الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، أما بعد:
فمطلق إضافة المسيس إلى الله لما شاء من خلقه لا ريب في جوازه على الله؛ إذْ لا دليل يدل على امتناعه، وهو مشهور عند السلف، ذكروا ذلك في خلق آدم بيديه[1]، وفي استواء الله على عرشه[2]، وأهل البدع يقطعون بنفيه، وأمَّا أهل السنة فيثبتونه، وقد يتوقف بعضهم في المسألة المعيَّنة[3].
وبناءً على ذلك فما ورد من الآثار في شأن داود -عليه السلام- فهو داخل في حيِّز الجواز، وأمَّا الجزم بوقوعه فيرجع إلى هذه الآثار وما يمكن أن يثبت بها، ولكن روايةُ هؤلاء الأئمة لهذا الأثر[4] عن عُبيد بن عُمير[5] في تفسير قوله تعالى: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى، وذِكرُ ابن تيمية له[6] يقتضي أن هذا ممَّا تلقوه بالقبول، وليس لنا عمَّا قبلوه عدول؛ فإنهم أعلمُ بما يليق بالله وما لا يليق، وأغيرُ على الله من أن يضاف إليه ما لا يليق، وبهذه المناسبة أذكر أنِّي كتبت تعليقًا مطوَّلًا على مسألة المسيس، وهو موجود في كتاب “التعليقات”[7]، يسَّر الله نشره. والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد.
أملاه:
عبد الرحمن بن ناصر البراك
حرر في 12 جمادى الآخرة 1445هـ
[1] جاء عن ميسرة الكندي أنه قال: “إن الله لم يمس شيئًا من خلقه غير ثلاث: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده.” أخرجه الدارمي في النقض على المريسي (ص178)، وأخرجه بنحوه عبد الله ابن أحمد (573)، (574) عن عكرمة وخالد بن معدان، وينظر: الشريعة (3/ 1183-1185).
[2] ينظر: بيان تلبيس الجهمية (5/124-128).
[3] سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن قول: بلا مماسة؟ فأجاب: “هذا الأَولى تركه، فإن ما نطق به الكتاب والسنة والقول بأنه على ما يليق أَولى”. مجموع فتاويه ورسائله (1/210).
[4] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (694).
[5] عبيد بن عمير بن قتادة الليثي الجندعي المكي، الواعظ، المفسر، وكان ثقةً كثير الحديث، وُلد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدث عن أبيه، وعمر بن الخطاب، حدَّث عنه: ابنه؛ عبد الله بن عبيد، وعطاء بن أبي رباح، توفي: قبل ابن عمر بأيام يسيرة. وقيل: توفي في (74). ينظر: طبقات ابن سعد (8/24)، وسير أعلام النبلاء (4/156).
[6] التسعينية (2/393)، وهو في الفتاوى الكبرى (6/410) كما نقل السائل، وينظر: بيان تلبيس الجهمية (6/55)، (6/220).
[7] نصوص وتعليقات (ص55).