الرئيسية/شروحات الكتب/الانتصار لأهل الأثر/(6) قوله “وكذلك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة”

(6) قوله “وكذلك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الانتصار لأهل الأثر) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس السّادس

***    ***    ***    ***
 

- مناطُ المدح هو موافقةُ الكتاب والسُّنَّة [1] - الاستدلال بقوله تعالى: "ولم يجعلْ لهُ عوجًا" على أنَّ القرآنَ غيرُ مخلوقٍ [2] - توجيه كلام العز بن عبد السَّلام أنَّ الأشاعرة أنصارُ أصول الدّين [3]

 
 

– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ: فقالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَه اللهُ تعالى-:
وَكَذَلِكَ مَا يُذَمُّ مَنْ يُذَمُّ مِنْ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ السُّنَّةِ وَالشَّرِيعَةِ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَّا بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ، وَمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَالشَّرِيعَةَ.
وَبِهَذَا ذَمَّ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ أَهْلَ الْكَلَامِ وَالْمُتَكَلِّمِين الصفاتية كَابْنِ كَرَّامٍ وَابْنِ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ.
وَمَا تَكَلَّمَ فِيهِ مَنْ تَكَلَّمَ مِنْ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا الْمَقْبُولِينَ فِيهَا مِنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ إلَّا بِمَا يَقُولُونَ إنَّهُمْ خَالَفُوا فِيهِ السُّنَّةَ وَالْحَدِيثَ لِخَفَائِهِ عَلَيْهِمْ أَوْ إعْرَاضِهِمْ عَنْهُ أَوْ لِاقْتِضَاءِ أَصْلِ قِيَاسٍ مَهَّدُوهُ رَدَّ ذَلِكَ كَمَا يَقَعُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، فَإِنَّ مُخَالَفَةَ الْمُسْلِمِ الصَّحِيحِ الْإِيمَانِ النَّصَّ إنَّمَا يَكُونُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ صِحَّةَ مَا عَارَضَهُ لَكِنْ هُوَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ السُّنَّةِ وَعَظُمَ أَمْرُهُ يَقَعُ بِتَفْرِيطِ مِنْ الْمُخَالِفِ وَعُدْوَانٍ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الذَّمِّ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ فِي النَّصِّ الْخَفِيِّ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ وَالِاخْتِلَافَ يَعْظُمُ فِيهِ أَمْرُ الْمُخَالَفَةِ لِلسُّنَّةِ.
وَلِهَذَا لـمَّا اهْتَمَّ كَثِيرٌ مِنْ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ بِأَمْرِ الْإِسْلَامِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ حَتَّى صَارُوا يَلْعَنُونَ الرَّافِضَةَ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرَهُمْ عَلَى الْمَنَابِرِ حَتَّى لَعَنُوا كُلَّ طَائِفَةٍ رَأَوْا فِيهَا بِدْعَةً فَلَعَنُوا الْكُلَّابِيَة وَالْأَشْعَرِيَّةَ: كَمَا كَانَ فِي مَمْلَكَةِ الْأَمِيرِ مَحْمُودِ بْنِ سُبْكْتكِين، وَفِي دَوْلَةِ السَّلَاجِقَةِ ابْتِدَاءً، وَكَذَلِكَ الْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ لما اهْتَمَّ بِذَلِكَ وَاسْتَشَارَ الْمُعْتَزِلَةَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَرَفَعُوا إلَيْهِ أَمْرَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَنَحْوِهِ وَهَمُّوا بِهِ حَتَّى كَانَ يَخْتَفِي وَإِنَّمَا تَسَتَّرَ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمُوَافَقَتِهِ، ثُمَّ وَلَّى النَّظَامُ وَسَعَوْا فِي رَفْعِ اللَّعْنَةِ

– الشيخ: لا، لا ما هو "النَّظَامُ"، "النِّظَامُ" نظامُ الـمُلْكِ يعني..
– القارئ: إي نعم، نِظَام الـمُلكِ -أحسن الله إليك-
وَسَعَوْا فِي رَفْعِ اللَّعْنَةِ وَاسْتَفْتَوْا مَنْ اسْتَفْتَوْهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ كالدامغاني الْحَنَفِيِّ وَأَبِي إسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَفَتْوَاهُمَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ بِخُرَاسَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَبَا إسْحَاقَ اسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ فَأَلْزَمُوهُ وَأَفْتَوْا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَعْنَتُهُمْ وَيُعَزَّرُ مَنْ يَلْعَنُهُمْ وَعَلَّلَ الدامغاني: بِأَنَّهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَعَلَّلَ أَبُو إسْحَاقَ -مَعَ ذَلِكَ-: بِأَنَّ لَهُمْ ذَبًّا وَرَدًّا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَّةِ فَلَمْ يُمْكِنْ الْمُفْتِيَ أَنْ يُعَلِّلَ رَفْعَ الذَّمِّ إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ.
وَكَذَلِكَ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ 

[1] مناطُ المدح هو موافقةُ الكتاب والسُّنَّة
– الشيخ: كأنَّ شيخ الإسلام كلُّ هذا الكلام يقول: عندَ الأمة مَنَاطُ المدحِ هو الموافقة للكتابِ والسُّنة، ومَنَاطُ الذِّمِّ هو المخالفة، يعني هذا سواءً أصابَ الذامُّ أو المادحُ أو أخطأَ، لكن مَنَاط المدح في عُرفِ المسلمين وعند المسلمين مَنَاط المدح هو الموافقة للكتابِ والسُّنة، ومَنَاط الذَّمِّ هو المخالفة، وقد يكون الذَّامُّ، قد يكون المخالِفُ مُخطئًا، لا يستحقُّ الذَّمَّ والسَّبَّ، يكونُ مخطئًا، مجتهدٌ ومخطئٌ، وقد يكون مُستحقًا، وقد يكون الذامُّ أيضًا مخطئًا.
 

– القارئ: وَكَذَلِكَ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَتْوَى طَوِيلَةً فِيهَا أَشْيَاءُ حَسَنَةٌ قَدْ سُئِلَ عَنْ مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ قَالَ فِيهَا: "وَلَا يَجُوزُ شَغْلُ الْمَسَاجِدِ بِالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ وَمُخَالَطَةِ الـمُرْدِ وَيُعَزَّرُ فَاعِلُهُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا رَادِعًا، وَأَمَّا لُبْسُ الْحَلَقِ وَالدَّمَالِجِ وَالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ فَبِدْعَةٌ وَشُهْرَةٌ. (وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا) وَهِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ لِبَاسُ أَهْلِ النَّارِ، وَهِيَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إنْ مَاتُوا عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَلَا تَقْبِيلُ الْقُبُورِ وَيُعَزَّرُ فَاعِلُهُ، وَمَنْ لَعَنَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عُزِّرَ عَلَى ذَلِكَ تَعْزِيرًا بَلِيغًا. وَالْمُؤْمِنُ لَا يَكُونُ لَعَّانًا وَمَا أَقَرَبَهُ مِنْ عَوْدِ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِ
قَالَ: وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْقُبُورِ، وَلَا الْمَشْيُ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا تُعْمَلُ مَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ).
قَالَ: وَأَمَّا لَعْنُ الْعُلَمَاءِ لِأَئِمَّةِ الْأَشْعَرِيَّةِ فَمَنْ لَعَنَهُمْ عُزِّرَ وَعَادَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ، فَمَنْ لَعَنَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلَّعْنَةِ وَقَعَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ، وَالْعُلَمَاءُ أَنْصَارُ فُرُوعِ الدِّينِ وَالْأَشْعَرِيَّةُ أَنْصَارُ أُصُولِ الدِّينِ.
قَالَ: وَأَمَّا دُخُولُهُمْ النِّيرَانَ فَمَنْ لَا يَتَمَسَّكُ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ فِتْنَةٌ لَهُمْ وَمَضَلَّةٌ لِمَنْ يَرَاهُمْ، كَمَا يَفْتَتِنُ النَّاسُ بِمَا يَظْهَرُ عَلَى يَدَيْ الدَّجَّالِ، فَإِنَّهُ مَنْ ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ خَارِقٌ فَإِنَّهُ يُوزَنُ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ كَانَ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ كَرَامَةً، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ كَانَ ذَلِكَ فِتْنَةً كَمَا يَظْهَرُ عَلَى يَدَيْ الدَّجَّالِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَيِّتِ وَمَا يَظْهَرُ مِنْ جَنَّتِهِ وَنَارِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ بِمَا يَظْهَرُ عَلَى يَدَيْ هَؤُلَاءِ. وَأَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالشَّرْعِ الشَّرِيفِ: فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ فِتْنَةٌ لِلْعِبَادِ. انْتَهَى.

