الرئيسية/فتاوى/ضابط الحكم على الشخص بأنه مبتدع في العقيدة

ضابط الحكم على الشخص بأنه مبتدع في العقيدة

السؤال :

أحسن الله إليكم، هل كل من أخطأ في مسألة من مسائل العقيدة يحكم عليه بأنه من أهل البدع، وما ضابط الحكم على الشخص بأنه مبتدع في العقيدة؟ وبارك الله فيكم.

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فلا يخفى أن الحكم يختلف باختلاف سببه قوة وضعفًا، وقلةً وكثرةً، وهذا مطَّرد في الأحكام الشرعيَّة والعقليَّة؛ فلا يستوي مرتكب الصغيرة ومرتكب الكبيرة من الذنوب، فكلاهما مسيء، ومرتكب الكبيرة فاسق، كما لا يستوي من ارتكب كبيرة واحدة، ومن يكون مسرفًا بارتكاب عظائم من الذنوب، هذا في المعاصي، وقل مثل ذلك في البدع الاعتقادية والعملية، وعليه؛ فمن وقع في خطأ في مسألة اعتقادية، وليس ذلك منه مبنيًا على تأصيل بدعيٍّ، فهذا لا يسلك في طوائف المبتدعة، أمَّا من كثر خطؤه في الاعتقاد فلابد أن يكون عنده أصلٌ أوجب له ذلك، كما هي حال الجهميَّة والمعتزلة، ومن تبعهم كالأشاعرة والماتريديَّة، فهذه طوائف مذاهبهم قائمة على أصول باطلة، أوجبت لهم أنواعًا من الباطل في الاعتقاد في باب الصفات وباب القدر والإيمان، إذن فالحكم يختلف باختلاف عِظم الخطأ وصِغَره وكثرته وقلته، كما تقدَّم.

ولهذا يوجد لبعض أهل السنة أخطاء شاركوا فيها أهل البدع، ولم يوجب ذلك إلحاقَهم بتلك الطوائف، ولا عدَّهم منهم، كمَن نفَى العَجب عن الله، وهو القاضي شريح[1]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ: بَلْ عَجِبْتُ[الصافات:12][2] ويقول: إن الله لا يعجب”. مجموع الفتاوى[3]. ومن تأوَّل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] بانتظار ثوابه، وقد جاء هذا عن مجاهد[4]، فاعتبر -أيها السائل- بهذا التأصيل، وابنِ عليه حكمك في أصحاب الأقاويل. والله أعلم[5].

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 22 صفر 1446ه

 

[1] ‌أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، قاضي الكوفة. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وانتقل من اليمن زمن أبي بكر الصديق. حدَّث عن عمر، وعلي رضي الله عنها، وهو نزر الحديث، وحدث عنه: الشعبي، وإبراهيم النخعي وغيرهم. توفي سنة (78)، وقيل: سنة (80). ينظر: أخبار القضاة (2/189)، وسير أعلام النبلاء (4/101).

[2] وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. ينظر: النشر في القراءات العشر (2/356).

[3] (12/492).

[4] ينظر: تفسير الطبري (23/508-509).

[5] ينظر: مجموع الفتاوى (20/33).