الرئيسية/شروحات الكتب/الانتصار لأهل الأثر/(2) قوله “فقيل له يا أبا عبد الله: {الرحمن على العرش استوى}”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) قوله “فقيل له يا أبا عبد الله: {الرحمن على العرش استوى}”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الانتصار لأهل الأثر) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الثّاني

***    ***    ***    ***
 

- جوابُ الإمام مالك في الاستواء منهجٌ في جميع الصّفات [1] - معنى قول السَّلف: مِن غير تفسيرٍ، والرَّد على شبهة المفوّضة [2] - نفي التَّأويل والتَّكييف والتَّشبيه في الصّفات [3] - حجَّة المعطِّلة في نفي الصّفات [4] - التَّفكّر يكون في معاني الصّفات دون الكيفيَّات [5] - مِن العلم والإيمان أنَّا لا نصفُ الله إلا بِمَا وصفَ به نفسَه [6]

 
 

– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ فقالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الانتصارُ لأهلِ الأثرِ" قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى:
ولمَّا سُئِلَ مالكٌ بنُ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- فقيلَ لهُ يا أبا عبدِ اللهِ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيفَ استوى؟ فأطرقَ مالكٌ وعَلَاهُ الرُّحَضاءُ، يعني: العَرَقُ، وانتظرَ القومُ ما يجيءُ منهُ فيهِ فرفعَ رأسَهُ إليهِ وقالَ: "الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ معقولٍ، والإيمانُ بهِ واجبٌ، والسُّؤالُ عنهُ بدعةٌ، وأحسبُكَ رجلَ سوءٍ، وأمَرَ بهِ فأُخْرِجَ"

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 جوابُ الإمام مالك في الاستواء منهجٌ في جميع الصّفات
ومَنْ أوَّلَ الاستواءَ بالاستيلاءِ فقد أجابَ بغيرِ ما أجابَ بهِ مالكٌ وسلكَ غيرَ سبيلِهِ.
وهذا الجوابُ مِن مالكٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- في الاستواءِ شافٍ كافٍ في جميعِ الصِّفاتِ مثلَ النُّزولِ والمجيءِ واليدِ والوجهِ وغيرِها

- الشيخ: يعني: كلُّها يُحذَى فيها حذوَ ما قالَه مالكٌ في الاستواء، فنقولُ: النزولُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ به واجبٌ، والسؤالُ عنه بدعةٌ، والمجيءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ وهكذا، والوجهُ معلومٌ، إنَّ هذا الَّذي قاله مالكٌ في الحقيقة هو منهجٌ، يعني: يُراعَى في كلِّ صفاتِ اللهِ.
 

- القارئ: فيُقالُ في مثلِ النُّزولِ: النُّزولُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ بهِ واجبٌ، والسُّؤالُ عنهُ بدعةٌ، وهكذا يُقالُ في سائرِ الصِّفاتِ إذْ هيَ بمثابةِ الاستواءِ الواردِ بها الكتابُ والسُّنَّةُ.
وثبتَ عن محمَّدٍ بنِ الحسنِ صاحبِ أبي حنيفةَ أنَّهُ قالَ: اتَّفقَ الفقهاءُ كلُّهم مِن الشَّرقِ والغربِ على الإيمانِ بالقرآنِ والأحاديثِ الَّتي جاءَ بها الثِّقاتُ عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في صفةِ الرَّبِّ -عزَّ وجلَّ- مِن غيرِ تفسيرٍ ولا وصفٍ ولا تشبيهٍ

- الشيخ: تفسير؟
- القارئ: نعم
2 معنى قول السَّلف: مِن غير تفسيرٍ، والرَّد على شبهة المفوّضة
- الشيخ: إي هذه كلمة تفسير في الحقيقة هي شبهةٌ للمفوِّضةِ، الَّذين يقولون: إنَّ الواجبَ في هذه النصوص السكوتُ عنها وعدمُ التكلُّمِ في معناها والإعراضُ عنها وأنَّها تُجرى ألفاظاً من غيرِ فهمٍ لمعناها، ولكن ما جاء عن الأئمةِ من مثل هذه الكلمةِ هذا محمولٌ على الردِّ على أهل التأويلِ، يعني: من غير تفسيرٍ لها بما يخالفُ ظاهرَها، وإلَّا فتفسيُرها ظاهرٌ، سميعٌ سميعٌ يدلُّ على السمعِ، قد سمعَ اللهُ، هذا معنىً معلومٌ، السمعُ له معنىً معلومٌ، نقولُ: السمع معلومٌ، الاستماعُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ.
فنفي التفسيرِ الَّذي نُقِلَ عن محمَّد بن الحسنِ ونفي المعنى، كلُّ هذا يرادُ منه ردُّ التأويلِ الَّذي هو تفسيرُ الكلام بخلافِ ظاهره، نعم قالَ محمَّد بن الحسنِ.
 
3 نفي التَّأويل والتَّكييف والتَّشبيه في الصّفات
- القارئ: اتَّفقَ الفقهاءُ كلُّهم مِن الشَّرقِ والغربِ على الإيمانِ بالقرآنِ والأحاديثِ الَّتي جاءَ بها الثِّقاتُ عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في صفةِ الرَّبِّ -عزَّ وجلَّ- مِن غيرِ تفسيرٍ ولا وصفٍ ولا تشبيهٍ
- الشيخ: من غيرِ تفسيرٍ ولا وصفٍ، تفسيرٌ عرفناها، وصفٌ كأنَّه يريد التكييفَ، من غيرِ تفسيرٍ أي: من غير تأويلٍ لها بما يخالفُ ظاهرها، ولا وصف أي: تكييف، ولا تشبيه هذا ظاهرٌ، فهذه ثلاثةُ أمورٍ هي المرتكَزُ، هي المرتكَزُ، نفي التأويلِ ونفي التكييفِ ونفي التشبيهِ، إثباتٌ مع نفي التأويلِ ونفي العلمِ بالكيفيَّةِ.
 
4 حجَّة المعطِّلة في نفي الصّفات
- القارئ: فمَن فسَّرَ شيئًا مِن ذلكَ فقد خرجَ ممَّا كانَ عليهِ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وفارقَ الجماعةَ فإنَّهم لم يَصِفُوا ولم يفسِّرُوا ولكنْ آمنُوا بما في الكتابِ والسُّنَّةِ ثمَّ سكتُوا فمَن قالَ بقولِ جَهْمٍ فقد
- الشيخ: كلُّ هذا الكلامِ فيه شبهةٌ لأهل التفويضِ لا، ما يريدون أنَّهم آمنوا بألفاظٍ لا، آمنوا بها بألفاظِها ومعانيها، يعني: هي معلومةٌ؛ لأنَّ اللهَ خاطبَ عبادَه بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، فهم يعلمون معنى "استوى على العرشِ" يعلمونَ معنى الوجه، لكن مع كاملِ التنزيهِ عن مماثلة المخلوقين، ليسَ كمثله شيءٌ، وليسَ نفي التشبيه، يعني: المعطِّلة جعلوا نفي التشبيهِ حجَّةً وشبهةً لهم على نفي الصفات، زاعمين أنَّ إثباتها يستلزمُ التشبيهَ.
 

- القارئ: فمَن قالَ بقولِ جَهْمٍ فقد فارقَ الجماعةَ.
انتهى.
فانظرْ رحمَكَ اللهُ إلى هذا الإمامِ كيفَ حكى الإجماعَ في هذهِ المسألةِ ولا خيرَ فيما خرجَ عن إجماعِهم ولو لزمَ التَّجسيمُ مِن السُّكوتِ عن تأويلِها؛ لفرُّوا منهُ وأوَّلُوا ذلكَ فإنَّهم أعرفُ الأمَّةِ بما يجوزُ على اللهِ وما يمتنعُ عليهِ.
وثبتَ عن إسماعيلَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ الصَّابونيِّ أنَّهُ قالَ: إنَّ أصحابَ الحديثِ المتمسِّكينَ بالكتابِ والسُّنَّةِ يعرفونَ ربَّهم -تباركَ وتعالى- بصفاتِهِ الَّتي نطقَ بها كتابُهُ وتنزيلُهُ وشهدَ لهُ بها رسولُهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على ما وردَتْ بهِ الأخبارُ الصِّحاحُ ونقلَهُ العدولُ الثِّقاتُ ولا يعتقدونَ تشبيهًا لصفاتِهِ بصفاتِ خلقِهِ ولا يكيِّفونَها تكييفَ المشبِّهةِ ولا يحرِّفونَ الكلمَ عن مواضعِهِ تحريفَ المعتزلةِ والجهميَّةِ.
وقد أعاذَ اللهُ أهلَ السُّنَّةِ مِن التَّحريفِ والتَّكييفِ ومنَّ عليهم بالتَّفهيمِ والتَّعريفِ حتَّى سلكُوا سبيلَ التَّوحيدِ والتَّنزيهِ وتركُوا القولَ بالتَّعطيلِ والتَّشبيهِ واكتفَوا بنفي النَّقائصِ بقولِهِ عزَّ مِن قائلٍ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى:11] وبقولِهِ تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص:4]
وقالَ سعيدُ بنُ جُبيرٍ ما لم يعرفْهُ البدريُّونَ فليسَ مِن الدِّينِ.
وثبتَ عن الرَّبيعِ بنِ سليمانَ أنَّهُ قالَ: سألْتُ الشَّافعيَّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- عن صفاتِ اللهِ تعالى فقالَ: حرامٌ على العقولِ أنْ تُمثِّلَ اللهَ تعالى وعلى الأوهامِ أنْ تَحُدَّهُ وعلى الظُّنونِ أنْ تَقْطَعَ وعلى النُّفوسِ أنْ تُفكِّرَ وعلى الضَّمائرِ

- الشيخ: وعلى أيش؟
- القارئ: وعلى النُّفوسِ أنْ تُفكِّرَ
 
5 التَّفكّر يكون في معاني الصّفات دون الكيفيَّات
- الشيخ: يعني: تفكُّر في الذَّاتِ في الكيفيَّات، أمَّا التفكُّرُ في المعنى لفهمِ المعنى فهذا مطلبٌ، وهو المقصودُ من التدبُّر، تدبُّر الآياتِ لفهمِ معناها.
- القارئ: وعلى الضَّمائرِ أنْ تَعَمَّقَ، وعلى الخواطرِ أنْ تُحِيطَ، وعلى العقولِ أنْ تَعْقِلَ إلَّا ما وصفَ بهِ نفسَهُ أو على لسانِ نبيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.
وثبتَ عن الحسنِ البصريِّ أنَّهُ قالَ: لقد تكلَّمَ مُطَرِّفٌ على هذهِ الأعوادِ بكلامٍ ما قيلَ قبلَهُ ولا يُقالُ بعدَهُ، قالُوا: وما هوَ يا أبا سعيدٍ؟ قالَ: الحمدُ للهِ الَّذي مِن الإيمانِ بهِ الجهلُ بغيرِ ما وصفَ بهِ نفسَهُ
 
6 مِن العلم والإيمان أنَّا لا نصفُ الله إلا بِمَا وصفَ به نفسَه
- الشيخ: يعني: ألَّا نصفَ اللهَ، ألَّا نصفَ اللهَ بما لم يصفْ به نفسَه، هذا من العلم، من الإيمانِ والعلمِ أنّا لا نصفُ اللهَ بغير ما وصفَ به نفسه، إلى هنا يا...، انتهى كلامُه؟
- القارئ: انتهى كلامُ مطرِّف
- الشيخ: نعم حسبك.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة