(1) المقدمة

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح نونيّة ابن القيم – المسمّاة: (الكافية الشّافية)
الدّرس الأوّل

***    ***    ***    ***


– الشيخ: الحمدُ لله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسله وعلى آله وصحبه.
في هذا اليوم -السبت، الثلاثين من شهر شوال، لعام ستة وثلاثين وأربعمائة بعد الألف مِن الهجرة النّبويّة، على صاحبها الصّلاة والسّلام-: نبدأ معكم أيّها الإخوان سلسلة مجالس، إن شاء الله، لقراءة القصيدة النّونيّة، المعروفة بـ "الشّافية الكافيّة"، مِن تأليف الإمام العَلم "محمّد بن أيوب ابن القيّم" رحمه الله.
والحديث عن هذه القصيدة وعن مؤلّفها يطول، فالإمام ابن القيم مِن أئمة الإسلام والهداة الذين جمع الله لهم بين: العلم، والتّحقيق، والعمل الصّالح، والجهاد في نشر دين الإسلام، ونشر علومه، ونشر عقيدة أهل السنّة والجماعة، والذّبّ عنها.
والقصيدة -النّونيّة الشّافية الكافيّة في الانتصار للفرقة النّاجية- قصيدةٌ عظيمة، لا نظير لها مِن نوعها، فكلّ ما حصل مِن التّأليف على هذه الطّريقة: لا يدانيها، فكلّ ما أُلّف مِن نظمٍ على عقيدة أهل السنّة: فإنّه لا يبلغُ مبلغها ولا يدانيه؛ لا مِن حيث الكم، ولا مِن حيث الكيفيّة.
وقد اشتهرَتْ هذه القصيدة في عصره، وتلقّاها طلابُ العلم بالحفظ والقراءة، وتلقّاها العلماء بالقراءة والشّرح، وقد يسّرَ اللهُ في هذا العصر أن بُذِلتْ في هذا الشّأن جهودٌ، حتى جُعِلت مشروعًا في تسجيل الرّسائل العلميّة، فسُجّل فيها أربع رسائل علميّة، تضمّنت: الحديث عن هذه القصيدة، وعن مؤلِّفها وحصل بذلك خيرٌ كثير.
وقد جُمِعتْ هذه الرّسائل ونسّقت، حتى صدرتْ في كتابٍ مُرتّب، يتضمّن الكلام والحديث عن هذه القصيدة مِن جميع الوجوه: مِن جهة مضمونها، وغايتها، والموازنة بينها وبين غيرها، مع العناية بضبطها، وشرح ما يحتاجُ إلى شرح مِن أبياتها. وهي جديرةٌ بالحفظ؛ لأنّها متضمّنة لِمعانٍ عظيمة وعلوم كثيرة في شأن معتقد أهل السنّة والجماعة،.
وفي هذا الطّريق عرضَ المؤلِّفُ إلى مذاهب الفرق المخالفة: مِن الفلاسفة، والجهميّة، ومَن تبعهم مِن الطّوائف الذين دخل عليهم الانحراف في باب التّوحيد -توحيد الأسماء والصّفات- وفي غيره مِن أصول الاعتقاد.
فنبدأ، ونسألُ الله -سبحانه وتعالى- التّيسير والتوفيق، نبدأ هذه المجالس بقراءة هذه القصيدة مِن أوّلها، مِن مقدّمتها وخطبتها، خطبة المؤلِّف- رحمه الله-، وليس المقصود: الشّرح التفصيلي على أمر واسع، ولا يتيسّر، لكن المقصود: هو التّعليق حسب ما يقتضيه المقام.
وقد شُرحتْ، شرحها عددٌ مِن العلماء، ومِن أجلّ الشّروح المعاصرة: شرح شيخنا الشّيخ محمّد بن عثيمين، وهو معروف بعنايته بالشّرح مِن حيث التّفصيل والتّحليل -رحم الله الجميع-.
وقبل الشّروع: نقرأ ترجمة مختصرة، استخلصناها مِن الحافظ بن كثير -رحمه الله- صاحب ابن القيّم، فإنّه من خواصه, مِن خواص تلاميذه وأصحابه -رحم الله الجميع-.
 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هو الإمامُ الشّيخ العلّامة: شمسُ الدّين محمّد بن أبي بكر..

