الرئيسية/فتاوى/هل تصح نسبة كتاب “تنبيه الرجل العاقل” لابن تيمية
share

هل تصح نسبة كتاب “تنبيه الرجل العاقل” لابن تيمية

السؤال :

أحسن الله إليكم؛ هل تصح نسبة كتاب “تنبيه الرجل العاقل” لابن تيمية؟ فقد وجدت فيه ما أشكل عليَّ، منها قوله في (ص ٢١٣): “الإرادة صفة أزلية وإن كان تعلقها حادثًا، وقد يوصف بأنه إرادةٌ أيضًا”. وقوله في (ص٢٩٩): “الأحكام منقسمة إلى ما يُعَلَّل وما لا يُعَلّل، والمُعَلَّل في نفس الأمر منقسم إلى ما تعقل عِلّته، وإلى ما لا تعقل عِلّته”.

علمًا أنه اختلف بعض طلبة العلم في نسبة هذا الكتاب لابن تيمية، فما رأيكم في صحة نسبة هذا الكتاب له. أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيرًا.

الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، أما بعد:

فإن الكتاب المسؤول عنه قرئ عليَّ شيءٌ منه من مدة، وكان الأسلوب موافقًا عندي لأسلوب شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد بلغني أن من الناس مَن يشكك في نسبته إلى شيخ الإسلام، ولم يكن عندي ما أردُّ به عليه، ثم وقفت أخيرًا على ما كتبه الدكتور علي بن محمد العمران، ونشره في موقع (الألوكة)[1]، وقد ذكر أدلةً على صحة نسبة الكتاب إلى الإمام ابن تيمية، وبعدما سمعت ما ذكره الدكتور عليٌّ علمتُ قطعًا بأن الكتاب لشيخ الإسلام، كما ذكر المحققان؛ فلا ينبغي التردد في ذلك، وأنصح بالوقوف على ما ذكره المحقق الدكتور علي العمران من الأدلة؛ فإن من وقف عليها لا يتردد في صحة نسبة الكتاب إلى الشيخ، كما وقع ذلك لي، وأمَّا ما ذكره السائل من المسألتين اللتين أشكلتا عليه، فليس فيهما عندي إشكال.

فأما مسألة الإرادة: فقد تضمَّن كلام الشيخ إثبات إرادة قديمة، وإرادات متجددة، والإرادة الأزليَّة القديمة هي من لوازم علمه تعالى القديم بما سيفعله تعالى؛ فالإرادة القديمة عامَّة في كل ما سيفعله، وهو تعالى يعلم ما سيفعله، ومتى يفعله، فإذا جاء أجل أيِّ فعلٍ أراده تعالى، وقال: كن فيكون، فتلك إرادة خاصَّة، وهذه الإرادة يأتي على إثرها الأمر التكويني إِنَّمَا ‌أَمْرُهُ ‌إِذَا ‌أَرَادَ ‌شَيْئًا ‌أَنْ ‌يَقُولَ ‌لَهُ ‌كُنْ ‌فَيَكُونُ [يس: 82]، إذن فلكل فعل إرادة، قال ابن القيم في قوله تعالى: فَعَّالٌ ‌لِمَا ‌يُرِيدُ [البروج: 16][2]: يدل على أن كلَّ ما فعله فقد أراده، وما أراده فعَله، وذلك يختص بالإرادات المتعلقة بالأفعال المعيَّنة، أمّا الإرادة العامة القديمة فلا يقترن بها الأمر التكوينيُّ[3].

أما المسألة الثانية: وهي تعليل الأحكام، فالتقسيم الذي ذكره السائل، وأنه ممَّا أشكل عليه في الكتاب، فإنه هو التقسيم المشهور عند الأصوليين؛ فالأحكام منها ما هو معلَّل ومنها ما هو غير معلَّل[4]، والمعلَّل من الأحكام منه ما تُعلم علته بنصٍّ أو استنباط، وما لا تعلم علته، هو ما يسمِّيه الأصوليون تعبديًّا، فليس في التقسيم المذكور زيادة على ما ذكره الأصوليون[5]، ولا تعارضٌ مع ما ذكروه، والحاصل أنه لا إشكال فيه، وإذن فلا ينبغي الشَّكُّ في نسبة الكتاب من أجل هاتين المسألتين، وفق الله الجميع، وألهمنا الصواب.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 9 شعبان 1445هـ

 

[1] وهو مثبت بنحوه في مقدمة الطبعة الثانية والثالثة (ص7). وزاد القرينة الثالثة عشرة.

[2] ينظر: التبيان في أقسام القرآن (ص152-153).

[3] ينظر كلام شيخ الإسلام في بيان هذه المسألة في: منهاج السنة النبوية (1/ 178) وما بعدها، و(1/297)، ودرء تعارض العقل والنقل (2/ 172)، ومجموع الفتاوى (16/301).

[4] ولا يلزم منه نفي الحكمة في الشرائع. ينظر: منهاج السنة (1/141) وما بعدها، ومجموع الفتاوى (8/377).

[5] ينظر: البحر المحيط (7/156)، ومذكرة في أصول الفقه للشنقيطي (ص48).