الرئيسية/فتاوى/المفاضلة بين التأخر والتعجل في منى
share

المفاضلة بين التأخر والتعجل في منى

السؤال :

المعروف أنَّ المتأخِّرَ في منى أفضلُ مِنَ المتعجِّل، فكيفَ قال تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]؟ وهل يؤخذ مِن قوله: "لِمَن اتَّقى" أنَّ التَّأخر أفضل؟ وهل قيدُ "لِمَن اتَّقى" راجعٌ للمتأخِّر أو للمتعجِّل ؟

 

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده؛ أما بعد :

فقد قيل في الجواب عن ذلك عدَّة أجوبة:

الأوَّل: إنَّه يجوزُ نفيُ الإثم عن الشَّيء دلالة بذلك على الجواز والإباحة، كقولك: "لا حرجَ عليكَ أن تُصلِّيَ"، فنفيُ الإثم والجناح لا يلزم أن يكونَ عن تقصيرٍ أو فيما يتضمَّن التَّقصير في الطَّاعة.

وهنا كذلك؛ نفى الإثمَ عن المتعجِّل والمتأخِّر؛ للتَّسوية بينهما في الإباحة، وإن كان أحدهما فاضِلًا والآخرُ أفضل.

والتَّخييرُ بين أمرين متفاضلين جاء في الشَّرع؛ كما خُيّرَ المسافر بين الصَّومِ والإفطار، وكما خُيّر الحاجُّ بين الإفراد والتَّمتع والقران؛ فتقول: مَنْ أفرَدَ الحجَّ فلا جُناحَ عليه، ومَنْ تمتَّعَ فلا جُنَاحَ عليه، ومَن جمع بينهما فلا جناح عليه. وهنا مِثْلُه، فهو كما تقول: لا حرج على الحَاجِّ أنْ يتعجَّل أو يتأخَّر.  

أمَّا: أيُّهما أفضل؟ فيؤخذُ مِن دليلٍ آخر، ولا شكَّ أنَّ التَّأخُّر أفضلُ مِن التَّعجُّل، والأفضلية مستفادة مِن السُّنَّة، فهو فعلُ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكذلك مستفادة مِن المعنى العام، وهو أنَّ التَّأخُّر يتضمَّن زيادة خير وطاعة؛ مِن المبيت ورمي الجمار.

وأما قوله: لِمَن اتَّقى فهو قيدٌ للأمرين، فلا يُستفادُ منه تفضيل المتأخِّر على المتعجِّل.

 

الثاني: إنَّ نفيَ الإثم عن المتعجِّل والمتأخِّر الغايةُ منه الرَّدُّ على أهل الجاهليَّة، إذ كانوا يَرَوْنَ أنَّ مَنْ تأخَّرَ أَثِمَ، وبعضُهم يرى أنَّ مَن تعجَّل أثمَ، كما نقله الآلوسي، وهذا التَّخريج -إنْ صَحَّ الخبرُ عنهم- يكون مِثْلَ قوْلِه تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158].

الثَّالث: إنَّ المرادَ بنفي الإثم عن الصنفين: هو التَّسوية بينهما في حصول مغفرة الذنوب لكليهما، إذا تحقَّق شرطُ التَّقوى، كما قال النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيومِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ) أي: لا إثمَ عليه.

الرَّابع: إنَّ نفي الإثم عن المتعجِّل لا إشكال فيه؛ لأنَّ الأصل إتمام أيام "منى"، لكن في حقّ المتأخِّر؛ فهو إما مِن قبيل المقابلة اللفظيَّة، أو أنَّ نفي الإثم والحرج هنا يتعدَّى الإباحة إلى النَّدب، والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد .

 

أملاه :

عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

لسبع خلون من ربيع الآخر 1437هــ