– الشيخ: "شمس الدّين" هذا لقب، تعرفون، يعني جرى كثير مِن أهل تلك الأعصار إلى الآن، تجدون: "بدر الدين، وشمس الدين، وتقي الدين، وعماد الدين وهكذا", يعني مِن تعظيمهم لدين الإسلام يتفاءلون للطّالب وللعالم يلقبونه بهذه الألقاب.
 
– القارئ: شمسُ الدّين محمّد بن أبي بكر بن أيوب الزّرعي، إمامُ المدرسة الجوزيّة..
– الشيخ: المدرسة الجوزية: التي أسسها ابن الجوزي، اسمها الجوزيّة.
 
– القارئ: وابنُ قيّمها..

– الشيخ: ولهذا عرف بابن القيّم، ابن القيم: يعني ابن قيّم المدرسة الجوزيّة، ففيها حذف المضاف، ابن القيم ، صار علما عليه، والأصل: ابن قيم الجوزيّة.
 
– القارئ: ولِدَ في سنةِ إحدى وتسعينَ وستمائة، وسمعَ الحديثَ واشتغلَ بالعلمِ، فبرعَ في علومٍ متعدّدةٍ، لاسيما: علم التّفسير والحديث، وفي سنة اثنتي عشرة وسبعمائة التقى بشيخِ الإسلام ابن تيميّة ولازمه إلى أن ماتَ الشّيخ فأخذَ عنهُ علمًا كثيرًا..
– الشيخ: لازمهُ ستّة عشرة سنة على هذا الترتيب.
 
– القارئ: فأخذَ عنهُ علمًا كثيرًا مع ما سلفَ له مِن التّحصيل، فصارَ فريدًا في فنونٍ كثيرة، مع الجدّ النّادر في طلبِ العلوم مع كثرة العبادة، وكانَ حسنَ الأخلاق، كريم العشرةِ، طيّب القلب مع أصحابه.
أمّا المصنّفات: فلهُ تصانيف كثيرة، كبار وصغار، في: الفقه، والأصول، والاعتقاد، والسّلوك، وأشهرها: "زادُ المعاد في هدي خير العباد"، "وإعلام الموقّعين"، "ومدارج السّالكين" ، "والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"، وكتاب القصيدة النّونية المسمّاة  "الكافيّة الشّافيّة في الانتصار للفرقة الناجية"، وهو يمزج في مصنّفاته بين العلوم..

– الشيخ: يمزجُ بين العلوم: يعني ما في كتاب متخصّص في موضوع معيّن إلا نادرًا, فتجد في كتابه يعني مسائل أصول الفقه, ومسائل في التّفسير، وتفسير آيات كثيرة، والكلام على قضايا فقهيّة كثيرة، هذا الظاهر في مثل كتابه "إعلام الموقعين"، وفي "زاد المعاد" تجد فيه هذا وهذا , يمزج بين العلوم.
 
– القارئ: وهو يمزجُ في مصنّفاته بين العلوم، وتوفّي -رحمه الله- سنّة إحدى وخمسين وسبعمائة، وقد كملَ له مِن العمر ستون سنة -رحمه الله-
– الشيخ: رحمه الله، هذه التّرجمة مختصرة مقتبسة مِن تأريخ ابن كثير في حديثه عن هذا الإمام، الذي هو أحد بل هو أكبر مشايخه.
وابن القيم هو لعله أبرز -على الإطلاق- تلاميذ الإمام ابن تيميّة، ولهذا صار قرينه في كلام أهل العلم، إذا ذُكِرَ ابن تيمية يذكر ابن القيم، يقال : "اختار هذا شيخ الإسلام وابن القيّم"، "وقال هذا ابن تيميّة وابن القيم"، فما بلغ أحدٌ مِن تلاميذ شيخ الإسلام ما بلغه ابنُ القيّم -رحمه الله- في العلم والمنزلة.
 
