الرئيسية/فتاوى/قاعدة من تعلق بما ‌ليس ‌بسبب شرعي أو حسي فقد أشرك الشرك الأصغر

قاعدة من تعلق بما ‌ليس ‌بسبب شرعي أو حسي فقد أشرك الشرك الأصغر

السؤال :

فضيلة شيخنا الكريم، أحسن الله إليكم، قرَّر بعض أهل العلم قاعدة، وهي: كلُّ من جعل شيئًا سببًا، وليس هو سببًا شرعيًّا ولا حسِّيًّا؛ فإنه قد أتى نوعًا من الشرك الأصغر. فهل يصح إطلاق هذه القاعدة؟

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فهذه المسألة ذكرها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في الباب السابع من كتاب التوحيد: (بابٌ من الشرك لبسُ الحلقة والخيط ونحوهِما لرفع البلاء أو دفعه)[1]، وذكر فيه حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- في الرجل الذي رأى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- حلْقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا؛ فإنكَ لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا[2]، وذكر فيه حديث عقبة بن عامر مرفوعًا: مَن تعلَّق تميمة فلا أتمَّ الله له، ومَن تعلَّق ودَعة فلا ودَع الله له[3]، وفي رواية[4]: مَن تعلَّق تميمة فقد أشركَ[5]، وذكر فيه أثر حذيفة -رضي الله عنه- أنه رأى رجلًا في يده خيطٌ من الحمى فقطعه، وتلا قوله: وَمَا ‌يُؤْمِنُ ‌أَكْثَرُهُمْ ‌بِاللَّهِ ‌إِلَّا ‌وَهُمْ ‌مُشْرِكُونَ [يوسف: 106] [6]، ففي حديث عقبة وأثر حذيفة التصريح بأنَّ هذا شرك؛ فمَن لبس حلقة مِن حديد، أو معدن آخر، أو من نسيج، كخيط؛ لرفع البلاء بعد نزوله، أو دفعه قبل نزوله، معتقدًا أنَّ ما لبسه سببٌ في ذلك مع أنه لم يدل على سببيَّته شرعٌ ولا عقلٌ، بل ظنٌّ لا مستند له، فهو تعلُّقٌ بما لم يجعله الله سببًا، لا شرعًا ولا كونًا، والغالب على مَن يفعل ذلك الاعتمادُ بالقلب عليها، ومن المقرَّر عند العلماء[7] أن الاعتماد على الأسباب –ولو كانت سببيَّتها محقَّقة– شركٌ في التوحيد، فكيف إذا كانت مِن الأسباب المتوهَّمة؟! فذلك شركٌ من وجهين: الأول: اعتقاد سببيَّة ما ليس بسبب. الثاني: الاعتماد عليها.

فعُلم ممَّا تقدم أن القاعدة المسؤول عنها صحيحة، ثم نقول: إن الأسباب أقسام: كونيَّة وشرعيَّة؛ فالشرعيَّة هي الطاعات؛ إذْ هي سبب الثواب، والمعاصي سبب العقاب.

والكونيَّة: حسِّيَّة ومعنويَّة، فالحسِّيَّة ما يعرف بالتجربة، كالأسباب الطِّبِّيَّة وقائيةً أو علاجيَّةً، ومثلها الأسباب الصِّناعيَّة؛ فإنها حسِّيَّة يتوصَّل إليها بالتجربة، ومن الأسباب الحسِّيَّة ما يُعلم بالمشاهدة، وليس للإنسان أثرٌ فيه، كخروج النبات والثمار بالماء النازل من السماء، قال تعالى: فَأَنْزَلْنَا ‌بِهِ ‌الْمَاءَ ‌فَأَخْرَجْنَا ‌بِهِ ‌مِنْ ‌كُلِّ ‌الثَّمَرَاتِ [الأعراف: 57]، وقبل ذلك كلِّه فاللهُ تعالى خالقُ الأسباب والمسبَّبات، ومن القواعد التي قرَّرها شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المقام في مواضع من كتبه أنه ليس في المخلوقات سببٌ واحدٌ يستقل بالتأثير، بل لابد من انضمام سبب أو أسباب إليه، ولابد من انتفاء الموانع؛ فلا يستقل بالتأثير إلا مشيئة الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ يكن[8]. ولعله يكفي هذا القدر في الجواب. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 2 ربيع الآخر 1446هـ

 

[1] كتاب التوحيد بشرح شيخنا (ص178).

[2] أخرجه أحمد (20000)، وابن ماجه مختصرًا (3531)، والبزار (3547)، وابن حبان (6085)، واختلف في هذا الحديث: فصححه ابن حبان، وحسنه البوصيري في مصباح الزجاجة (4/77)، وضعفه الألباني في الضعيفة (1029).

[3] أخرجه أحمد (17404)، وأبو يعلى (1759)، وصححه ابن حبان (6086)، والحاكم (7501)، وسيورده المصنف في الحديث الآتي.

[4] قال الشيخ سليمان في تيسير العزيز الحميد (1/310): “وقوله في “رواية” هذا يوهم أن هذا في بعض روايات الحديث المذكور، وليس كذلك، بل المراد أنه في حديث آخر، رواه الإمام أحمد أيضًا”.

[5] أخرجه أحمد (17422)، والحارث بن أبي أسامة في مسنده (563- زوائده)، والطبراني في الكبير (885) عن عقبة بن عامر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل إليه رهط، فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: “إن عليه تميمة” فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال: فذكره.

أورده الهيثمي في المجمع (5/103): وقال: “رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات”. وبنحوه قال المنذري في الترغيب (5191)، وتقدم آنفًا.

[6] أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (12040).

[7] ينظر على سبيل المثال: إحياء علوم الدين (8/194)، وبغية المرتاد (ص262)، والتحفة العراقية (ص345).

[8] ينظر على سبيل المثال: الصفدية- ط أضواء السلف- (ص181)، وجامع المسائل (2/79)، ومجموع الفتاوى (8/70)، (8/133-134)، (8/166-170).