الرئيسية/فتاوى/عقيدة أهل السنة في الصفات وتوجيه ما جاء عن بعض السلف من التأويل
share

عقيدة أهل السنة في الصفات وتوجيه ما جاء عن بعض السلف من التأويل

السؤال :

‏‏شيخنا الفاضل عبد الرحمن بن ناصر البراك، حفظه الله ورعاه، نرجو الإجابة على سؤالنا أثابكم الله وسددكم؛ ‏نحن بعض طلبة العلم الذي نحاول توصيل العلم الشرعي في عقيدة أهل السنة والجماعة للعامة، وقد واجهتنا أسئلة منهم حول موضوع في العقيدة في غاية الأهمية، وقد أشكل علينا الأمر ولم نعرف كيف نرد ونوضّح، ‏وهو لماذا يُؤوِّل أهل السنة والجماعة بعض النصوص وأحيانًا يُفَوِّضون ويأخذون النص على ظاهره؟ فمثلًا في قوله تعالى: وَلِلَّهِ ‌الْمَشْرِقُ ‌وَالْمَغْرِبُ ‌فَأَيْنَمَا ‌تُوَلُّوا ‌فَثَمَّ ‌وَجْهُ ‌اللَّهِ ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌وَاسِعٌ ‌عَلِيمٌ [البقرة: 115] ، ‏فإن منهج أهل السنة والجماعة هو تأويل صفة الوجه لله -جلّ جلاله- بالجهة، ولم تؤخذ الآية على ظاهرها، ‏وكذلك في الآية الكريمة من قوله تعالى: أَلَمْ ‌تَرَ ‌أَنَّ ‌اللَّهَ ‌يَعْلَمُ ‌مَا ‌فِي ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَمَا ‌فِي ‌الْأَرْضِ ‌مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة: 7]، ‏فإن عقيدة علمائنا الأفاضل فيها هي معية السمع والبصر والعلم، أو المعية الخاصة بالتوفيق والهداية، ‏وليس معية الذات الإلهية، ذلك أن العقيدة فيها هي أن ربّنا سبحانه مستوٍ على عرشه كما ذكر لنا ربّنا ذلك في كتابه العزيز، كذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ ‌خَلَقْنَا ‌الْإِنْسَانَ ‌وَنَعْلَمُ ‌مَا ‌تُوَسْوِسُ ‌بِهِ ‌نَفْسُهُ ‌وَنَحْنُ ‌أَقْرَبُ ‌إِلَيْهِ ‌مِنْ ‌حَبْلِ ‌الْوَرِيدِ  [ق: 16] ، ‏وغيرها من النصوص القرآنية التي كان عن الذات الإلهية العليّة.

بينما في الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، فهنا العقيدة أخذت بظاهر النص، وأن الله تعالى ينزل بذاته إلى السماء الدنيا، ولم تُؤوَّل الصفة، كما في النصوص القرآنية السابقة، ‏فنرجو التكرم بتعريفنا بالطريقة المثلى التي نتبعها نحن أهل السنة والجماعة في صفات الله جلَّ جلاله، متى نؤوِّلها؟ ومتى نأخذها على ظاهرها؟

وهل هناك قاعدة قرآنية ربّانيّة أو قاعدة اصطلاحية لعلمائنا الأفاضل، نسترشد بها عند شرح هذا الأمر للعامة، ‏أرشدونا ودلونا، بارك الله فيكم، وجزاكم عن الأمة خير الجزاء.

 

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فإن مذهب أهل السنة والجماعة في صفات الله: هو الإثباتُ مع نفي التمثيل ونفي العلم بالكيفية، وإجراءُ النصوص على ظاهرها، أي: بإثبات ما تدل عليه، وترك صرفها عن ظاهرها بلا حجة؛ فإن هذا هو التحريف؛ فمذهب أهل السنة في صفات الله بريء من التعطيل والتمثيل والتكييف والتفويض في معانيها؛ لأنها مفهومة عندهم؛ لأن الله أخبر عن نفسه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن ربِّه بلسان عربيٍّ مُبِين مفهومٌ للمخاطبين؛ فبذلك عَرف المؤمنون ربَّهم بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله الصادق الأمين، وأما ما جاء عن بعض السلف من تأويل بعض الآيات، فلأدلةٍ اقتضت ذلك، مبيَّنةٍ في مواضعها.

فمن ذلك قولهم في الوجه في قوله تعالى: فَأَيْنَمَا ‌تُوَلُّوا ‌فَثَمَّ ‌وَجْهُ ‌اللَّهِ [البقرة: 115]؛ فإن المأثور عن مفسِّري السلف كمجاهد وغيره أن المراد بالوجه هنا الجهة، وهي القبلة، [1]  فالوجه هنا ليس صفة الله، بل هو جهة القبلة، ثم المتأخرون من أهل السنة منهم مَن مشى على هذا، فرأى أن هذه الآية ليست من آيات الصفات، كما اختار ذلك الإمام الكبير شيخ الإسلام ابن تيمية [2] ، ومنهم من رأى أنها من آيات الصفات، فأثبت بها الوجه، وممَّن اختار ذلك الإمام ابن خزيمة [3] وابن القيم [4] ، وهذا من العجب أن يخالف ابن القيم شيخه في هذه المسألة العظيمة، فيرى -أعني ابن القيم- أن هذه الآية من آيات الصفات.

والصواب –والله أعلم– أن المراد بالوجه في الآية الجهة، كما هو المأثور عن مفسِّري السلف، وكما هو موجَب سياق الآية؛ فإن كثيرًا من آيات سورة البقرة ابتداءً من هذه الآية هو في شأن القبلة؛ فإننا نقرأ من قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ‌فَأَيْنَمَا ‌تُوَلُّوا ‌فَثَمَّ ‌وَجْهُ ‌اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:115] إلى قوله: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: 142]، وقد هدى عباده إلى القبلة التي يرضاها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهي المسجد الحرام، إلى قوله: لَيْسَ ‌الْبِرَّ ‌أَنْ ‌تُوَلُّوا ‌وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 177] الآيات.

إذن فالموجِب لتفسير الوجه بالجهة في الآية: هو الموضوع الذي نزلت فيه هذه الآيات، وهو القبلة، وإليك بعض ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، قال: “قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ‌فَأَيْنَمَا ‌تُوَلُّوا ‌فَثَمَّ ‌وَجْهُ ‌اللَّهِ  [البقرة:115]  أي: قبلة الله ووِجهة الله، هكذا قال جمهور السلف” اهـ [5] ، وقال: “هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلًا” اهـ [6] ، وقال رحمه الله: “المراد بالوجه -هنا- القبلة؛ فإن “الوجه” هو الجهة في لغة العرب، يقال: قصدتُ هذا الوجه، وسافرتُ إلى هذا الوجه، أي: إلى هذه الجهة، وهذا كثير مشهور؛ فالوجه هو الجهة، وهو الوجه كما في قوله تعالى: وَلِكُلٍّ ‌وِجْهَةٌ ‌هُوَ ‌مُوَلِّيهَا [البقرة: 148] أي: متوليها، فقوله تعالى: وِجْهَةٌ ‌هُوَ ‌مُوَلِّيهَا كقوله: فَأَيْنَمَا ‌تُوَلُّوا ‌فَثَمَّ ‌وَجْهُ ‌اللَّهِ كلتا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربتان، وكلاهما في شأن القبلة، والوجه والجهة هو الذي ذُكر في الآيتين: أنَّا نوليه: نستقبله، والسياق يدل عليه؛ لأنه قال: فَأَيْنَمَا ‌تُوَلُّوا، و”أين” من الظروف، وتُوَلُّوا أي تستقبلوا. فالمعنى: أيَّ موضع استقبلتموه فهنالك وجه الله، فقد جعل وجه الله في المكان الذي يستقبله، هذا بعد قوله: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾، وهي الجهات كلها كما في الآية الأخرى: قُلْ ‌لِلَّهِ ‌الْمَشْرِقُ ‌وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: 142]، فأخبر أن الجهات له؛ فدلَّ على أن الإضافةَ إضافةُ تخصيص وتشريف؛ كأنه قال: جهة الله، وقبلة الله” اهـ [7] .