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
الحمدُ للهِ الذي شهدتْ لهُ بالرّبوبيّة جميعُ مخلوقاته، وأقرّتْ له بالعبوديّة جميعُ مصنوعاته، وأدّت له الشّهادةَ جميعُ الكائنات أنّه الله الذي لا إله إلّا هو بما أودعها مِن لطيف صنعهِ وبديع آياته، وسبحانَ الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، ولا إله إلا الله الأحد الصّمد، الذي لا شريك له في ربوبيّته، ولا شبيه له في أفعاله، ولا في صفاته، ولا في ذاته، والله أكبر عدد ما أحاط به علمه، وجرى به قلمُه، ونفذ فيه حكمُه من جميع برياته، ولا حول ولا قوة إلا بالله, تفويضُ عبدٍ لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، بل هو بالله وإلى الله في مبادئ أمره ونهاياته.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريكَ له، ولا صاحبة له، ولا ولد له، ولا كفؤ له, الذي هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه أحدٌ مِن جميع برياته، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته مِن بريّته، وسفيره بينه وبين عباده، وحجّته على خلقه، أرسلهُ بالهدى ودين الحقّ بين يدي السّاعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أرسله على حين فترةِ من الرّسل، وطموسٍ مِن السبل، ودروسٍ مِن الكتب، والكفرُ قد اضطرمت نارُه، وتطاير في الآفاق شراره، وقد استوجب أهل الأرض أن يحلّ بهم العقاب، وقد نظر الجبار -تبارك وتعالى- إليهم فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا مِن أهل الكتاب، وقد استند كلّ قوم إلى ظُلَم آرائهم، وحكموا على الله –سبحانه- بمقالاتهم الباطلة وأهوائهم، وليلُ الكفر مدلهمّ ظلامه، شديدٌ قتامه، وسبيلُ الحق عافية آثارها مطموسةٌ أعلامه، ففلق الله سبحانه بمحمد r صبحَ الإيمان؛ فأضاء حتى ملأ الآفاق نورًا، وأطلعَ به شمسَ الرّسالة في حنادس الظّلم سراجًا منيرًا، فهدى الله به من الضلالة، وعلّم به من الجهالة، وبصّر به من العمى، وأرشد به من الغي، وكثّر به بعد القلّة، وأعزّ به بعد الذّلّة، وأغنى به بعد العيلة، واستنقذ به من الهلكة، وفتح به أعينًا عميا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، فبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، وشرحَ الله له صدره، ورفعَ له ذكره ووضع عنه وزره، وجعلَ الذّلّة والصّغار على من خالف أمره، وأقسم بحياته في كتابه المبين، وقرنَ اسمه باسمه، فإذا ذُكِر ذُكرَ معه كما في الخطب والتّشهّد والتأذين، فلا يصحّ لأحد خطبةٌ ولا تشهْدٌ ولا أذان ولا صلاة حتى يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقين، فصلّى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وجميع خلقه عليه، كما عرّفنا بالله وهدانا إليه، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعد..

– الشيخ: هذه خطبةٌ دبَّجها المؤلِّف بأسلوبه البارع في تصدير هذه القصيدة، تضمّنت :الثّناء على الله، وتمجيده، وحمده، وتوحيده، والتّنويه بتوحيده -سبحانه وتعالى- في إلهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، والتّنويه برسالة محمّد r وأنّها النّعمةُ العظمى التي أخرج الله بها العباد مِن الظّلمات إلى النّور، وأنّ رسالته جاءت كالغيث على الأرض الممحِلة التي قد أجدبت، وأصبح النّاس في ضرورة، لأنّه -عليه الصّلاة والسّلام- بعثه اللهُ على فترةٍ مِن الرّسل، وطموس مِن السُّبل، إلى آخر ما ذكر، وسنمرّ على جمل هذه الخطبة ونقف معها للتعليق على ما تيسّر مِن ذلك.
 
– القارئ: الحمدُ لله الذي شهدتْ له بالرّبوبية جميعُ مخلوقاته..
– الشيخ: "الحمد": هو الثّناء بالجميل وبالمحامد وصفات الكمال، واللهُ تعالى هو المستحقّ للحمد كلّه، الحمدُ لله, واللهُ تعالى يحمدُ نفسه، ويعلِّمُ عباده أن يحمدوه كما علّمنا في كتابه:
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]
{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام:1]
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[سبأ:1]
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}[الكهف:1] وهكذا.
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم:17-18]
 
– القارئ: الذي شهدتْ لهُ بالرّبوبيّة جميعُ مخلوقاته..
– الشيخ: شهادةً كونيّةً، وهي التي يُعبَّر عنها: الشّهادة بلسان الحال، فجميعُ المخلوقات وجودُها دالٌّ على ربوبيّته؛ لأنّه هو الخالقُ لها، فهي دالّة على أنّه الخالق، الحكيم، الرّحيم، القدير، المدبّر لكلّ شيء، جميعُ المخلوقات دالّةٌ على وحدانيته في ربوبيّته، وإلهيته، وكماله، سبحانه وتعالى، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[الإسراء:44] ويقول تعالى: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} يعني: خاضعون، طائعون، مُنقادون.
 
– القارئ: الحمدُ للهِ الذي شهدتْ له بربوبيّته جميعُ مخلوقاته..
– الشيخ: جميعُ مخلوقاته: يعني مِن العالم العلوي والسّفلي, مِن صغيرٍ وكبير, مِن الذرّة إلى الأفلاك العظيمة والسّموات, مِن ناطقٍ وصامتٍ، مِن حيٍّ وجمادٍ، كلّها وجودُها دالّ على ربوبيّته سبحانه وتعالى.
 
– القارئ: وأقرّتْ له بالعبوديّة جميعُ مصنوعاته..
– الشيخ: شهدتْ له بالرّبوبيّة وأقرّت له بالعبودية، فالرّبوبية: له وصفته -سبحانه وتعالى-، والعبوديّة: صفةُ المخلوق، فهو ربّ كلّ شيء والخلقُ كلّهم عبيده، فشهدت له جميعُ المخلوقات بالربوبيّة، وأقرّت له بالعبوديّة، وهذان متلازمان؛ فاللهُ تعالى ربّ كلِّ شيء، وكلُّ شيءٍ هو مُنقادٌ له وعبدٌ وخاضع، أقرّت له بالعبوديّة جميع مصنوعاته.
ومصنوعات ومخلوقات: معناهما واحد، والله –تعالى- يُوصف بالخلق في آيات -وهذا هو الأكثر- الله هو الخالق والخلّاق، وذكر -سبحانه وتعالى- أنّه خلق السّموات وخلق كلّ شيء وخلق الإنسان: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ}[النحل:3-4] {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ}[النحل:5]
وهو سبحانه وتعالى الصّانع لهذه المخلوقات، فهي مصنوعاته ومخلوقاته، لكن "الصّانع" لم يأتِ اسمًا مِن أسمائه ، لكن يصحّ أن نقول: إنّه الصّانع، هذا حقّ نُخبرُ به، لكن ليس مِن أسمائه التي تسمّى بها، لكنه جاء ذكر "الصّنْع" في آية واحدة {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}[النمل:88] فيصحّ أن تقول: هذا صنع الله، تشير إلى بعض مخلوقاته ، ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ
وتقول هو الصّانع -سبحانه وتعالى-: على سبيل الإخبار، لكن ليس مِن أسمائه التي يُدعى بها، تقول: يا صانع، لكن تقول: يا خالق، اللهم أنت الخلّاق، أنت الخالق لكلّ شيء، أنت الخالقُ البارئ المصوّر، هكذا. فلهذا تفنّن المؤلِّف ونوّع, من تحسين الكلام: التنويع، من تحسين الكلام تنويعه قال: (الحمدُ للهِ الذي شهدتْ له بربوبيّتهِ جميعُ مخلوقاته، وأقرّتْ له بالعبوديّة)
والعبودية نوعان:
– عبودية عامّة، هذه لا يخرج عنها شيء, فالملائكة والجنّ والإنسُ: كلّهم عبيده، والمؤمنون والكفار: كلّهم عبيده، {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم:93] فهذه العبوديّة العامّة, أقرّت له بالعبوديّة جميعُ مصنوعاته.
– أمّا العبودية الخاصّة، فهي خاصة بالمؤمنين المطيعين الخاضعين لله اختيارًا، كالملائكة والصّالحين مِن الجنّ والإنس.
وهذا الإقرار مثلُ الشّهادة، يعني إقرارٌ كونيّ وانقيادٌ كونيّ، وإلّا فمِن المعلوم أنّ الكفار غيرُ مقرّين بألسنتهم، لكن واقعهم وخِلقتهم وتكوينهم متضمّنٌ للإقرار بالعبوديّة، فكلّهم خاضعون, مهما بلغَ الخلقُ مِن القوة فإنّهم مقهورون بقدرته -سبحانه وتعالى- وسلطانه، لا خروج لأحدٍ عن حكمه، مهما بلغ في القوّة, فهم في حكمه وسلطانه -سبحانه وتعالى-, لا يستطيع الخلق أن يدفعوا عن أنفسهم ما يريده اللهُ بهم من بأسه.
 
– القارئ: وأدّتْ لهُ الشّهادة جميعُ الكائنات أنّه اللهُ الذي لا إله إلّا هو، بما أودعها مِن لطيفِ صنعه وبديع آياته..
– الشيخ: كذلك شهدت له بالإلهيّة, فالشّهادة الأولى: الشّهادة بالربوبيّة، و(أدّت له الشّهادة ) مثل (شهدت له جميعُ مخلوقاته), (وأدّت له الشهادة)، يعني: شهدت له جميع مخلوقاته بأنّه لا إله هو، فشهدت له بالرّبوبيّة وشهدت له بالإلهيّة.
(جميعُ الكائنات) تساوي: (جميع مخلوقاته) و(جميع مصنوعاته)، قلت لكم إنّ هذا مِن تحسين الكلام، وتوضيح المعاني؛ ومن تنويع العبارات؛ شهدت له بالرّبوبيّة جميعُ مخلوقاته، وأقرّت له بالعبوديّة جميعُ مصنوعاته، وأدّت له الشّهادة، كلّها معانيها متقاربة، لكنّها بتنويعٍ يجمِّلُ الكلام، وينبّه إلى المعاني وجوانب المعنى في الموضوع.
 
– القارئ: وأدّت له الشّهادةَ جميعُ الكائنات..
– الشيخ: جميع الكائنات، جميع المخلوقات، جميع المصنوعات: المعنى واحد.
 
– القارئ: وأدّت له الشّهادةَ جميعُ الكائنات أنّه الله..
– الشيخ: هنا يتبيّن الفرقُ بين الشّهادة الأولى والشّهادة الثّانية، الشّهادة الأولى: بالرّبوبيّة، شهدت له بالرّبوبيّة وأقرّت له بالعبوديّة جميعُ مخلوقاته ومصنوعاته، وهنا أدّت له الشّهادة جميعُ الكائنات بأنّه الله الذي لا إله إلا هو، وهذا هو توحيد الإلهيّة، والأول تقرير أو معنى توحيد الربوبيّة، بأنّه الله الذي لا إله إلا الله.
فنبّه الشيخ إلى دلالة المخلوقات على توحيد الرّبوبيّة وتوحيد الإلهيّة، يعني هذه العوالم وهذه المخلوقات دالّة على نوعي التوحيد: توحيد الرّبوبيّة وتوحيد الإلهيّة، فالمخلوقات شاهدة بأنّه تعالى ربّ كلّ شيء ومليكه، وأنّه الله الذي لا إله إلا هو.
 
– القارئ: وأدّت له الشّهادةَ جميعُ الكائنات أنّه الله الذي لا إله إلا هو، بما أودعها مِن لطيفِ صنعهِ وبديع آياته..
– الشيخ: أدّت له الشّهادة بتفرّده بالإلهية، بماذا شهادتُها؟ شهادتُها -كما قلت- شهادة كونيّة، ليست شهادة بيانيّة ولسانيّة، فالدّلالة نوعان:
– دلالة بلسان الحال، وهو ما يدلّ عليه الشّيء بوجوده وبصفته.
– ودلالة بلسان المقال، وهو ما يحصل بالنّطق والكلام، ولهذا يقول: وأدّت لهُ الشّهادةَ بأنّه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها وجعلهُ فيها مِن لطيف صنعه وبديع آياته.
تدبّر أيّها المخلوق، تدبّر أيّها العبد المسلم، تدبّر أيّ شيء مِن هذه المخلوقات تجد فيه ما لا ينقضي منه العجب، تدبّر خِلقتك، ابدأ بنفسك {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:21]، فإنّك لا تنتهي إلى غاية مما في تكوينك مِن الدلالات في خلقتك، في تركيب بدنك، في صفاتك الظّاهرة والباطنة، وتدبر سائر المخلوقات؛ مِن الأحياء والنّبات، وغير ذلك، كلُّها شاهدة بأنّه -سبحانه وتعالى- ربُّ كلّ شيء ومليكه، وأنّه الله الذي لا إله إلا هو بما أودعها مِن لطيف صنعه وبديع آياته.
تدبّر: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ}[الذاريات:20]، في الأرض آيات بما فيها مِن سائر المخلوقات من الأحياء والجمادات، كلّ مخلوق فيه آية، ومِن أبلغ ما قيل في هذا البيت المشهور:
وفي كلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ ** تدلُّ على أنّه واحدُ
سبحانه وتعالى، فيقول: (أدّت له الشّهادة بما أودعها): يعني ما أودعهُ -سبحانه وتعالى- في برياته -مِن لطيف صنعه، وبديع آياته- هو شهادة له بتفرده بالإلهية.
 
– القارئ: وسبحانَ الله وبحمدهِ، عددَ خلقهِ، ورضا نفسهِ، وزنةَ عرشهِ، ومدادَ كلماتهِ..
– الشيخ: هذا جَمَعَ بين الحمد والتسبيح، بنى هذه الخطبة على كلمات الذكر: (الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله). وهذه التّسابيح مقتبسة مِن الحديث المشهور الذي قاله الرسول r لإحدى نسائه –جويرية- حين مرّ بها وهي جالسة تسبّح، فمرّ بها فقال لها بعد: (إنّي قد قلتُ بعدكِ كلمات لو وزِنتْ بما قلتِ منذُ الصّباح لوزنتهنّ) أو كما قال -عليه الصّلاة والسلام- (سبحان الله وبحمده، عددَ خلقه، ورضا نفسهِ، وزنةَ عرشهِ، ومدادَ كلماته).
والتسبيح معناه: التّنزيه، "الحمد" يتضمّن إثبات صفات الكمال، الحمد لله: يدلّ على أنّه الموصوف بكلّ المحامد، لذلك هو المستحقّ لكلّ الثّناء والحمد والتّمجيد.
"وسبحان الله": فيه تنزيه لله عن جميع النّقائص والعيوب والآفات، ولهذا دارت كلمات الذّكر على هذه الكلمات الأربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ، وهذا مِن أبلغ أنواع الذكر: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه)، يعني أنّه تعالى المستحقّ للتّنزيه بهذا العدد وبهذه الصّفة.
 
– القارئ: عددَ خلقه ورضا نفسهِ..
– الشيخ: يُحتمل أنّ المراد: عدد خلقه وعدد رضا نفسه، وعدد مداد الكلمات، وزنة عرشه، ويحتمل أنّ قوله: (عددَ خلقه): فيه ذكر الكميّة، (ورضا نفسه وزنة عرشه): بيان للكيفية, أنّه تسبيحٌ يتضمّن رضا نفسه سبحانه، وأنّه مِن عظم الشّأنِ زنة العرش، وهذا يدلّ على أنّ العرش له وزن، وأنّه له ثقل، وأنه شيءٌ قائم بنفسه ليس أمرًا معنويًّا، لا، هو أعظم المخلوقات وهو سقف المخلوقات.
 
– القارئ: ومدادَ كلماتهِ..
– الشيخ: المداد: هو ما يُكتب به، والله ذكرَ أنّ مدادَ كلماته لا حدّ له، لأنّ كلماته لا تنفد: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}[الكهف:109] فما يمكن أن تُكتبَ به كلماته لا نهاية له، لأنّ كلمات الله لا نهاية لها ، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان:27]
وليس معنى هذا -كما نبّه على ذلك ابنُ القيّم- أنّك إذا قلت هكذا: أنّك تكون قد سبّحت عدد المخلوقات، إذًا قل: سبحان الله عدد خلقه وتكفيك! ، لا , المعنى: أنّ الله يستحقُّ مِن التّنزيه والتّسبيح بهذا القدر كَمّاً وكيفًا، هذا يتضمّن أن الله يستحق هذا التّنزيه, كما لو قلت: سبحان الله مائة مرة، أو سبحان الله ألف مرة، هل تكون مُسبّحًا لله ألف مرة؟ لا، لكن ما يُشرع أن تقول: "سبحان الله مائة مرة"، غير مشروع، ولا أن تقول: سبحان الله ألف مرة، لكن جاء هذا التقدير هنا، قل: "سبحان الله عدد خلقه"، لأن هذا هو الوارد، هذا أبلغ وأعظم مِن كلّ تقدير تقوله أنت أيّها العبد، هل يوجد أبلغ مِن هذا التقدير الذي جاء في البيان النبوي! (عددَ خلقهِ ورضا نفسهِ وزنةَ عرشهِ ومدادَ كلماته)، هو المستحق للتنزيه -سبحانه وتعالى- بهذا الكمّ وهذه الكيفيّة.
 
(ولا إله إلا الله الأحدُ الصّمد)، أنا قلت أنّه بناها على كلمات الذّكر: سبحان الله والحمد لله، وقدّم "الحمد"، مع أنّه في الذّكر في الغالب تقديم التّسبيح: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله)، لكن قدّمه: لأنّه هو أحقّ بأن يُفتتح به القول.
وهذه هي الجملة الثالثة: (ولا إله إلا الله)، فكأنّه قال: الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، لاحظ وتأتي: والله أكبر.
(ولا إله إلا الله الأحد الصمد)، الأحد الصمد: اسمان مِن أسمائه التي وردتا في سورة الإخلاص خاصّة، هذان الاسمان لم يردا في القرآن إلّا في هذه السورة.
أمّا الأحد: فهو الدّال على التّوحيد بكلّ أنواعه، هو الأحد الذي لا شريكَ له في ربوبيّته، وإلهيّته، ولا شبيه له في صفاته -سبحانه-.
والصمد: أوضح وأقرب ما فسّر: أنه الذي تصمدُ إليه جميعُ المخلوقات في حوائجها، وتتوجّه إليه طلبًا ورجاءً وتوكّلاً -سبحانه وتعالى-.
 
– القارئ: الذي لا شريكَ له في ربوبيّته، ولا شبيهَ له في أفعالهِ، ولا في صفاتهِ، ولا في ذاته..
– الشيخ: (الذي لا شريك له في ربوبيته): فهو الربّ وحده، الخالقُ وحده، لا خالقَ غيره، ولا ربَّ سواه، ولا شبيهَ له في صفاتهِ ولا في أفعاله ولا في ذاته، نقول: ليسَ كمثلهِ شيءٌ في أسمائه ولا صفاته ولا أفعاله، ليس كمثله شيءٌ في ذاته ولا في صفاته.
 
– القارئ: ولا شبيه له في أفعاله ولا في صفاته ولا في ذاته..
– الشيخ: أما صفاته: عام، يشمل الصّفات الذّاتيّة والفعليّة، لكنه عطفَ الصّفات على الأفعال، قد تكون الصّفات أخصّ بالصّفات القائمة به -سبحانه وتعالى- الصّفات الذّاتية، لأنكم تعلمون أنّ صفات الله نوعان:
– صفات ذاتيّة: وهي التي لا تتعلق بها المشيئة، كالعلم والحياة والقدرة.
– وصفات فعليّة: وهي التي تتعلق بها المشيئة، كالخلق والرّزق، ومثل استوائه على العرش، ونزوله إلى السّماء الدّنيا، ومجيئه يوم القيامة، فتلك صفاتٌ فعليّة، فهو -تعالى- لا شبيه له في أفعاله، ولا في صفاته، ولا في ذاته -سبحانه وتعالى-.
(ذاته): وهي حقيقته ونفسه، (ذاته) المراد بها: نفسُه، والله تعالى ذكرَ النّفس، الله تعالى له نفس، ومعنى "النفس" في كلامه -سبحانه وتعالى- وفي حقه: المراد ذاته، {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:116]. وقال تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}[طه:41].
فليس في النّصوص إطلاق الذّات على الربّ -سبحانه وتعالى-، لكن جرى في كلام المتكلّمين وفي كلام أهل العلم إطلاق الذّات على نفس الربّ، فالعرب تقول: جاء محمد نفسُه, يعني هو لا غيره، ويصحّ على هذا أن تقول: جاء محمد ذاته, بهذا الاعتبار.
فالله تعالى لا شبيه له في أفعاله، ولا شبيهَ له في صفاته ولا في ذاته، فذاته لا تشبه شيئًا مِن الذّوات، وأفعالُه لا تشبه أفعالَ العباد، وصفاتُه لا تشبه صفاتَ العباد، وتفصيل ذلك يطول وتأتي له مناسبات إن شاء الله.
 
– القارئ: والله أكبر، عددَ ما أحاطَ به علمُه، وجرى به قلمُه، ونفذَ فيه حكمُه مِن جميع برياته..
– الشيخ: هذه الجملة الرابعة (الحمد لله، سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) (والله أكبر عدد ما أحاط به علمه): يعني هذا مِن تعبير ابن القيّم، يعني أنّه -تعالى- المستحقّ للتكبير عددَ ما أحاط به علمُه، وجرى به قلمُه، الله تعالى أحاطَ بكل شيء، فكأنه قال: والله أكبر عددَ كلّ شيءٍ، لأنّ علمه قد أحاط بكلّ شيء.
(وجرى به قلمُه): لعله يريد قلم التّكوين، القلم الذي كتب الله به مقاديرَ الأشياء، وكأنّه بهذه العبارة أشار إلى مرتبتين مِن مراتب القدر: مرتبة العلم، ومرتبة الكتابة.
عددَ ما أحاط به علمه، وعدد ما جرى به قلمه، وقلم التّكوين: قلم القدر، جرى بكلّ ما هو كائن إلى يوم القيامة، ولا شكّ أنّ التّقدير الأوّل أبلغ, "ما أحاط به علمه": أوسع "مما جرى به قلمه"، فقلم القدر إنّما هو متعلّق بما هو كائن إلى يوم القيامة، أمّا "ما أحاط به علمه": فإنه شامل لِمَا كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون.
 
– القارئ: ونفذَ فيه حكمُه مِن جميعِ برياته..
– الشيخ: (ونفذ فيه حكمه): يعني وعدد ما نفذ فيه حكمه، وحكمه تعالى نافذٌ في جميع برياته، عدد ما نفذ، وهذا من التكلّف في العبارات.
 
– القارئ: ولا حول ولا قوة إلا بالله، تفويض عبد لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا..
– الشيخ: هذه جملة مِن أنواع الذّكر التي وردت بها السنّة، (ولا حول ولا قوة إلا بالله) أخبر النبي أنّ هذه كنز من كنوز الجنة، هذه الجملة "لا حول ولا قوة إلا بالله" متضمّنة لمعنى عظيم، لأنّها تتضمّن البراءة -براءة العبد مِن الحول والقوة- وأنّ العبد لا يملكُ لنفسه تحوّلاً مِن حال إلى حال،  ولا قوّة على أيّ شيء إلا بالله, فهي تتضمّن الاستعانة والتوكّل، الاستعانة بالله والتوكّل عليه.
وهي لا تُقال عند المصيبة، كما يجري على ألسنة الناس، إنّما تُقال عند الهمّ بأمر مِن الأمور، تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. ولهذا شُرع أن يقول المجيب للمؤذن عند "حي على الصّلاة" أن يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" استعانةً بالله، فكأنه يقول: أستعين بالله على إجابته للصّلاة، ولهذا يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
(تفويض عبدٍ): العبدُ يقول هذه مفوّضًا أمره إلى الله، ومتوكّلاً عليه، (تفويض عبدٍ لا يملك لنفسه نفعاً ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا)

– القارئ: بل هو باللهِ وإلى اللهِ في مبادئ أمره ونهاياته..
– الشيخ: هو بالله في مبادئ أموره، فالعبدُ إنّما وجوده وجميعُ أموره إنّما هي بالله، يقول ابن تيمية في تعبيرٍ له: "فما لم يكن بالله لا يكون"، وإليه تعالى المنتهى، فمنه الابتداء فهو المبتدي بخلق الإنسان، وخلق كل شيء، وإليه المصير إليه المرجع والمآب، وإليه ترجعون، ولهذا يأتي كثيرًا ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، ﴿وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ، جميع الأمور تنتهي إليه، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى}[النجم:42]، فكلّ شيءٍ ينتهي إلى الله.
 
– القارئ: بل هو باللهِ وإلى اللهِ في مبادئ أمره ونهاياته..
– الشيخ: مرتبط بقوله: (هو بالله وإلى الله)، بالله ابتداءُ أمره، وكذلك نهاياته إلى الله، فأمرُ العبد راجعٌ إلى الله في مبدأه ونهاياته.
(وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له
ولعلنا نتوقف اليوم إن شاء الله ، وإذا تجاوزنا الخطبة يكون الأمر يسير.

 
info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة