الرئيسية/شروحات الكتب/الانتصار لأهل الأثر/(4) قوله “وأما كونهم أعلم ممن بعدهم وأحكم وأن مخالفهم أحق بالجهل والحشو”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) قوله “وأما كونهم أعلم ممن بعدهم وأحكم وأن مخالفهم أحق بالجهل والحشو”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الانتصار لأهل الأثر) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الرّابع

***    ***    ***    ***
 

- المكاشفة عند أهل السُّنَّة وعند الصّوفيَّة [1] - الفرقُ بين الملل والفرق [2] - واقعُ المسلمين وواقعُ الكفار في العلم والعمل [3] - معنى قول الإمام أحمد: "آيةُ ما بيننا وبينهم يومُ الجنائز" [4]

 
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فقالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَهُ اللهُ-:
فَصْلٌ:
وَأَمَّا كَوْنُهُمْ أَعْلَمَ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَأَحْكَمَ وَأَنَّ مُخَالِفَهُمْ أَحَقُّ بِالْجَهْلِ وَالْحَشْوِ. فَنُبَيِّنُ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ الْمَعْقُولِ؛ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ بِنَفْسِ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ كَمَا قَالَ اللَّهُ: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] فَأَخْبَرَ: أَنَّهُ سَيُرِيهِمْ الْآيَاتِ الْمَرْئِيَّةَ الْمَشْهُودَةَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ.
ثُمَّ قَالَ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53] أَيْ بِإِخْبَارِ اللَّهِ رَبِّكَ فِي الْقُرْآنِ وَشَهَادَتِهِ بِذَلِكَ.
فَنَقُولُ: مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يُشَارِكُونَ كُلَّ طَائِفَةٍ فِيمَا يَتَحَلَّوْنَ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَيَمْتَازُونَ عَنْهُمْ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ. فَإِنَّ الْمُنَازِعَ لَهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ فِيمَا يُخَالِفُهُمْ فِيهِ طَرِيقًا أُخْرَى؛ مِثْلَ الْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ وَالْكَلَامِ وَالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْمُحَاجَّةِ وَالْمُجَادَلَةِ وَالْمُكَاشَفَةِ وَالْمُخَاطَبَةِ وَالْوَجْدِ وَالذَّوْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَكُلُّ هَذِهِ الطُّرُقِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ صَفْوَتُهَا وَخُلَاصَتُهَا: فَهُمْ أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلًا؛ وَأَعْدَلُهُمْ قِيَاسًا وَأَصْوَبُهُمْ رَأْيًا وَأَسَدُّهُمْ كَلَامًا وَأَصَحُّهُمْ نَظَرًا وَأَهْدَاهُمْ اسْتِدْلَالًا وَأَقْوَمُهُمْ جَدَلًا وَأَتَمُّهُمْ فِرَاسَةً وَأَصْدَقُهُمْ إلْهَامًا وَأَحَدُّهُمْ بَصَرًا وَمُكَاشَفَةً وَأَصْوَبُهُمْ سَمْعًا وَمُخَاطَبَةً وَأَعْظَمُهُمْ وَأَحْسَنُهُمْ وَجْدًا وَذَوْقًا..

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 المكاشفة عند أهل السُّنَّة وعند الصّوفيَّة
- الشيخ: المكاشفةُ بمعنى الفراسة يعني، المكاشفةُ هذه عند الصوفيَّةِ يدَّعون أنَّه أنَّ الوليَّ يعلمُ أشياءً من الأمور الغائبةِ، ويسمّون هذا مكاشفةً، وما يوجد...، وهي أحياناً عندَ الضُّلالِ مكاشفاتٌ يعني بعضُها بمعونةِ الشياطين، وأمَّا أهلُ السُّنَّة والجماعةِ والصالحون من المؤمنين فما يحصلُ لهم من كشفٍ هو من نوعِ الفراسةِ وهو نورٌ ينوِّرُ اللهُ به قلوبهم فيعرفونَ أشياءً من أمورٍ غيبيَّةٍ، اللهُ تعالى ينبِّهُهم إليها بقرائنَ تظهرُ لهم إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] قيلَ: الـمُتفرِّسينَ.
 
2 الفرقُ بين الملل والفرق
- القارئ: وَهَذَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْأُمَمِ وَلِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْمِلَلِ
- الشيخ: كأنَّ المللَ ما هي بمناسبة، كأنّ، بالنسبةِ لسائرِ الفِرقِ، يعني: الإسلاميَّة؛ لأنَّ الغالبَ أنَّ المللَ يطلقونها على أهلِ الأديانِ الأخرى كاليهودِ والنَّصارى، هم أهلُ المللِ.
 

