الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد :
فقول القائل: “في الدُّنيا ثلاثة أشياء ممّا في الجنَّة: ذكر الله تعالى، والقلبُ الذي لا غِلَّ فيه، ومجالسُ الصَّالحين” غير مستقيم؛ فإنَّ كثيرًا مما في الجنَّة موجودٌ في الدُّنيا؛ مِن المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمساكن، ففي الدُّنيا ذهبٌ وفضَّة وحورٌ وحريرٌ ولبنٌ وماءٌ وعسلٌ وغيرُ ذلك، لكن مع اختلاف الحقائق، كما قال ابن عباس: ما في الدُّنيا مما في الجنَّة إلا الأسماء، وهكذا نقول: الذكر الذي في الدنيا ليس كالذكر الذي في الآخرة، فإنَّ أهل الجنَّة يُلهمون التَّسبيح كما يُلهمون النَّفَس، وأما الذَّاكرون في الدُّنيا فإنَّهم يحتاجون إلى مجاهدة لأنفسهم، وتعرض لهم العوارض مِن الكسل والغفلة.
وكذلك قلوب المؤمنين يوجد في بعضها الغِلُّ، حتى يقع شيء مِن ذلك في قلوب الكُمَّل؛ لأسباب تقتضيها الطَّبيعة البشريَّة والأحوال الدنيويَّة.
وكذلك مجالسُ الإخوان في الدنيا ليست كمجالس أهل الجنَّة؛ إخوانًا على سررٍ متقابلين، وإن كان الاسم واحدًا وأصلُ المعنى موجود.
وبهذا يظهر لي أنَّه لا تستقيم دعوى أنَّ في الدُّنيا ثلاثة أمور مما في الجنَّة، فهذا التَّحديد ليس جامعًا ولا مانعًا، ففي الدُّنيا ممَّا في الجنَّة غير هذه الثلاثة، وهذه الثلاثة ليست مثلما هي في الجنَّة، كما تقدَّم، والله أعلم.
وبهذا المناسبة أقول: لا ينبغي للمسلم ترويج بعض العبارات التي ليس لها دليل مِن الكتاب والسُّنَّة أو مِن كلام السَّلف، لا سيما في أمور الغيب، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد .
أملاه :
عبد الرَّحمن بن ناصر البرَّاك
في 12محرم الحرام 1440هـ