الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فما قاله الشيخ عبد الرحمن بن حسن[1] في النووي حقٌّ؛ يعرف ذلك من تتبَّع تأويلات النووي[2]، وأما هذا الحديث المشار إليه في السؤال فيدل ظاهره على أن البراءة في الحديث تتعلق بالفاعل، ولا يحتمل لفظُه إلا هذا؛ فإن الضمير في الحديث “مِنه”، يعود إلى “مَن” في قوله في الحديث: “مَن عقد لحيته”[3] إلخ، وقول النووي[4] يقتضي أن الضمير يعود إلى الأفعال (العَقد والتقلُّد والاستنجاء)؛ فتبيَّن أن كلام النووي تأويلٌ، وهو صرف للكلام بغير حُجَّة، وكأنَّ النووي استعظم البراءة من الفاعل، وأن ذلك لا يستحقه إلا مَن فعل كبيرة، والاستنجاء بالعظم والروث وما ذُكر معه عند النووي ليس بكبيرة[5]، والصواب أنه كبيرة[6]؛ لورود الوعيد الشديد على فاعله[7]، ولكن ينظر في ثبوت الحديث، وهو مختلف في صحته[8]. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 25 ربيع الأول 1446هـ
[1] فتح المجيد- ت الفريان- (1/249).
[2] ينظر: الردود والتعقبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم في التأويل لمشهور حسن سلمان.
[3] أخرجه أحمد (16995)، (16996)، (17000)، وأبو داود (36)، والنسائي (5067)، وجوَّده ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/154) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (27).
[4] قاله النووي في كتابه: الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني (ص192).
[5] وصرَّح بعدم الجواز والتحريم. ينظر: المجموع شرح المهذب (2/115)، والإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني (ص102-103)، (ص112-113).
[6] ينظر: قرة عيون الموحدين (ص221).
[7] ينظر ضابط الكبيرة في: شرح الطحاوية لشيخنا (ص252-254).
[8] تقدم من صححه، وقال البزار (2317): ” وهذا الحديث قد روى نحو كلامه غير واحدٍ، وأما هذا اللفظ فلا يُحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد غير رويفع، وقد أُدخل في المسند لأنه قال: “فقد برئ مما أنزل على محمد” وإسناده حسن غير شيبان (وهو القتباني) فإنه لا نعلم روى عنه غير شِيَيْم بن بَيتان، وعيَّاش بن عباس مشهور”، وجاء في مسند الإمام أحمد (16992) من رواية ابن لهيعة وفيه مقال. ينظر: الجرح والتعديل (5/145 رقم 682)، وتهذيب التهذيب- ط دبي- (3732).