– الشيخ: انتهى، أنتَ تقرأ من الفتاوى؟
– القارئ: لا، من النسخة المحققة
– الشيخ: أيش قال عن أبي محمد؟
– القارئ: أحسن الله إليك، قالَ: العِزُّ بنُ عبدِ السلام
– الشيخ: هذا هو بس، رحمه الله، طيب بعدك؟
– طالب: زاد المعاد

– الشيخ: نعم يا شيخ محمد.
 

[2] الاستدلال بقوله تعالى: "ولم يجعلْ لهُ عوجًا" على أنَّ القرآنَ غيرُ مخلوقٍ
– طالب: أحسن الله إليك، في تفسيرِ البَغَوي، عندَ قولِه تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ذكرَ الكلامَ فيها، ثمَّ قال: وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مَخْلُوقًا
– الشيخ: هي معنى غلط، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ، ما قالَ: "ولمْ يجعله عِوِجًا"، هذا غلطٌ، نفسُ التركيبِ لا يناسبُه ولا يليقُ بِه
– القارئ: وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مَخْلُوقًا
– الشيخ: قال: "له"، شوف [انظر] وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ
– القارئ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ أَيْ: غَيْرَ مَخْلُوقٍ.
– الشيخ: هو سيشيرُ إلى ما تقدَّم، أي بس بدون تعليق؟
– القارئ: بدون تعليق، أحسن الله إليك
– الشيخ: إي ما لنا شغل به
– القارئ: أحسن الله إليك.
 
[3] توجيه كلام العز بن عبد السَّلام أنَّ الأشاعرة أنصارُ أصول الدّين
– طالب: أحسن الله إليكم يا شيخَنا، كلامُ العِزّ ما يُعَلَّقُ عليه بشيء، أنَّ الأشاعرةِ أنصارُ أصولِ الدِّين؟
– الشيخ: إي هو، هذا عندَه أنهم أنصارُ، هم لهم جهود في، حتى المعتزلة لهم جهودٌ في نصرِ الدِّين، لهم جهودٌ، والواجبُ العَدْلُ والإنصافُ، فلهم مَحاسِن وعليهم مَآخِذ. يعني مثلُ إثباتِ النُّبوة، إثباتُ الصانع، وجودُ الخالق هذا نفسهم المعتزلة ذكرها..، المعتزلة يَردُّون على الفلاسفة وكذا، وينقلونَ بعضًا مِن الكفار إلى الإسلام، مِن الكفر إلى الإسلام، إلى إسلامِ المعتزلة، مو [أليس] بأحسن؟ مذهبُ بالمعتزلة، مو بأحسن مِن اليهودية والنصرانية؟ ها؟
– طالب: أحسن أحسن

– الشيخ: طيّب
– طالب: قصدي هو أشعريٌّ؟ وهو يمدح أصحابَه ويُبالِغ؟

– الشيخ: هذا.. يُبالغ كلّه، المبالغةُ مذمومةٌ في كلِّ إطارِ، حتى أهلُ أصحابِ المذاهبِ الفقهيّة.
– القارئ: أحسن الله إليكم يا شيخ.
 
info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة