الرئيسية/فتاوى/حكم التيمم خوفا من فوات صلاة الجمعة أو الجنازة أو العيد أو فوات الوقت
share

حكم التيمم خوفا من فوات صلاة الجمعة أو الجنازة أو العيد أو فوات الوقت

السؤال :

ما قولكم – أدام الله فضلكم – في التيمم خوف فوات صلاة الجمعة والجنازة والعيدين، أو خوف فوات الوقت؟

الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، أما بعد:

فقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أن الطهارة شرط لصحة الصلاة فرضها ونفلها[1]؛ الطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء، ومن الحدث الأكبر بالغسل، وأن التَّيمم يقوم مقام الماء في الحدث الأصغر والأكبر عند عدم الماء أو العجز عن استعماله بمرض أو غيره، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إلى قوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا[المائدة:6]، وفي الحديث الصحيح: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تُقبل صلاةٌ بغير طُهور ولا صدقة مِن غُلول[3]، والإجماع على اشتراط الطهارة في صحة الصلاة وإجزاء التيمم بدلَ الماء قطعيٌّ[4]، ولكن العلماء اختلفوا في أشياء من مسائل التيمم، كالخوف من فوت صلاة الجمعة، أو خوف فوت الجنازة، أو خوف فوات العيد؛ فذهب طائفة من العلماء – على ما بينهم من اختلاف في هذه المسائل – إلى إباحة التَّيمُّم في هذه الأحوال[5]، ولم يذكروا فيما أعلم دليلًا نقليًّا يتضمَّن النصَّ على بعض هذه المسائل، ولا قياسًا، والذي يظهر للمتدبِّر في كلامهم أن عمدتهم في إباحة التيمم في هذه الأحوال المذكورة في السؤال ما يحصل للمكلَّف من المشقَّة بفوت هذه الفرائض أو الفضائل، وهذا لا يكفي في مخالفة ظاهر النصوص من الكتاب والسنة في اشتراط الطهارة للصَّلاة، وأن التيمم لا يقوم مقام الوضوء والغسل إلا عند عدم الماء، أو العجز عن استعماله.

لهذا فالذي يترجَّح عندي أنه لا يباح التيمم لفوت ما ذُكر[6]، ومن خاف فوات الجمعة أو الجنازة أو العيد لعذر فلا يفوته الأجر لنيَّته وعزيمته؛ لأنه لم يترك شيئًا من ذلك إلا اضطرارًا، كمن أحدث بعد دخول الإمام يوم الجمعة، فلو خرج للوضوء فاتته الصلاة، وقال المبيحون: يتيمَّم، وقد حُكي الإجماع في هذه المسائل على خلاف ما قاله المبيحون،  قال ابن المنذر رحمه الله : “قال أبو ثور: لا أعلم خلافًا أن رجلًا لو أحدث يوم الجمعة وخاف فوتها أن ليس له أن يتيمم ويصلي”[7] ، وقال ابن المُنذِر أيضًا: “أجمع أهلُ العلم على أنَّ مَن خاف فوت الجمعةِ إنْ ذهب يتطهَّرُ بالماء، أنَّه لا يتيمَّم، ولكنَّه يتطهَّرُ، وإنْ فاتَته الجمعة”[8]، وقال ابن بطَّال: “أجمع أهل العلم على أن من خاف فوت الجمعة أنه لا يجوز له التيمم، مثل أن يدرك الإمام في الركعة الثانية، فإن تيمم أدركها مع الإمام، وإن توضأ فاتته، فكلُّهم قال: لا يتيمم وإن فاتته الجمعة، فالذي يخاف فوت الجنازة أولى بذلك”اهـ[9]، وبناء على ذلك فليس لأحد أن يتيمَّم خوفًا من فوات شيء ممَّا ذُكر. والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 14 شوال 1445هـ

 

[1] ينظر: المحلى (1/75)، والمجموع شرح المهذب (2/223).

[2] أخرجه البخاري (6954)- واللفظ له-، ومسلم (225) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه مسلم (224) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[4] ينظر: مراتب الإجماع (ص40)، (ص43)، والإقناع في مسائل الإجماع (1/70)، (1/91).

[5] وجعل الحنفية لعها ضابطًا: أن كل ما يفوت لا إلى بدل يجوز أداؤه بالتيمم مع وجود الماء؛ كالعيد والجنازة، لذلك قالوا: لا يتيمم خشية فوات الجمعة، وذهب بعض المالكية، وابن تيمية أن الجمعة يتيمم لها خشية الفوات. ينظر: المبسوط (1/118)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/148)، ومجموع الفتاوى (21/456).

[6] ينظر: المجموع شرح المهذب (2/244)، والمغني (1/345).

[7] الأوسط (2/71).

[8] الأوسط (5/425).

[9] شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/305-306).