فعُلم بهذا أن تفسير الوجه في الآية بالجهة ليس تأويلًا، بل ليس المراد بالوجه في الآية صفة الله تعالى.

وأما قوله تعالى: أَلَمْ ‌تَرَ ‌أَنَّ ‌اللَّهَ ‌يَعْلَمُ ‌مَا ‌فِي ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَمَا ‌فِي ‌الْأَرْضِ إلى قوله:  إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة: 7] فالمعيَّة في هذه الآية هي المعيَّة العامَّة، والمعطِّلة نفاة العلو -القائلون بالحلول، أي: إن الله في كلِّ مكان- يجعلون الآية من أدلتهم، أي: إنه تعالى بذاته في كلِّ مكان؛ فلذلك قال أهل السنة: إن معنى الآية: معهم بعلمه، وهو فوق سماواته على عرشه يراهم ويسمعهم، كما قال ابن مسعود: “العرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه”، رواه ابن خزيمة وغيره [8] ، ويروى مرفوعًا، ومثله لا يُقال من قِبل الرأي.

وأيد أهل السنة ذلك بأن الآية بُدئت بالعلم، وخُتمت بالعلم [9] ، وقالوا أيضًا: إن المعيَّة في اللَّغة العربيَّة لا تستلزم اختلاطًا ولا ممازجة، كما تقول: سرنا والقمر معنا، ويقول الأمير للجيش: سيروا وأنا معكم، ويقول الرجل لولده إذا خاف: أنا معك؛ فالله مع عباده بعلمه وسمعه وبصره، ولا يقولون: إنه معهم بذاته؛ لما توهمه العبارة من اختلاط ذاته بذواتهم، وحلوله في الأمكنة، والحقيقة أنه تعالى نفسه مع عباده بعلمه وسمعه وبصره، يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم أحوالهم وما هم عليه، كما قال سبحانه: مَا ‌يَكُونُ ‌مِنْ ‌نَجْوَى ‌ثَلَاثَةٍ ‌إِلَّا ‌هُوَ ‌رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة: 7] [10] .

وقول أهل السنة: إن الله مع عباده بعلمه –أي: في الآية- مراعاةٌ للسياق، وردٌّ لقول المعطِّلة الحلوليَّة، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “العقيدة الواسطية”: “وكل هذا الكلام الذي ذكره الله -من أنه فوق العرش وأنه معنا- حقٌّ على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة” [11] .

فتبيَّن بهذا أن قول أهل السنة في المعيَّة ليس تأويلًا، بل هو بيان لمدلول الكلام الذي هو مقتضى السياق ومقتضى اللغة، وليس في ذلك متمسَّكٌ للطاعنين أو من يريد الطعن على أهل السنة؛ فمذهب أهل السنة مستقيمٌ ومطَّردٌ، والحمد لله رب العالمين، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وأما قوله تعالى: وَنَحْنُ ‌أَقْرَبُ ‌إِلَيْهِ ‌مِنْ ‌حَبْلِ ‌الْوَرِيدِ [ق: 16] فقد فسَّرها السلف [12] بأن المراد قربه تعالى بملائكته، وهم الحفظة الكاتبون، لا قربه بذاته؛ فإن من الممتنع أن يكون الله حالًّا في بدن الإنسان، وما قاله السَّلف ليس تأويلًا للآية، بل هو تفسير لها بما دلَّ عليه ظاهرها؛ لقوله تعالى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [ق: 17]، والتأويل هو صرف الكلام عن ظاهره لدليل يقترن به.

ولا يجوز أن يكون ظاهر شيء من آيات الصفات ممَّا هو ممتنع؛ فإن الذي أوجب للمعطِّلة تحريف نصوص الصفات؛ اعتقادهم أن ما دلَّت عليه هذه النصوص ممتنعٌ في حقه تعالى.

إذن فلا يجوز أن يقال: إن ظاهر قوله تعالى: وَنَحْنُ ‌أَقْرَبُ ‌إِلَيْهِ ‌مِنْ ‌حَبْلِ ‌الْوَرِيدِ هو الحلول الممتنع، بل ظاهر الآية قرب الملائكة، كما في الآية الأخرى: وَنَحْنُ ‌أَقْرَبُ ‌إِلَيْهِ ‌مِنْكُمْ ‌وَلَكِنْ ‌لَا ‌تُبْصِرُونَ [الواقعة: 85]، ولكنه تعالى أخبر عن ملائكته بالضمير الدَّال عليه “نحن”؛ لأن الملائكة رسلُه، والمنفِّذون لأمره؛ فصحَّ أن المراد قربه تعالى بملائكته، كما قال السلف، وشواهد هذا المعنى كثيرة في القرآن، قال تعالى: نَتْلُو ‌عَلَيْكَ ‌مِنْ ‌نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [القصص: 3] فالمراد تلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: فَإِذَا ‌قَرَأْنَاهُ ‌فَاتَّبِعْ ‌قُرْآنَهُ [القيامة: 18] [13] .

ومن علماء السنة من فسَّر القرب في الآية بقربه تعالى بعلمه، كما قالوا مثل ذلك في المعيَّة [14] ، والأول أظهر وأرجح؛ لأنه فهم السلف، ويدل عليه سياق الآيات [15] .

فتبيَّن ممَّا تقدم أن السَّلف يجرون نصوص الصفات من الكتاب والسُّنة على ظاهرها، وليس شيء منها عندهم يجب صرفه عن ظاهره؛ لأن ظاهره ممتنع؛ إذْ ليس شيء من النصوص ظاهره ممتنع، وما قيل في بعض النصوص: إنهم أوَّلوه، هي دعوى عليهم من خصومهم المعطِّلة، الذين يوجبون فيما نفوه إما التفويض وإما التأويل، كما هي طريقة الأشاعرة، وأهل السنة بريؤون من هذا وهذا.

وقول أهل السنة: تجرى النصوص على ظاهرها، أو تمرُّ كما جاءت، أو قول بعضهم: ولا تفسَّر، لا يريدون بذلك التفويض الباطل الذي مضمونه أن نصوص الصفات لا يفهم منها شيء، بل لا يعلم معناها إلا الله، وهذا باطل؛ فإن الله أنزل القرآن للتدبر، وما لا يفهم معناه لا يؤمر بتدبره؛ لأن المقصود بالتدبر هو فهم المراد من الكلام [16] .

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول.. الحديث، وهو متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه [17] ، فظاهره أن الله نفسه ينزل إلى سماء الدنيا، ليس المراد أنه ينزل ملَك، أو تنزل رحمته تعالى، كما يزعم أهل التعطيل والتحريف [18] ، ولا يلزم من نزوله تعالى محظورٌ لا يليق به، ويجب تنزيهه عنه، ولهذا يؤمن أهل السنة بأن الله ينزل حقيقة نزولًا يليق به، كما يقولون مثل ذلك في الاستواء والمجيء ونحوهما.

وما يشغِّب به أهل البدع على أهل السنة كثيرٌ؛ فلا يُلتفت إليهم؛ لأنهم خصوم، وكما تقدم: فإن مذهب أهل السنة بريء من كل المذاهب الباطلة: التعطيل، والتمثيل، والتكييف، والتفويض، والتحريف الذي يسمونه تأويلًا، ولعل هذا القدر كافٍ –إن شاء الله- في جواب السؤال.  

وأما قول السائل: “فنرجو التكرم بتعريفنا بالطريقة المثلى التي نتبعها نحن أهلَ السنة والجماعة في صفات الله جلَّ جلاله، متى نؤوِّلها؟ ومتى نأخذها على ظاهرها؟”

أقول: إن هذا السؤال لا يتوجه إلا إلى من يؤوِّل بعض النصوص دون بعض كالأشاعرة؛ فإنه ليس عندهم طريقة صحيحة يفرِّقون بها بين ما يُتأوَّل وما لا يتأوَّل، ولذلك قال شيخ الإسلام في “العقيدة التدمرية”: “ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض -الذين يوجبون فيما نفوه إما التفويض، وإما التأويل المخالف لمقتضى اللفظ- قانونٌ مستقيمٌ؛ فإذا قيل لهم: “لِمَ تأوَّلتم هذا وأقررتم هذا؟ والسؤال فيهما واحد؟”؛ لم يكن لهم جواب صحيح” اهـ [19]

وقد عُلم أن أهل السنة يجرون نصوص الصفات كلَّها على ظاهرها، ولا يفرقون بينها في إثبات ولا نفي ولا تأويل، فمذهبهم مستقيم مطَّرد، لا تناقض فيه ولا اضطراب. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد. 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في يوم السبت 15ذي القعدة 1444هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 ينظر: تفسير الطبري (2/459).
2 ينظر على سبيل المثال: بيان تلبيس الجهمية (6/ 71) وما بعدها، وجامع المسائل (8/ 193 – 194)، ومجموع الفتاوى (3/ 193). ونقل شيخنا -حفظه الله- بعض كلامه من مواضع أخرى من كتبه كما سيأتي.
3 ينظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/25).
4 ينظر: مختصر الصواعق (3/ 1010 – 1024).
5 مجموع الفتاوى (2/429).
6 مجموع الفتاوى (6/15).
7 مجموع الفتاوى (6/16-17)
8 أخرجه بهذا اللفظ: الدارمي في النقض على المريسي -ت القفيلي- (ص300 رقم 101). وأخرجه بنحوه: ابن خزيمة في التوحيد (1/244)، وأبو الشيخ في العظمة (2/688) والبيهقي في الأسماء والصفات (2/291 رقم 852). وصححه الذهبي. ينظر: العلو (45-46)، (ص79)، واجتماع الجيوش الإسلامية (ص390).
9 ينظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد (ص296).
10 ينظر: التوضيحات الجلية في شرح الفتوى الحموية لشيخنا (ص595).
11 الواسطية بشرح شيخنا (ص156).
12 قال ابن تيمية: ” ذكر غير واحد من المفسرين، مثل: الثعلبي وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهما في قوله تعالى: ﴿‌وَنَحْنُ ‌أَقْرَبُ ‌إِلَيْهِ ‌مِنْ ‌حَبْلِ ‌الْوَرِيدِ﴾، وفي قوله تعالى: ﴿‌وَنَحْنُ ‌أَقْرَبُ ‌إِلَيْهِ ‌مِنْكُمْ﴾ فذكر أبو الفرج القولين: إنهم الملائكة وذكره عن أبي صالح عن ابن عباس، وأنه القرب بالعلم” بيان تلبيس الجهمية (6/28). وينظر: زاد المسير (4/230).
13 ينظر: التوضيحات الجلية في شرح الفتوى الحموية لشيخنا (ص566).
14 ينظر: تفسير السعدي -الصميل- (ص756).
15 ينظر: بيان تلبيس الجهمية (6/25-40)، وشرح حديث النزول (ص354) وما بعدها.
16 أفاض شيخ الإسلام في إبطال مذهب التفويض، ورده من ستة أوجه في: مجموع الفتاوى (5/156-163)، وفي جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (10- 16). وينظر: التوضيحات الجلية في شرح الفتوى الحموية لشيخنا (ص248).
17 أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758). وهو حديث متواتر، رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية وعشرون صحابيًا كما قال ابن القيم في مختصر الصواعق (3/1108).
18 ينظر: شرح حديث النزول (ص138-149)، (ص233-236)، ومختصر الصواعق المرسلة (3/1100).
19 التدمرية بشرح شيخنا -ط المؤسسة- (ص219).