الرئيسية/شروحات الكتب/روضة الناظر وجنة المناظر/(60) من فصل في المعتبرين في الإجماع على فصل في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(60) من فصل في المعتبرين في الإجماع على فصل في الاعتداد بقول التابعي المجتهد في إجماع الصحابة

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: السّتون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ شيخُ الإسلام موفَّق الدِّين ابنُ قدامة -رحمه الله تعالى- في "روضةُ الناظر":
فصلٌ: ولا يُشترَطُ في أهلِ الإجماعِ أنْ يَبلغوا عددَ التواتِر؛ لأنَّ الحجةَ في قولِهم، لصيانةِ الأمةِ عَن الخطأِ بالأدلةِ المذكورةِ، فإذا لمْ يكنْ على الأرضِ مسلمٌ سِواهُم، فهم على الحقِّ يقينًا، صيانةً لهم عَن الاتفاقِ على الخطأِ.
فصلٌ: ولا اختلافَ في اعتبارِ علماءِ العصرِ مِن أهلِ الاجتهادِ في الإجماعِ وأنه لا يُعتَدُّ بقولِ الصبيانِ والمجانينَ.
فأمَّا العوامُ: فلا يُعتبَرُ قولُهم عندَ الأكثرين.
وقالَ قومٌ: يُعتبرُ قولُهم؛ لدخولِهم في اسمِ "المؤمنين" ولفظِ الأمةِ.
وهذا القولُ يَرجعُ إلى إبطالِ الإجماعِ؛ إذ لا يُتصوَّرُ قولُ الأمةِ كلِّهم في حادثةٍ واحدةٍ.
وإنْ تُصُوِّرَ: فمَنِ الذي يَنقلُ قولَ جميعِهم، معَ كثرتِهم وتفرُّقِهم في البَوادي والأمصارِ والقُرى؟!
ولأنَّ العاميّ ليسَ لَهُ آلةُ هذا الشأنِ، فهو كالصبيّ في نُقصانِ الآلة،

– الشيخ: يعني: ما عندَه بصيرة يَعرف الأدلةَ حتى يصير، هذا القول.. حقيقةً ليسَ بشيءٍ اعتبار قولِ العامة، عجباً! مِن العجائِب! الإجماع إنما يُعتد بقولِ أهلِ العلم وأهلِ البصيرة وأهلِ الاجتهاد.
 
– القارئ:
ولأنَّ العاميَّ ليسَ لَه آلةُ هذا الشأنِ، فهو كالصبيّ في نقصانِ الآلة، ولا يُفهَمُ مِن عصمةِ الأمةِ عَن الخطأ: إلا عصمةَ مَن تتصوَّرُ منه الإصابةُ لأهليتِهِ.
والعاميُّ إذا قالَ قولًا: عُلِمَ أنه يقولُهُ عَن جهلٍ، وليسَ يَدري ما يقولُ.
ولهذا انعقدَ الإجماعُ على أنه يَعصي بمخالفةِ العلماءِ، ويحرمُ عليهِ ذلك.
ولذلكَ ذَمَّ النبيُّ

– الشيخ: والله هذا قولٌ لا يَستحقُّ الذكر، سبحان الله!
– القارئ: ولذلكَ ذَمَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الرؤساءَ الجهالَ الذين أفتَوا بغيرِ علمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا.
وقد وردَتْ أخبارٌ كثيرةٌ بإيجابِ المراجعةِ للعلماءِ، وتحريمِ الفتوى بالجهلِ والهوى.
فصلٌ: ومَنْ لا يَعرفُ مِن العلمِ ما لَا أثرَ له في معرفةِ الحكمِ، كأهلِ الكلامِ، واللغةِ، والنحوِ ودقائقِ الحسابِ: فهو كالعاميّ لا يُعتَدُّ بخلافِهِ،

– الشيخ: هو عاميٌّ، هو عاميٌّ في الشريعة، علماءُ الطِّبِّ والهندسةِ والمنطقِ وما إلى ذلك وعلماءُ الفلسفةِ هم في الشريعةِ عَوامٌّ، مثلَ الصنَّاع نجارين وحَدَّادين.
 

– القارئ: فهو كالعاميّ لا يُعتَدُّ بخلافِهِ، فإنَّ كلَّ أحدٍ عاميٌّ بالنسبةِ إلى ما لمْ يحصِّلْ علمُهُ، وإنْ حصَّلَ علمًا سِوَاهُ.
فأمَّا الأصوليُّ الذي لا يعرفُ تفاصيلَ الفروعِ، والفقيهُ الحافظُ لأحكامِ الفروعِ، مِن غيرِ معرفةٍ بالأصولِ، أو النحويّ إذا كانَ الكلامُ في مسألةٍ تَنْبَني على النحوِ: فلا يُعتَدُّ بقولِهم أيضًا.
وقالَ قومٌ: لا ينعقدُ الإجماعُ بدونِهم؛ لأنَّ الأصوليَّ -مثلًا- العارفَ بمداركِ الأحكامِ، وكيفيةِ تلقِّيها مِن المفهومِ والمنطوقِ، وصيغةِ الأمرِ والنهيِّ، والعمومِ: متمكِّنٌ مِن دَرْكِ الأحكامِ إذا أرادَ، وإنْ لمْ يحفظِ الفروعَ.
وآيةُ ذلكَ: أنَّ العباسَ وطلحةَ والزبيرَ –رضيَ اللهُ عنهم- ونظراءَهم ممن لمْ يُنَصِّبُ نفسَه للفتيا نصبَ العبادِلَة، وزيدُ بنُ ثابتٍ ومعاذُ: يُعْتَدُّ بخلافِهم.
وكيفَ لا يُعْتَدُّ بهم وهم يَصلحونَ للإمامةِ العظمى، وقد سُمِّيَ بعضُهم في الشُّورى، ولم يكونوا يحفظونَ الفروعَ، بلْ لمْ تكن الفروعُ موضوعةً بعدُ.
لكن عرفوا الكتابَ والسُّنةَ، وكانوا أهلًا لفهمِهما.
والحافظُ للفروعِ قد لا يحفظُ دقائقَ مسائلِ الحيضِ والوصايا، فأصلُ هذه الفروعِ لهذهِ الدقائقِ.
ولنا: أنَّ مَن لا يعرفُ الأحكامَ لا يعرفُ النظيرَ فيَقيسُ عليه.
ومَن لا يعرفُ الاستنباطَ، مع عدمِ معرفتِه ما يستنبطُ منه: لا يمكنُهُ الاستنباطُ.
وكذلك مَن يعرفُ النصوصَ، ولا يدري كيفَ يَتلقَّى الأحكامَ منها: كيفَ يمكنُه تَعرُّفُ الأحكامِ؟
وأمَّا الصحابةُ الذين ذكروهُم: فقد كانوا يعلمونَ أدلةَ الأحكامِ، وكيفيةَ الاستنباطِ، وإنَّما استغنَوا بغيرِهم، واكتفَوا بِمَنْ سِوَاهُم.
فإنْ قيلَ: فهذهِ المسألةُ اجتهاديةٌ أم قطعيةٌ؟
قلنا: اجتهاديةٌ، فمتى جَوَّزْنَا أن يكونَ قولُ واحدٍ مِن هؤلاءِ مُعتبرًا فخالَفَ: لمْ يبقَ الاجماعُ حجةً قاطعةً.
فصلٌ: ولا يُعْتَدُّ في الإجماعِ بقولٍ كافرٍ، سواءٌ بتأويلٍ أو بغيرِه.

– الشيخ: يعني: كافر ما هو كافر، كافر مِن المنتسبين للإسلامِ الذي حُكِمَ بكفرِه لبدعةٍ أو، يعني: ما هم يريدون بقول: "كافر"، يهوديّ نصرانيّ ولّا.. لا، يعني ممن قيلَ بكفرِه مثل الجَهميّة -مثلاً- لا يُعْتَدُّ بخلافِهم في الإجماعِ، أعد الفائدة
 

– القارئ: ولا يُعْتَدُّ في الإجماعِ بقولٍ كافرٍ، سواءٌ بتأويلٍ أو بغيرِه.
المحقق لَه كلامٌ أحسن الله إليك، قال: الكافرُ نوعانِ: معانِدٌ ومُتأوِّلٌ، فالمعانِدُ: كاليهودِ والنصارى وهذا لا يُعتبرُ قولُه في الإجماعِ.
والمتأوِّل: وهو المستنِدُ إلى شبهةٍ، كمبتدعةِ المسلمينَ مِن الخوارجِ والمعتزلةِ والرافضةِ ونحوهم، وهؤلاءِ فيهم قولانِ:
الأولُ: لا يُعتبر قولُهم مطلقًا.
والثاني: أنَّهم كالكفارِ عندَ مَن يُكفِّرهم، أمَّا مَن لا يُكفِّرهم فقولُهم معتبرٌ عندَه.

– الشيخ: نعم، ماشي بالجملة
– القارئ: فقال الموفق -رحمه الله-: فأمَّا الفاسقُ باعتقادٍ أو فعلٍ، فقالَ القاضي: لا يُعْتَدُّ بهم، وهو قولُ جماعةٍ؛ لقولِه تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143] أي: عُدولًا. وهذا غيرُ عَدْلٍ، فلا تُقبَلُ روايتُهُ، ولا شهادتُهُ، ولا قولُهُ في الإجماعِ.
ولأنَّه لا يُقبَلُ قولُهُ منفردًا فكذلكَ معَ غيرِهِ.
وقالَ أبو الخطاب: يُعْتَدُّ بهم؛ لدخولِهم في قولِه تعالى: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِين [النساء:115] وقولُهُ -عليه السلام-:
(لا تجتمعُ أُمَّتي على خطأٍ).
فصلٌ: وإذا بلغَ التابعيُّ رتبةَ الاجتهادِ في عصرِ الصحابةِ اعتُدَّ بخلافِه في الإجماعِ عندَ الجمهورِ، واختارَهُ أبو الخطابِ.
وقالَ القاضي وبعضُ الشافعيةِ: لا يُعْتَدُّ بِه، وقدْ أومأَ أحمدُ -رضي الله عنه- إلى القولينِ.
وجهُ قولِ القاضي:
أنَّ الصحابةَ شاهدوا التنزيلَ، وهم أعلمُ بالتأويلِ، وأعرفُ بالمقاصدِ، وقولُهم حجةٌ على مَن بعدَهم، فهم معَ التابعين كالعلماءِ معَ العامةِ، ولذلكَ قدَّمْنَا تفسيرَهُم.
وأنكرَتْ عائشةُ -رضي الله عنها- على أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ حينَ خالفَ ابنَ عباسٍ، قالَتْ: "إنَّما مثَلُكَ مَثَلُ الفروجِ، سمعَ الديكةَ تصيحُ فصاحَ لصياحِهَا".

– الشيخ: أين تخريج؟ شيء؟
– القارئ: رواهُ مالكٌ، الموطأ.
ووجهُ الأولِ:
أنَّه إذا بلغَ رتبةَ الاجتهادِ: فهو مِن الأمةِ، فإجماعُ غيرِه لا يكونُ إجماعَ كلِّ الأمةِ، والحجةُ إجماعُ الكلِّ.
نعم لو بلغَ رتبةَ الاجتهادِ بعدَ إجماعِهم: فهو مسبوقٌ بالإجماعِ، فهو كمَنْ أسلمَ بعدَ تمامِ الإجماعِ.
ولا خلافَ أنَّ الصحابةَ -رضي الله عنهم- سَوَّغُوا اجتهادَ التابعين:
ولهذا وَلَّى عمرُ -رضي الله عنه- "شُريحًا" القضاءَ وكتبَ إليهِ: "ما لمْ تجدْ في السُّنةِ فاجتهدْ رأيكَ".
وقد عُلِمَ أنَّ كثيرًا مِن أصحابِ عبدِ اللهِ، كعَلْقَمة، والأسود، وغيرِهما، وسعيدِ بنُ المسيّب، وفقهاءُ المدينةِ كانوا يُفتون في عصرِ الصحابةِ -رضي الله عنهم- فكيفَ لا يُعْتَدُّ بخلافِهم؟!
وقَد روى الإمامُ أحمدُ في الزُّهدِ أنَّ أنسًا سُئِلَ عَن مسألةٍ فقالَ: "سَلُوا مَوْلَانا الحَسن، فإنَّه غابَ وحَضَرْنَا، وحَفِظَ ونَسِيْنَا".

– الشيخ: أيش؟ أيش؟
– القارئ: أنَّ أنسًا سُئِلَ عَن مسألةٍ فقالَ: "سَلُوا مَوْلَانا الحَسن، فإنَّه
– الشيخ: عكس، حضرَ، وغِبْنَا
– القارئ: فإنه غابَ وحضرْنَا
– الشيخ: لا، لا، تصحّ.
– القارئ: في ذكر المحقّق.
– الشيخ: معكوسة
– القارئ: قال: "سمعَ وسمعْنَا، وحفظَ ونَسينا"
– الشيخ: إي، هذه تمشي.
– القارئ: وإنَّما فُضِّلَ الصحابيُّ بفضيلةِ الصُّحبةِ، ولو كانَتْ هذه الفضيلةُ تُخصِّصُ الإجماعَ لسقطَ قولُ مُتَأخري الصحابةِ بقولِ مُتَقدميهِم، وقولُ المتقدِّم منهم بقولِ العشرةِ، وقولُ العشرةِ بقولِ الخلفاءِ، وقولُهم بقولِ أبي بكرٍ وعمر -رضي الله عنهما- وإنكارُ عائشةَ على أبي سلمةَ مخالفةُ ابنِ عباسٍ قد خالفَها أبو هريرةَ فقالَ: "أنا معَ ابنِ أخي"، ثمَّ قضيةٌ في عينٍ، يُحتمَلُ أنَّها أنكرَتْ عليهِ تركَ التأدبِ معَ ابنِ عباسٍ، أو لمْ تَرَهُ بلغَ رتبةَ الاجتهادِ، أو غيرَ ذلكَ مِن الـمُحْتَمَلَاتِ. واللهُ أعلم. فصل..
– الشيخ: أحسنتَ، إلى هنا، سبحان الله، كثيرٌ مِن هذه المسائل نظريّات ما لها، أقولُ: ما لها أمثلة، ولا شيء، نظريّات بس [فقط].
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله