذباً" أو "كذباً". مشِّ، سهل.
– القارئ: قالَ أبو الخطابِ: لا يجوزُ أنْ يُبدل لفظًا بأظهرَ منه؛ لأنَّ الشارعَ ربَّما قصدَ إيصالَ الحكمِ باللفظِ الجَليِّ تارةً، وبالخفيِّ أخرى.
– الشيخ: نعم بعده
– القارئ: فصلٌ: مراسيلُ أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، بعده يا محمد.
– طالب: بعض الأسئلة
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، الآن موضوع رواية كثير مِن الناسِ يقولون: "أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلَّمَ"، ويذكر الحديث بمعناه، يعني وهم يقولونَ: "لا يجوزُ تعمُّدُ تغييرِ المتنِ بالنقصِ أو الـمُرادفِ إلا لعالمٍ بما يُحيلُ المعنى"، وكثيرٌ مِن الناس ما..
– الشيخ: اللهمَّ صلِّ وسلم، الظاهر أنّ الجملة ذي مأثورةٌ عَن أهلِ العلم، يعني أنَّهم إذا ذكروا الحديثَ ولم يُحيطُوا بلفظِهِ؛ احترازاً واتقاءً يقول: "أو كما قالَ عليهِ الصلاةُ والسلام"، فهم يذكرونَهُ باللفظِ الـمُقَارِبِ الذي ليسَ فيه..، يعني يَعلمُ الـمُخبِرُ بهذا يعلمُ قطعاً أنَّ ما قالَهُ لا.. لكنه يقولُ هذا باعتبارِ اختلافِ اللفظِ يقولُ: "أو كمَا قالَ عليهِ الصلاة والسلام". فهو .. المعنى شِبْه أنه مُتَيَقِنٌ لَهُ، لكن اللفظُ هو الذي يَتَرَدَّدُ فيهِ وأنه لمْ يحفظ النَّصّ.