الرئيسية/فتاوى/الفرق بين الكهانة والقيافة وحكمهما
share

الفرق بين الكهانة والقيافة وحكمهما

السؤال :

هل معرفة صفات الرَّجل النَّفسيَّة مِن خلال خطواته في الأرض يُعدُّ مِن الكهانة ؟

 

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده؛ أمَّا بعد :

فإنَّ الاستدلال بقَدمِ الإنسان وبآثار الأقدام في الأرض على أمورٍ تتعلَّق بالشَّخص مِن بعض أخلاقه، أو صفاته الخَلقيَّة، أو ارتباطاته القَبَليَّة، وتعيين شخصيَّته، والاستعانة بذلك في معرفة هذه الجوانب، أقول: هذا الاستدلالُ وهذه المعرفةُ علمٌ معروفٌ عند الأمم، وهو ما يُعرَفُ عند العرب بـ"القيافة"، وهو فطري في بعض القبائل، وفي بعض الأشخاص، وهو ضربٌ مِن الفَراسة الطبيعيَّة، ومِن قبائل العرب المعروفة بهذا العلم "بنو مدلج، وبنو أسد"، والعربُ تعترفُ لهم بذلك، وليس ذلك خاصًّا بهم على الصَّحيح، كما قال الحافظُ بن حجر في "فتح الباري": "وكان مِن بني مدلجٍ رجلٌ اسمه (مُجزِّز) دخلَ على زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله عنهما، وهو لا يعرفهما، وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إنَّ هذه الأقدام بعضُها مِن بعض، فسُرَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بذلك؛ لأنَّ مِن النَّاس مَن يطعنُ في نسبِ أسامة". 

ولم يزل هذا العلمُ معروفًا في بعض القبائل إلى اليوم، واشتهرت به "بنو مرَّة"، وسِرُّ هذا العلم أمورٌ يلاحظُها القائفُ في قدم الإنسان أو في وجهه أو في أثَره، فيقعُ في نفسه معارفٌ تشبه الإلهام، وتارةً توجبُ له القطع بالحكم، وتارة توجبُ له غلبة الظَّن حسب تمكنه مِن هذا العلم.

وقلنا: إنَّه طبيعي، أي: خِلْقي؛ لأنَّه لا يُحصَّل بالدِّراسة، بل يكون مَن أوتيه لا يستطيع التَّعبير عنه، ولا تعليمه لغيره، وبهذا يُعلّمُ أنَّ القيافة ليست مِن الكهانة في شيء، وإن كانت تشتبه بها مِن جهة أن كلًّا مِن الكاهن والقائف يُخبرُ بأمور لا يعرف النَّاسُ أسبابها، ولكنَّ الفرقَ بين الكاهن والقائف أنَّ القائفَ: مصدرُ أحكامه وإخباراته ما فُطِرَ عليه مِن دقة الملاحظة في الصّفات والتَّشابهات، وما يقعُ في نفسه مِن دلالات الأشياء، فعلمه ذاتي طبيعي. أمَّا الكاهن: فمصدرُ ما يُخبرُ به هو تابعه مِن الجن، فتابعُه مِن الجن هو الذي يُلقي  إليه ما يلقي مِن صدق أو كذب، ثم الكاهنُ يكذبُ مِن عند نفسه كذبات أخرى، كما جاء في الحديث أنَّ مسترقَ السَّمع يخبرُ الكاهنَ بالكلمة التي سمعها مِن السَّماء، فيكذبُ الكاهنُ معها مئة كذبة، فيرُوّج كذبه، ويصدَّق فيقال: أليس قد قال كذا وكذا يوم كذا وكذا؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (فيُصدَّقُ بتلكَ بسببِ الكلمة التي سُمِعتْ مِن السَّماء).

وبهذا يُعلم أنَّ الكاهن مذمومٌ، وأنَّ الكهانة مِن وحي الشيطان، وأمَّا القيافة فهي هداية إلهيَّة ومحمودة إذا استُعين بها على إظهار الحق ومقاومة الباطل، ولهذا جاءت الشَّريعة بتحريم سؤال الكاهن، وجواز الاستدلال بقول القائف، وجعله العلماءُ قرينةً معتبرة في الحكم فيما يُختلف فيه مِن النَّسب وغيره، كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "الطرق الحكميَّة".

 

أملاه :

عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

في 22 شعبان 1436هـ