- القارئ: فَكُلُّ مَنْ اسْتَقْرَأَ أَحْوَالَ الْعَالَمِ وَجَدَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدَّ وَأَسَدَّ عَقْلًا وَأَنَّهُمْ يَنَالُونَ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ مِنْ حَقَائِقِ الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ
3 واقعُ المسلمين وواقعُ الكفار في العلم والعمل   
- الشيخ: العلومُ الإيمانيَّةُ، لا العلومُ التجريبيَّةُ، أمَّا العلومُ التجريبيَّةُ فقد جرى القدرُ بأنَّ الكفَّارَ أكثرُ حظَّاً منها، أكثرُ تمكُّناً فصارَ ذلك لهم فتنةً وصار لهم استدراجاً، وصار فتنةً للآخرين، لجهَّالِ المسلمين، جهَّالُ المسلمين من الكبارِ أو الصِّغار، جهَّالُ المسلمين هم الَّذين ينخدعون ويغترّون بما أُوتِيَه الكفَّارُ، مثل جماعة أولئك فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79]
هذا هو تماماً، هذا يطبِّقُه على أكثرِ الناسِ بالنسبةِ لنظرتهم إلى الأممِ الكافرةِ المغرورةِ المستدرَجةِ هم يمكرون بالمسلمين، واللهُ يمكرُ بهم وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] اللَّهمَّ أنزلْ بهم بأسَك الَّذي لا يُردُّ عنهم، اللَّهمَّ أرِنا في أممِ الكفرِ ودول الفكرِ، دول الكفر اللَّهمَّ أرِنا فيهم عجائبَ قدرتِك، أنزلْ بهم بأسَك الَّذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين.
فهذا مثل فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ [القصص:79] الآن كثيرٌ من المسلمين يتمنَّون أن يكونوا من حيثُ التقدُّم المادّيّ مثل تلك الأممِ لكن من العجبِ العجابِ أنَّ كثيراً من المسلمين الَّذين يتمنَّون ذلك لم يأخذوا بأسبابِه، ما أخذوا بأسبابِ التَّقدُّم المادّيّ.
والكفّار إذا ذهبوا إليهم المسلمون؛ ليتلقوا منهم لا يعطونهم من علومِهم إلَّا الفتاتَ والتَّافهَ والنَّاقصَ، لا يعطونهم العلومَ العظيمةَ الَّتي تترتَّبُ عليها القوَّةُ، لا، فالمسلمون مع هذهِ الأممِ الكافرةِ في حالٍ عصيبةٍ وشديدةٍ، إعجابٌ بهم واغترارٌ بهم مع التقصيرِ في أمر دينِهم، في أمرِ دينهم ودنياهم، في أمرِ الدِّين والدُّنيا جميعاً، فلا استقامة على الدِّينِ، وهذا شاملٌ للأمَّة الإسلاميَّةِ هذا الواقعُ، وإن كانَ في الأمَّة الإسلاميَّة الخيرُ، فيهم الصالحون، فيهم العلماءُ، فيهم الجادُّون، فيهم فيهم، لكنَّ الكلامَ على الحالة العامَّة الغالبةِ، سبحان الله! مصيبةٌ عظيمةٌ! وهذا ابتلاءٌ عظيمٌ!
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ اسمعْ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [القصص:80] وَيْلَكُمْ لماذا تقولون هذا الكلامَ، ثَوَابُ اللَّهِ وما عندَه من الكرامةِ لمن آمنَ واتَّقى خيرٌ من هذا الحظِّ العاجلِ، خيرٌ من حظِّ الدُّنيا، فاعتبروا بهذا المثالِ واطبقوه على واقعِ المسلمين، أكثرُ المسلمينَ هم من الصِّنفِ الأوَّل قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ وفي المسلمين قلَّةٌ هم على سبيلِ: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
فأهلُ العلمِ والإيمان -ولله الحمدُ- ينظرون إلى هذه الأممِ الكافرةِ نظرَ احتقارٍ، إي واللهِ، لأنَّهم يتدبَّرون مثل قوله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف:179] اقرؤُوا قولَه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ [محمد:12] المسألةُ هي متاعٌ وأكلٌ مثل.. يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [محمد:12] هذه نهايتُهم.
نسألُ اللهَ الَّذي أنعمَ علينا بالإسلامِ أنْ يتمَّ هذه النِّعمةَ بالاستقامةِ والثباتِ حتَّى نلقاه بمنِّه وكرمِه، إنَّا للهِ، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله.
فكلامُ الشيخِ في قولِه: "إنَّ أهلَ الحديثِ، وإنَّ المسلمين أكملُ عقولاً وأحسنُ أخلاقاً وكذا، وأكثرُ وأصحُّ علوماً" إنَّما هو في العلوم الشرعيَّة، ما في، ما، في العلومِ الشرعيَّةِ والأخلاقِ الكريمةِ الشَّرعيَّة، والأخلاق الفطريَّة، لا إله إلَّا الله، آيةٌ من آياتِ اللهِ، الواقعُ هذا عجيبٌ! إنَّا للهِ..
 

- القارئ: وَكَذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ تَجِدُهُمْ كَذَلِكَ مُتَّصفينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْحَقِّ الثَّابِتِ يُقَوِّي الْإِدْرَاكَ وَيُصَحِّحُهُ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى[محمد:17] وَقَالَ: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا[النساء:66-68]
وَهَذَا يُعْلَمُ تَارَةً بِمَوَارِدِ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ فَلَا تَجِدُ مَسْأَلَةً خُولِفُوا فِيهَا إلَّا وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ. وَتَارَةً بِإِقْرَارِ مُخَالِفِيهِمْ وَرُجُوعِهِمْ إلَيْهِمْ دُونَ رُجُوعِهِمْ إلَى غَيْرِهِمْ أَوْ بِشَهَادَتِهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ بِالضَّلَالِ وَالْجَهْلِ. وَتَارَةً بِشَهَادَةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَتَارَةً بِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَعْتَضدُ بِهِمْ فِيمَا خَالَفَتْ فِيهِ الْأُخْرَى وَتَشْهَدُ بِالضَّلَالِ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَهَا أَعْظَمَ مِمَّا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وأَمَّا شَهَادَةُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ: فَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ وَالتَّوَاتُرِ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ الْمُسْلِمِينَ، لَا تَجِدُ فِي الْأُمَّةِ عُظِّمَ أَحَدٌ تَعْظِيمًا أَعْظَمَ مِمَّا عُظِّمُوا بِهِ وَلَا تَجِدُ غَيْرَهُمْ يُعَظَّمُ إلَّا بِقَدْرِ مَا وَافَقَهُمْ فِيهِ كَمَا لَا يُنْقَصُ إلَّا بِقَدْرِ مَا خَالَفَهُمْ.
حَتَّى إنَّك تَجِدُ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ كُلَّهُمْ وَقْتَ الْحَقِيقَةِ يُقِرُّ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: "آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ يَوْمُ الْجَنَائِزِ" فَإِنَّ الْحَيَاةَ بِسَبَبِ اشْتِرَاكِ
 
4 معنى قول الإمام أحمد: "آيةُ ما بيننا وبينهم يومُ الجنائز"
- الشيخ: لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، يعني: يومُ الجنائزِ يعني معروفٌ أنَّهم المعروفُ بالخير والحقِّ يكونُ عامَّة المسلمين ويعظِّمونهم ومن ذلك أنَّهم يشيِّعونهم كما جرى للإمامِ أحمد، وكما جرى لابنِ تيميةَ، معلومٌ أنَّ مثلَهم ما خرج النَّاس وأسفُوا عليهم لحظٍّ من حظوظ الدُّنيا، ما أعطوا النَّاسَ الدُّنيا، ولا نفعوهم بدنيا، هذا التَّعظيمُ كلُّه لما آتاهم اللهُ من العلمِ والإيمان والصَّلاحِ والنُّصحِ للخلقِ هكذا.
أمَّا إذا كان بعضُ الوجهاءِ، أو بعضُ الملوكِ يظهر لهم مشيِّعون وكذا، فهذا من أجلِ المصالح المادِّيَّة، ليس لتعظيمٍ في القلوب، الَّذين يعظِّمون الملوكَ ويعظِّمون الرُّؤساءَ والكبراءَ يعظِّمونهم تعظيماً ظاهريَّاً فقط مبنياً على المصالح.
 

- القارئ: فَإِنَّ الْحَيَاةَ بِسَبَبِ اشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي الْمَعَاشِ يُعَظِّمُ الرَّجُلُ طَائِفَتَهُ فَأَمَّا وَقْتَ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ مِنْ عُمُومِ الْخَلْقِ. وَلِهَذَا لَمْ يُعْرَفْ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ جِنَازَتِهِ: مَسَحَ الْمُتَوَكِّلُ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَوَجَدَ أَلْفَ أَلْفٍ وَسِتَّمِائَةِ أَلْفٍ؛ سِوَى مَنْ صَلَّى فِي الْخَانَاتِ وَالْبُيُوتِ
- الشيخ: وكذلك هو ابنُ تيميةَ حصلَ له ما يشبهُ، جنازتُه حصلَ فيها ما يشبهُ جنازةَ الإمامِ أحمدَ -رحمهما اللهُ-.
 

- القارئ: وَأَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عِشْرُونَ أَلْفًا"، وَهُوَ إنَّمَا نَبُلَ عِنْدَ الْأُمَّةِ بِاتِّبَاعِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا إنَّمَا نَبُلُوا فِي الْإِسْلَامِ بِاتِّبَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَأَمْثَالُهُ إنَّمَا نَبُلُوا بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ إنَّمَا نَبُلُوا فِي عُمُومِ الْأُمَّةِ وَقُبِلَ قَوْلُهُمْ لَمَّا وَافَقُوا فِيهِ الْحَدِيثَ وَالسُّنَّةَ وَمَا تُكُلِّمَ فِيمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْهُمْ إلَّا بِسَبَبِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مُتَابَعَتُهَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ إمَّا لِعَدَمِ بَلَاغِهَا إيَّاهُ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ ضَعْفَ دَلَالَتِهَا أَوْ رُجْحَانِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ الْمَسَائِلُ الِاعْتِقَادِيَّةُ الْخَبَرِيَّةُ؛ لَمْ يَنْبُلْ أَحَدٌ مِنْ الطَّوَائِفِ وَرُؤُوسِهِمْ عِنْدَ الْأُمَّةِ إلَّا بِمَا مَعَهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ وَالسُّنَّةِ، فَالْمُعْتَزِلَةُ أَوَّلًا -وَهُمْ فُرْسَانُ الْكَلَامِ-

- الشيخ: إي فُرْسَانُ علمِ الْكَلَامِ
- القارئ: إنَّمَا يُحْمَدُونَ وَيُعَظَّمُونَ عِنْدَ أَتْبَاعِهِمْ وَعِنْدَ مَنْ يُغْضِي عَنْ مَسَاوِئِهِمْ لِأَجْلِ مَحَاسِنِهِمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا وَافَقُوا فِيهِ مَذْهَبَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَالسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَرَدِّهِمْ عَلَى الرَّافِضَةِ بَعْضَ مَا خَرَجُوا فِيهِ عَنْ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ: مِنْ إمَامَةِ الْخُلَفَاءِ وَعَدَالَةِ الصَّحَابَةِ وَقَبُولِ الْأَخْبَارِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَالْغُلُوِّ فِي عَلِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ الشِّيعَةُ الْمُتَقَدِّمُونَ كَانُوا يُرَجَّحُونَ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بِمَا خَالَفُوهُمْ فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالشَّفَاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يُسْتَحْمَدُونَ بِمَا خَالَفُوا فِيهِ الْخَوَارِجَ مِنْ تَكْفِيرِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا كَفَّرُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الذُّنُوبِ، وَيُسْتَحْمِدُونَ بِمَا خَالَفُوا فِيهِ الْمُرْجِئَةَ مِنْ إدْخَالِ الْوَاجِبَاتِ فِي الْإِيمَانِ، وَلِهَذَا قَالُوا بِالْمَنْزِلَةِ وَإِنْ لَمْ يَهْتَدُوا إلَى السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ.

وَكَذَلِكَ مُتَكَلِّمَةُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ مِثْلَ الْكُلَّابِيَة والكَرَّامِيَة وَالْأَشْعَرِيَّةِ إنَّمَا قُبِلُوا وَاتُّبِعُوا واستُحْمِدوا إلَى عُمُومِ الْأُمَّةِ بِمَا أَثْبَتُوهُ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ مِنْ إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَالرَّدِّ عَلَى الْكُفَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيَانِ تَنَاقُضِ حُجَجِهِمْ، وَكَذَلِكَ استُحْمِدُوا بِمَا رَدُّوهُ عَلَى الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي يُخَالِفُونَ فِيهَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
فَحَسَنَاتُهُمْ نَوْعَانِ
- الشيخ: إلى هنا بس [فقط] .
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة