الرئيسية/شروحات الكتب/روضة الناظر وجنة المناظر/(61) من فصل في حكم انعقاد الإجماع بقول الأكثر إلى فصل هل انقراض العصر شرط لصحة الإجماع

(61) من فصل في حكم انعقاد الإجماع بقول الأكثر إلى فصل هل انقراض العصر شرط لصحة الإجماع

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الحادي والسّتون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ شيخُ الإسلامِ موفَّقُ الدِّينِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في: "روضةِ النَّاظرِ":
فصلٌ:
ولا ينعقدُ الإجماعُ بقولِ الأكثرينَ مِن أهلِ العصرِ في قولِ الجمهورِ. وقالَ محمَّدٌ بنُ جريرٍ، وأبو بكرٍ الرَّازيُّ: ينعقدُ. وقد أومأَ إليهِ أحمدُ -رحمَهُ اللهُ- ووجهُهُ: أنَّ مخالفةَ الواحدِ شذوذٌ، وقد نُهِيَ عن الشُّذوذِ.
وقالَ عليهِ السَّلامُ:
(عليكم بالسَّوادِ الأعظمِ) وقالَ: (الشَّيطانُ معَ الواحدِ وهوَ مِن الاثنينِ أبعدُ)
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، تعليقٌ على الحديثِ (عليكم بالسَّوادِ الأعظمِ)
– القارئ: قالَ: تقدَّمَ تخريجُه كأنَّه
– الشيخ: هذا من هو المحقِّقُ الي يخرِّجُ؟
– القارئ: هذا محمود حامد عثمان، أستاذُ أصولِ الفقهِ المشاركِ بجامعتي الأزهرِ والإمامِ محمَّد
– الشيخ: كثير، أقولُ: الرَّوضةُ كثيرٌ الي [الذين] حقَّقوا فيها واشتغلوا فيها.
 

– القارئ: ولنا: أنَّ العصمةَ إنَّما تثبتُ للأمَّةِ بكلِّيَّتِها، وليسَ هذا إجماعَ الجميعِ بل هوَ مختلفٌ فيهِ، وقد قالَ تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه [النساء:59]
وقالَ تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ .. [الشورى:10]
فإنْ قِيلَ: قد يُطلَقُ اسمُ الكلِّ على الأكثرِ؟
قلْنا: هذا مجازٌ؛ لأنَّ الجمعَ المعرَّفَ حقيقةٌ في الاستغراقِ، ولهذا يصلحُ أنْ يُقالَ: إنَّهم ليسُوا كلَّ المؤمنينَ، ولا يجوزُ التَّخصيصُ بالتَّحكُّمِ.
وقد وردَتْ نصوصٌ تدلُّ على قلَّةِ أهلِ الحقِّ وذمِّ الأكثرينَ: كقولِهِ تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص:13] ونحوِها.
وقالَ تعالى: وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.. [ص:24] وقالَ: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة:249] وقالَ تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]
وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
(بدأَ الإسلامُ غريبًا، وسيعودُ كما بدأَ، فطوبى للغرباءِ).
دليلٌ ثانٍ: إجماعُ الصَّحابةِ على تجويزِ المخالفةِ للآحادِ، فانفردَ ابنُ مسعودٍ بخمسِ مسائلَ في الفرائضِ، وابنُ عبَّاسٍ بمثلِها.
فإنْ قيلَ: فقد أنكرُوا على ابنِ عبَّاسٍ القولَ بالمتعةِ، و
(إنَّما الرِّبا في النَّسيئةِ) وأنكرَتْ عائشةُ على "زيدٍ بنِ أرقمَ" مسألةَ العينةَ. وأنكرَ ابنُ عبَّاسٍ على مَن خالفَهُ في العولِ والجدِّ.
قلْنا: إنَّما أنكرُوا عليهم لمخالفتِهم السُّنَّةَ المشهورةَ، والأدلَّةَ الظَّاهرةَ.
ثمَّ هبْ أنَّهم أنكرُوا عليهم، والمُنفرِدُ منكرٌ عليهم إنكارَهم، فلم ينعقدْ الإجماعُ، فلا حجَّةَ في إنكارِهم.
والشُّذوذُ يتحقَّقُ بالمخالفةِ بعدَ الوِفاقِ.
ولعلَّهُ أرادَ بهِ: الشَّاذَّ مِن الجماعةِ، الخارجَ على الإمامِ، على وجهٍ يثيرُ الفتنةَ، كفعلِ الخوارجِ.
وهذا الجوابُ عن الحديثِ الآخرِ، واللهُ أعلمُ.
فصلٌ: وإجماعُ أهلِ المدينةِ ليسَ بحجَّةٍ.
وقالَ مالكٌ: هوَ حجَّةٌ؛ لأنَّها معدنُ العلمِ، ومنزلُ الوحيِ، وبها أولادُ الصَّحابةِ، فيستحيلُ اتِّفاقُهم على غيرِ الحقِّ، وخروجُهُ عنهم

– الشيخ: اللهُ المستعانُ
– القارئ: ولنا: أنَّ العصمةَ تثبتُ للأمَّةِ بكلِّيَّتِها، وليسَ أهلُ المدينةِ كلَّ الأمَّةِ.
وقد خرجَ مِن المدينةِ مَن هوَ أعلمُ مِن الباقينَ بها: كعليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ، ومعاذٍ، وأبي عبيدةَ، وأبي موسى، وغيرِهم مِن الصَّحابةِ، فلا ينعقدُ الإجماعُ بدونِهم.
وقولُهم: "يستحيلُ خروجُ الحقِّ عنهم" تحكُّمٌ؛ إذْ لا يستحيلُ أنْ يسمعَ رجلٌ حديثاً مِن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في سفرٍ، أو في المدينةِ، ثمَّ يخرجُ منها قبلَ نقلِهِ.
وفضلُ الـمدينةِ لا يوجبُ انعقادَ الإجماعِ بأهلِها، فإنَّ مكَّةَ أفضلُ منها، ولا أثرَ لها في الإجماعِ.
ولأنَّ إجماعَهم لو كانَ حجَّةً، لوجبَ أنْ يكونَ حجَّةً في جميعِ الأزمنةِ. ولا خلافَ في أنَّ قولَهم لا يُعتَدُّ بهِ في زمانِنا فضلًا عن أنْ يكونَ إجماعًا.
فصلٌ: واتِّفاقُ الأئمةِ الخلفاءِ الأربعةِ ليسَ بإجماعٍ

– الشيخ: كلُّ هذه مسائلُ خلافٍ بينَ الأصوليِّين فيما يُعتبَرُ إجماعاً، وما ليسَ بإجماعٍ، والظَّاهرُ هو القولُ المعروفُ، الإجماعُ هو الإجماعُ، لكن قول ابنِ جريرٍ كأنَّه -ومن وافقَه- يعني ذي قوَّةٍ، وإن لم يكنْ في الحقيقة إجماعاً حقيقيَّاً، لكن إذا لم يكن للقولِ الآخرِ دليلٌ فقولُ الجمهورِ وقولُ جماهيرِ أهلِ العلم، لأنَّ ما يقولُه ابنُ جريرٍ واحدٌ من بينِ ألوفِ العلماءِ وجمهورِ الأمَّةِ، فإذا لم يكن هناك دليلٌ يُدفَعُ به ما ذهبُوا إليه فالحجَّةُ في الدَّليلِ، فأمَّا إذا لم يكن هناك إلَّا الموازنة بيَن جمهورِ الأمَّة وذلك المخالف فما ذهبتْ إليه جمهورُ الأمَّة هم أحرى بالصَّوابِ منه، لكن إذا كانَ مع المخالِفِ دليلٌ فالحكمُ للدَّليلِ، ولهذا هناك جملةُ مسائلَ عندَ أهل العلم الجمهور على خلافِها، جملةُ مسائلَ دلَّ عليها الدَّليلُ من السُّنَّةِ، والجمهورُ على الخلافِ فيها، فمذهبُ الجمهورِ ليس دائماً هو الصَّوابُ، الصَّواب.. الأصلُ الصَّوابُ معَ من معَه الدَّليلُ. واللهُ أعلمُ.
 

– القارئ: فصلٌ: واتِّفاقُ الأئمةِ الخلفاءِ الأربعةِ ليسَ بإجماعٍ.
وقد نُقِلَ عن أحمدَ -رحمَهُ اللهُ- ما يدلُّ على أنَّهُ لا يَخرُجُ عن قولِهم إلى قولِ غيرِهم

– الشيخ: هذا اختيارٌ يعني
– القارئ: والصَّحيحُ: أنَّ ذلكَ ليسَ بإجماعٍ؛ لِما ذكرْناهُ.
وكلامُ أحمدَ -في إحدى الرِّوايتَينِ عنهُ- يدلُّ على أنَّ قولَهم حجَّةٌ، ولا يَلزمُ مِن كلِّ ما هوَ حجَّةٌ أنْ يكونَ إجماعًا.
مسألةٌ:
ظاهرُ كلامِ أحمدَ -رحمَهُ اللهُ-: أنَّ انقراضَ أهلِ العصرِ شرطٌ في صحَّةِ الإجماعِ، وهوَ قولُ بعضِ الشَّافعيَّةِ.
وقد أومأَ إلى أنَّ ذلكَ ليسَ بشرطٍ، بل لو اتَّفقَتْ كلمةُ الأمَّةِ ولو في لحظةٍ واحدةٍ: انعقدَ الإجماعُ.
وهوَ قولُ الجمهورِ، واختارَهُ أبو الخطَّابِ.
وأدلَّةُ ذلكَ أربعةٌ:
أحدُها: أنَّ دليلَ الإجماعِ: الآيةُ والخبرُ، وذلكَ لا يوجبُ اعتبارَ العصرِ.
الثَّاني: أنَّ حقيقةَ الإجماعِ: الاتِّفاقُ، وقد وُجِدَ، ودوامُ ذلكَ استدامةٌ لهُ، والحجَّةُ في اتِّفاقِهم، لا في موتِهم.
الثَّالثُ: أنَّ التَّابعينَ كانُوا يحتجُّونَ بالإجماعِ في زمنِ أواخرِ الصَّحابةِ كأنسٍ وغيرِهِ، ولو اشترطَ انقراضَ العصرِ: لم يجزْ ذلكَ.
الرَّابعُ: أنَّ هذا يؤدِّي إلى تعذُّرِ الإجماعِ، فإنَّهُ إنْ بقيَ واحدٌ مِن الصَّحابةِ: جازَ للتَّابعيِّ أنْ يخالفَ؛ إذْ لم يتمَّ الإجماعُ.
وما دامَ واحدٌ مِن التَّابعينَ لا يستقرُّ الإجماعُ منهم، فلتابعيِّ التَّابعينَ مخالفتُهم، وهذا خبطٌ.
ووجهُ الأوَّلِ: أمرانِ:
أحدُهما: ذكرَهُ الإمامُ أحمدُ: وهوَ أنَّ أمَّ الولدِ كانَ حكمُها حكمَ الأمةِ بإجماعٍ، ثمَّ أعتقَهنَّ عمرُ وخالفَهُ عليٌّ بعدَ موتِهِ.
وحدُّ الخمرِ: كانَ في زمنِ أبي بكرٍ أربعينَ، ثمَّ جلدَ عمرُ ثمانينَ، ثمَّ جلدَ عليٌّ أربعينَ، ولو لم يشترطْ انقراضَ العصرِ لم يجزْ ذلكَ.
الثَّاني: أنَّ الصَّحابةَ

– الشيخ: أيش [ماذا]؟ "ولو اشترطَ"، عندَ أيش؟
– القارئ: "ولو لم يشترطْ انقراضَ العصرِ لم يجزْ ذلكَ"
– الشيخ: لا، المناسب: "ولو اشترطَ"
– القارئ: الثَّاني: أنَّ الصَّحابةَ لو اختلفُوا على قولَينِ: فهوَ اتِّفاقٌ منهم على تسويغِ الخلافِ، والأخذُ بكلِّ واحدٍ مِن القولَينِ فلو رجعُوا إلى قولٍ واحدٍ صارَتْ المسألةُ إجماعًا.
ولو لم يشترطْ انقراضَ العصرِ: لم يجزْ ذلكَ؛ لأنَّهُ يُفضي إلى خطأِ أحدِ الإجماعَينِ.
فإنْ قيلَ: لا نُسلِّمُ تصوُّرَ وقوعِ هذا، لكونِهِ يُفضي إلى خطأِ أحدِ الإجماعَينِ.
ثمَّ إنْ سلَّمْنا تصوُّرَهُ، فلا نسلِّمُ أنَّ اختلافَهم إجماعٌ على تسويغِ الخلافِ، بل كلُّ طائفةٍ تقولُ: الحقُّ معَنا والأخرى مُخطِئةٌ، وإنَّما سَوَّغَتْ للعاميِّ أنْ يستفتيَ كلَّ أحدٍ حتَّى لا يُحرَجَ، فإذا اتَّفقُوا زالَ القولُ الآخرُ، لعدمِ مَن يُفتي بهِ.
الثَّالثُ: لا نُسلِّمُ أنَّ إجماعَهم بعدَ الاختلافِ إجماعٌ صحيحٌ.
قلْنا: هذا متصوَّرٌ عقلًا، إذْ لا يمتنعُ أنْ يتغيَّرَ اجتهادُ المُجتهِدِ، ولا نحجرُ عليهِ أنْ يوافقَ مخالفَهُ، فمَن ذهبَ إلى تصحيحِ النِّكاحِ بغيرِ وليٍّ، لِمَ لا يجوزُ أنْ يوافقَ مَن أبطلَهُ إذا ظهرَ لهُ دليلُ بطلانِهِ؟
وإذا انفردَ الواحدُ مِن الصَّحابةِ، كانفرادِ ابنِ عبَّاسٍ في مسألةِ العولِ، لِمَ لا يجوزُ أنْ يرجعَ إلى قولِهم؟
وقد أجمعَ الصَّحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- على قتالِ مانعي الزَّكاةِ بعدَ الخلافِ.
وعلى أنَّ: "الأئمةَ مِن قريشٍ".
وعلى إمامةِ "أبي بكرٍ" -رضيَ اللهُ عنهُ- بعدَ الخلافِ.
ولا خلافَ في تجويزِ ذلكَ في القطعيَّاتِ، فلِمَ لا يجوزُ في الظَّنِّيَّاتِ؟
ومنْعُ ذلكَ، بناءً على تعارضِ الإجماعَينِ ينبني على أنَّ الإجماعَ تمَّ في بعضِ العصرِ، وهوَ محلُّ النِّزاعِ، فكيفَ يُجعَلُ دليلًا عليهِ؟
والثَّاني باطلٌ؛ إذْ لا خلافَ أنَّ فرضَ المجتهدِ في مسائلِ الاجتهادِ: ما يؤدِّيهِ إليهِ اجتهادُهُ.
وفرضُ المقلِّدِ: تقليدُ أيِّ المجتهدَينِ شاءَ.
والثَّالثُ: دليلُهُ: إجماعُ الصَّحابةِ على خلافةِ أبي بكرٍ، بعدَ الاختلافِ، فدلَّ على صحَّتِهِ.
مسألةٌ

– الشيخ: إلى هنا يا أخي
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، إذا اختلفَ الصَّحابةُ على قولَينِ، هل يجوزُ إحداثُ قولٍ ثالثٍ؟
– الشيخ: هذه مسألةٌ أيضاً من مسائلِ الأصولِ المختلفِ فيها، إحداثُ قولٍ ثالثٍ متفرِّعٍ عن القولَينِ ممكنٌ، فرضوها في مسألةِ العمريَّتَين، مثَّلوا بها في مسألةِ العمريَّتين، يظهرُ أنَّ هذا القولَ الثالثَ مستمدٌّ من مجموعِ القولينِ
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، تمليكُ الرَّجلِ لزوجتِهِ قولُ مالكٍ: إذا تفرَّقَا مِن المجلسِ ينتهي التَّمليكُ، فقالَ لها: أمرُكِ بيدِكِ، ثمَّ ذهبَ الرَّجلُ

– الشيخ: بحسبِ نيَّتِه .
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله