الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
فالواجب وضع كلام الله في مواضعه، وتفسيره بما فهمه الصحابة والتابعون وتبعهم على ذلك المفسرون، ولذلك نقول: لا يجوز ذكر الآية، وضمُّ شيء إليها من قول أو صورة يُوهِم أنه هو المراد بالآية، أو أن معنى الآية يشمله؛ فهذا من التحريف بالقول أو الفعل، ومثال ذلك ما جاء في الفتوى السابقة؛ فإن دعاء إبراهيم -عليه السلام- يقصد به مكة وما أحاط بها من الحرم[1]؛ فجميع الحرم داخل في البلد الأمين، وداخل في دعاء إبراهيم، ولا يجوز تفسيره بجزيرة العرب، ومن ذلك تطبيق الآية على نواحي المملكة بنشر صورها إلى جوار الآية، وعلى هذا فلا يجوز تطبيق الآيات التي فيها أدعية الأنبياء على المناسبات، وذلك بالاستشهاد بها كما ورد في السؤال في الذي وُلد له مولود فتلى الآية وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم: 6]، واللائق بصاحب المولود أن يدعو لمولوده بمثل ما دعا زكريا فيقول: “اللهم أجعله رضيا”، ولا يجعل مكان الدعاء تلاوة الآية، وفرقٌ بين الدعاء وتلاوة الآية المتضمنة للدعاء، ولذا يجوز أن تدعو في السجود بالأدعية الواردة في الآيات، ولا يجوز أن تتلو هذه الآيات في السجود[2] لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا[3] ويحصل الفصل بين الدعاء والتلاوة بالنية؛ فضع أيها المسلم الدعاء في موضعه، والقرآن في موضعه؛ فإن الحكمة وضع الأشياء في مواضعها، ومن شواهد الاستشهاد بالآية في غير موضعها ذلك الذي لما قُدِّم له لحم بعض الطير؛ قرأ قوله تعالى: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة: 21]، وشتَّان بين حقائق ما في الجنة، وحقائق ما في الدنيا فليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء[4]، والله أعلم.
قال ذلك:
عبد الرحمن بن ناصر البراك
حرر في يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة من عام خمسة وأربعين وأربع مئة بعد الألف.
[1] ينظر: تفسير الطبري (2/537).
[2] ينظر: المحلى (4/42)، والإنصاف (4/22-23).
[3] أخرجه مسلم (479) عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.
[4] أخرجه هناد في الزهد (٣)، والطبري في التفسير (١/٤١٦)، والبيهقي في البعث والنشور (٩٠٦) عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا عنه بنحوه، وجوَّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (4/316)، وصححه الألباني في الصحيحة (٢١٨٨).